«التضامن» توافق على إشهار جمعيتين في محافظة البحيرة    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025    يوسف معاطي: سمير غانم لن يتكرر وأكثر كوميديان يضحك عادل إمام    الصحة: توقيع بروتوكول لدعم الولادات الطبيعية ضمن المبادرة الرئاسية «الألف يوم الذهبية»    للطلاب المتقدمين لمدارس التكنولوجيا التطبيقية.. طريقة دفع رسوم الاختبار    وزير العمل: التعليم الفني يشهد طفرة كبيرة في السنوات الأخيرة بتعاون وجهود ملحوظة من القطاع الخاص    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل برنامج الدراسات القانونية باللغة الفرنسية ب "حقوق حلوان"    وزير الري يتابع أعمال مصلحة الميكانيكا والكهرباء وموقف إعداد خطة لإدارة وصيانة محطات الرفع بمصر    معيط: دمج مراجعتي صندوق النقد يمنح مصر وقتًا أوسع لتنفيذ الإصلاحات    وزير التنمية المحلية: شركاء التنمية حليف قوي في دفع العمل البيئي والمناخي في مصر    ترامب: لا أسعى للقاء جين بينج لكني قد أزور الصين تلبية لدعوته    ارتفاع حصيلة ضحايا إطلاق النار فى نيويورك ل5 أشخاص بينهم ضابط شرطة    ترامب: لا أسعى للقاء جين بينج لكني قد أزور الصين تلبية لدعوته    دخول 9 شاحنات مساعدات إنسانية إلى معبر كرم أبو سالم تمهيدًا لدخولها لقطاع غزة    وزير الخارجية يلتقي بقادة مجموعة الحكماء The Elders الداعمة للسلام    رئيس الوزراء البريطاني يعقد اجتماعا طارئا لبحث مسار السلام في غزة    رئيس اتحاد طنجة: عبد الحميد معالي اختار الانضمام إلى الزمالك عن أندية أوروبا    كريم رمزي يعلق على ستوري عبد القادر.. ويفجر مفاجأة بشأن موقف الزمالك    ثنائي المصري أحمد وهب وأحمد شرف ضمن معسكر منتخب الشباب استعدادًا لبطولة كأس العالم بشيلي    بعد القبض على رمضان صبحي.. تعرف على موقفة القانوني ومدة الحبس وموعد الأفراج عن اللاعب    نقيب المهندسين ل طلاب الثانوية العامة: احذروا من الالتحاق بمعاهد غير معتمدة.. لن نقيد خريجيها    بيان عاجل من الكهرباء بشأن انقطاع التيار بالجيزة.. والوزارة: انتهاء التغذيات في هذا الموعد    "حرارة مرتفعة ورطوبة خانقة".. الأرصاد تكشف عن تفاصيل طقس الثلاثاء    عاجل.. الشرطة تلقي القبض على رمضان صبحي بعد عودته من تركيا    أسعار الخضروات والفاكهة اليوم الثلاثاء في شمال سيناء    سميرة صدقي: محمد رمضان وأحمد العوضي مش هيعرفوا يبقوا زي فريد شوقي (فيديو)    العظماء السبعة في دولة التلاوة، خريطة إذاعة القرآن الكريم اليوم الثلاثاء    رسميًا الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 29-7-2025 في البنوك    حملة «100 يوم صحة» تقدم 19.2 مليون خدمة طبية مجانية خلال 13 يوما    تفاصيل القبض على رمضان صبحي في مطار القاهرة (إنفوجراف)    رابط التقديم الإلكتروني ل تنسيق الصف الأول الثانوي 2025.. مرحلة ثانية (الحد الأدني ب 6 محافظات)    ضياء رشوان: الأصوات المشككة لن تسكت.. والرئيس السيسي قال ما لم يقله أحد من الزعماء العرب    مصرع 30 شخصًا في العاصمة الصينية بكين جراء الأمطار الغزيرة    يقل فوج من المصطافين.. إصابة 59 شخصاً إثر انقلاب أتوبيس رحلات خلال العودة من مطروح    بفرمان من ريبيرو.. الأهلي يتراجع عن صفقته الجديدة.. شوبير يكشف    من «ظلمة» حطام غزة إلى «نور» العلم فى مصر    «رجب»: احترام العقود والمراكز القانونية أساس بناء الثقة مع المستثمرين    بدء اختبارات مشروع تنمية المواهب بالتعاون بين الاتحادين الدولي والمصري لكرة القدم    من هو ريان الرحيمي لاعب البنزرتي الذي أشاد به ريبيرو؟    تحت عنوان «إتقان العمل».. أوقاف قنا تعقد 126 قافلة دعوية    وزير الثقافة يشهد العرض المسرحي «حواديت» على مسرح سيد درويش بالإسكندرية    لا تليق بمسيرتي.. سميرة صدقي تكشف سبب رفضها لبعض الأدوار في الدراما    مرشح الجبهة الوطنية: تمكين الشباب رسالة ثقة من القيادة السياسية    تشييع جثماني طبيبين من الشرقية لقيا مصرعهما في حادث بالقاهرة    لجنة للمرور على اللجان الانتخابية بالدقهلية لبحث جاهزيتها لانتخابات الشيوخ    صراع على السلطة في مكان العمل.. حظ برج الدلو اليوم 29 يوليو    غادة عادل vs صبا مبارك.. انطلاق تصوير «وتر حساس» الجزء الثاني    محافظ سوهاج يوجه بتوفير فرصة عمل لسيدة كفيفة بقرية الصلعا تحفظ القرآن بأحكامه    تشييع جثمانى طبيبين من الشرقية لقيا مصرعهما فى حادث على الدائرى.. صور    «النادي ممكن يتقفل».. رسائل نارية من نصر أبوالحسن لجماهير الإسماعيلي    لها مفعول السحر.. رشة «سماق» على السلطة يوميًا تقضي على التهاب المفاصل وتخفض الكوليسترول.    للحماية من التهاب المرارة.. تعرف على علامات حصوات المرارة المبكرة    بدون تكلفة ومواد ضارة.. أفضل وصفة طبيعية لتبييض الأسنان    مي كساب بإطلالة جديدة باللون الأصفر.. تصميم جذاب يبرز قوامها    ما الوقت المناسب بين الأذان والإقامة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    إلقاء بقايا الطعام في القمامة.. هل يجوز شرعًا؟ دار الإفتاء توضح    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وائل جمال: عام الأحلام الخَطِرة
نشر في أخبار مصر يوم 08 - 01 - 2013

عندما سُئل الفنان رسام الكاريكاتير الكبير عمرو سليم عن توقعاته لسنة 2013 فى أحد البرامج التليفزيونية، رسمها وكتب بجانبها أنها عام 2011 لكنها متنكرة فى صورة السنة الجديدة، بينما وضع بجوارها جملته الأثيرة : كاريكاتير عميق المغزى. وهو كذلك بالفعل.
فلم ينج عام 2012 من الأسئلة الكبرى التى جلبها عام الثورة الذى سبقه، بكل ما شهده من أحداث كبرى: من الربيع العربى إلى حركة احتلوا وول ستريت إلى تمرد الشوارع فى لندن ومدن بريطانية أخرى، وكلها تشير إلى حركات احتجاج تسعى لعدالة ومساواة غائبة. لكن وفى الوقت نفسه شهد العام مقتل 80 شخصا على يد آندرياس بريفيك، الذى شن حملة تفجيرات وإطلاق نار على مبانى حكومية وعلى معسكر مراهقين لحزب العمال فى النرويج، تحت مظلة أفكار معادية للإسلام والنسوية معا ومؤيدة للصهيونية، وتحت شعار «استقلال أوروبا».
يقول الفيلسوف سلافوى جيجيك فى كتاب صادر فى أكتوبر الماضى عن دار فرسو، تحت هذا العنوان: «عام الأحلام الخطرة»، إن الإعلام وماكينة السيطرة الفكرية عملا بكامل طاقتهما من أجل إخفاء حقيقة ما حدث فى هذا العام بأحداثه «المُحَطِّمَة»، وهى المواجهة العالمية بين أحلام التحرر من ناحية، وأحلام الدمار الشعبوية العنصرية التى يقودها اليمين المتطرف. جيجيك، السلوفينى الجنسية، وهو أحد أهم الفلاسفة الأكثر مبيعا وتأثيرا وإنتاجا فى العالم فى عصرنا هذا، يستعين بمثل فارسى للتدليل على ما حدث فى 2012 فى هذا الإطار، بينما المعارك التى جلبها 2011 مستمرة: «وار نام نيهادان» أى بالعربية: أن تقتل شخصا وتدفن جثته ثم تزرع زهورا فوقها لإخفائها». «فقد قتل الإعلام الإمكانية التحررية الجذرية فى الأحداث، وأخفى التهديد للديمقراطية الذى جاء به الطرف الثانى للمواجهة، وزرع فوق الجثة زهورا».
صفافير العنصرية وميادين الحرية: أزمة واحدة
يحثنا جيجيك على تخيل مشهد بأحد الأفلام السوداء، حيث يسير الناس فى الشوارع وفجأة يخرجون صفافير من جيوبهم ويضعونها فى أفواههم بمجرد أن يروا مهاجرا أو غريبا يستدعون بها الشرطة لكى تلقى القبض عليه. وبسرعة يذكرنا بأن هذا ليس خيالا سينمائيا، فهو يحدث حرفيا فى اليونان التى تضربها الأزمة العالمية: يوزع اليمين المتطرف تلك الصفافير التى يستخدمها أنصاره ويستدعون بها قوات أمنية تبدأ فورا فى استجواب الشخص المشتبه فى أنه أجنبى أو مهاجر. ونذكر هنا بتعرض عشرات المصريين المقيمين والعاملين باليونان للخطف والإرهاب والقتل خلال الشهور الماضية فى نفس الإطار.
يربط جيجيك بين الحلمين. فما مهد الأرض لأحلام التحرر، مهدها أيضا لأحلام الدمار. الاثنان رد فعل على الأزمة العالمية بشقيها: أزمة الرأسمالية الاقتصادية التى كشفت عيوبا فى آليات عمل النظام نفسه، والأزمة السياسية التى تكشفت من ذلك: بعد أن وضع تركز الثروة وسيطرة مغتصبى الأرباح وعدم المساواة الهائل والتغير المناخى لحساب الشركات الكبرى النموذج الديمقراطى الغربى فى أزمة حقيقية.
هكذا يفسر جيجيك ما يصفه بعدم الارتياح الهائل الذى شعر به إعلام التيار السائد فى الغرب عندما اكتشف أن هناك بعدا آخر لأحلام التحرر. ففى البداية رحب الغرب بماحدث على أنه امتداد «لثورات الديمقراطية فى أوروبا الشرقية»، وبالتالى فكل هذه الثورات فى مصر وتونس والبحرين وسوريا وغيرها هى مجرد محاولة للوصول للنموذج الديمقراطى التى يمتلكه الغرب. يرصد جيجيك هنا التناقض الذى كشفه احتفاء ومطالبة الولايات المتحدة وأوروبا بأن يبقى التحول «قانونيا»، وكأن القانون كان نافذا فى وقت الديمقراطيات التى سقطت.
لكن عنصر العدالة الاجتماعية كشف تهافت هذا التصور وعمق الصلة بينه وبين احتجاجات إسبانيا وبريطانيا والولايات المتحدة، كما يقول الفيلسوف السلوفينى. بل إنه يذهب لأبعد من ذلك قائلا إن الغرب ليرحب بتحالف للجيش مع الإسلاميين فى مواجهة أحلام التحرر لأنه يعيد للحياة الاختيار المر الذى يحب أن يفرضه على العالم: هذا النوع من التحولات، خاصة فى الشرق الأوسط، يهدد الديمقراطية لأنه هو الذى يجلب اليمين المتطرف: فى صورة العنصرية فى اليونان أو فى صورة الإسلاميين «الذين سيقيدون الحريات الشخصية وينشرون فرق الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى الشوارع»، وبالتالى لا خيار للإنسانية سوى النموذج الاقتصادى والسياسى المأزوم للرأسمالية. «وبالتالى فإن مبارك سيظهر وكأنه أهون الشرين»، يضيف جيجيك الذى لا ينسى أن يقول إنه «فى مواجهة هذا الإغواء الساخر، علينا أن نبقى مخلصين بلا شروط للجوهر التحررى الجذرى للانتفاضة المصرية».
ألا يعطينا الربيع العربى مثالا على عمل المقاومة الجماعى الذى يسعى لتجنب هذا الاختيار الزائف بين العنف الذى يدمر ذاته وبين الأصولية الدينية؟» لهذا يحشرنا أصحاب المصلحة فى استمرار الوضع القائم حشرا فى دهاليز السياسة وفقط، لأنه وبمجرد توسيع أفق التفسير للمطالب الاجتماعية والاقتصادية تصبح الديمقراطية الليبرالية أضيق مما ينبغى لتغيير حياة الناس. لكننا يجب أن نذهب لآخر المطاف، كما يطالبنا سلافوى جيجيك: الديمقراطية الانتخابية قاصرة، «فبالرغم من أن الاعلام أحيانا وبإخلاص يضفى صورة ديمقراطية ما على الرأسمالية بفضح الآثار البيئية لنشاط تلك الشركة الكبرى أو تلك، أو فساد بعض رجال الأعمال والمصرفيين الكبار.. الخ، إلا أن الإطار المؤسسى الديمقراطى الحالى لا يتساءل عن حالة القانون نفسه فى العموم.
هذه بقرة مقدسة لا يجرؤ هؤلاء على مناقشتها». لأن هذا الإطار القانونى فى الحقيقة مصمم لكى لا يسمح للناس بالقدرة على مراجعة توزيع الثروة فى المجتمع ومن ثم التوزيع الأعمق للسلطة فى المجتمع.
علامات من المستقبل
فى 2012، بدا وكأن أحلام التحرر تتلاشى، وكأن الاجهاد فرض نفسه على الصحوة العربية. يعترف جيجيك بذلك لكنه يفسره بأن هذا الموقف يجيء من غياب البديل: «كأنه ليس هناك مخرج». لكن ما يظهر تعطلا لأحلام التحرر فى عام 2012، (أو حتى تراجعا كما فى حالة احتلوا وول ستريت) هو وضع هش «مليء بالثقوب بفعل التوترات المتزايدة، التى تعلن عن انفجارات جديدة...النخبة الحاكمة مازالت تفقد قدرتها على الحكم ويزيد الأمر صعوبة أن الديمقراطية الانتخابية فاشلة. فها هى الانتخابات فى اليونان وإسبانيا تتم وتبقى نفس الإحباطات». يدعونا الفيلسوف للتطلع للعلامات والبحث عنها كى نرى المستقبل فى 2013، فأبسط المطالب الإصلاحية يمكنها أن تفجر القيود وتقود للتغيير.
يفرق جيجيك بين كلمتين فى الفرنسية تشيران للمستقبل: Futur وهو المستقبل كإمتداد للحاضر واتجاهاته والتجسد الكامل لها ولتطورها، و Avenir وهو المستقبل كانقطاع جذرى مع الحاضر، كشيء جديد تماما لا يشبه ما لدينا الآن. ويقول إن انتصار أحلام التحرر والتخلص من ثنائيات الكوارث المفروضة علينا سيجيء من مستقبل من النوع الثانى، قد لا نعرف فيه بالضبط ما الذى سيحدث أو كيف. بل يقتضى «كسر سيطرة المستقبل الكارثى من النوع الأول وبالتالى خلق مساحة لشيء جديد». طالما بقى سعى الناس للحرية والحق والمساواة، واستمروا يفدونها حتى بالروح، «فإن علينا أن نقبل تماما أن نكون منفتحين على هذا المستقبل الجديد غير محدد المعالم الآن، مرشدين أنفسنا ومُطمئِنين إياها بليس أكثر من تلك العلامات الغامضة التى تأتينا من هناك.
نقلا عن صحيفة الشروق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.