دون الإفصاح عن اسمها.. وزير قطاع الأعمال: اتفقنا مع شركة أجنبية لإنتاج سيارة ركوب    أبو الغيط يدعو إلى الوقف الفوري للتصعيد وتغليب لغة الحوار في اليمن    الرئيس الإيراني يتوعد برد "قاس ومؤسف" على تهديدات ترامب    الجابون تعلن غياب أوباميانج عن مواجهة كوت ديفوار    ضبط صانع محتوى لنشره فيديوهات رقص خادشة للحياء    النائب ميشيل الجمل: التأمين الصحي الشامل نقلة نوعية في مستوى الرعاية الصحية    ضبط 12 طنا من الدقيق الأبيض والبلدي المدعم في حملات تموينية    خلاف على أملاك الدولة.. الداخلية تضبط طرفي مشاجرة بالأسلحة النارية في أسوان    إصابة 8 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص على طريق القاهرة- أسيوط الصحراوي الغربي بالفيوم    بمناسبة احتفالات رأس السنة.. مد ساعات عمل مترو الخط الثالث وقطار العاصمة    مهرجان المنصورة الدولي لسينما الأطفال يكشف عن بوستر دورته الأولى    وفاة الروائي محمد يوسف الغرباوي    بدء تسليم كارنيهات العضوية للنواب المعلن فوزهم من الهيئة الوطنية للانتخابات    محافظ المنوفية يوجه بفتح مقر جديد للمركز التكنولوجي لاستقبال طلبات المواطنين    وزارة العدل تقرر نقل مقرات 7 لجان لتوفيق المنازعات في 6 محافظات    لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي تثمن الجهود الإعلامية لدعم المنتخب وتعزيز روح الانتماء    وزير الثقافة يُطلق «بيت السرد» بالعريش ويدعو لتوثيق بطولات حرب أكتوبر| صور    وزير الداخلية يعقد اجتماعا مع القيادات الأمنية عبر تقنية (الفيديو كونفرانس)    معهد الأورام يستقبل وفدا من هيئة الهلال الأحمر الإماراتي لدعم المرضى    كيف يستفيد أطفالك من وجود نماذج إيجابية يحتذى بها؟    مهرجان أسوان لأفلام المرأة يعلن عن برنامج تدريبي للشباب بأسيوط    أحمد الفيشاوى يحتفل مع جمهوره بالكريسماس.. فيديو    أسباب تأجيل إقالة أحمد عبد الرؤوف فى الزمالك.. اعرف التفاصيل    وزير العمل يهنئ الرئيس والشعب المصري بالعام الجديد    الإحصاء: 2.6٪ زيادة في أعداد الطلاب المقيدين بالتعليم العالي عام 2024 / 2025    معبد الكرنك يشهد أولى الجولات الميدانية لملتقى ثقافة وفنون الفتاة والمرأة    كل ما نعرفه عن محاولة الهجوم على مقر إقامة بوتين    محمد يوسف: حسام حسن يثق في إمام عاشور.. وكنت أنتظر مشاركته ضد أنجولا    تراجع معظم مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات الثلاثاء    حازم الجندى: إصلاح الهيئات الاقتصادية يعيد توظيف أصول الدولة    قد يزامل عبد المنعم.. تقرير فرنسي: نيس دخل في مفاوضات مع راموس    محافظة الجيزة تعزز منظومة التعامل مع مياه الأمطار بإنشاء 302 بالوعة    فيديو.. متحدث الأوقاف يوضح أهداف برنامج «صحح قراءتك»    فيتو فى عددها الجديد ترصد بالأرقام سفريات وزراء حكومة ابن بطوطة خلال 2025    محافظ القاهرة: اختيار موقف السبتية لإقامة معرض سلع ليستفيد منه أكبر عدد من المواطنين    الصحة تنفذ المرحلة الأولى من خطة تدريب مسؤولي الإعلام    3.4 مليون خدمة طبية بالمنشآت الطبية بمحافظة مطروح خلال عام 2025    بنك مصر يخفض أسعار الفائدة على عدد من شهاداته الادخارية    الهلال الأحمر المصري يطلق قافلة زاد العزة ال105 مُحملة بسلال غذائية ومواد طبية وشتوية لدعم غزة    حكام مباريات غداً الأربعاء في كأس عاصمة مصر    حسام عاشور يكشف سرًا لأول مرة عن مصطفى شوبير والأهلي    رئيس جامعة الجيزة الجديدة: تكلفة مستشفى الجامعة تقدر بنحو 414 مليون دولار    فطيرة موز لذيذة مع كريمة الفانيليا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    مساعد وزير الخارجية الفلسطيني الأسبق: تهديد ترامب لحماس رسالة سياسية أكثر منها عسكرية    اليوم.. طقس شديد البرودة ليلا وشبورة كثيفة نهارا والعظمي بالقاهرة 20 درجة    اسعار الفاكهه اليوم الثلاثاء 30ديسمبر 2025 فى اسواق المنيا    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين في محافظة القاهرة    لهذا السبب| الناشط علاء عبد الفتاح يقدم اعتذار ل بريطانيا "إيه الحكاية!"    مجانًا ودون اشتراك بث مباشر يلاكووووورة.. الأهلي والمقاولون العرب كأس عاصمة مصر    إصابة منصور هندى عضو نقابة المهن الموسيقية فى حادث تصادم    إعلام فلسطيني: طائرات الاحتلال تشن غارات شرقي مخيم المغازي وسط قطاع غزة    بوينج توقع عقدًا بقيمة 8.5 مليار دولار لتسليم طائرات إف-15 إلى إسرائيل    بيان ناري من جون إدوارد: وعود الإدارة لا تنفذ.. والزمالك سينهار في أيام قليلة إذا لم نجد الحلول    سموم وسلاح أبيض.. المؤبد لعامل بتهمة الاتجار في الحشيش    ما أهم موانع الشقاء في حياة الإنسان؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    هل تجوز الصلاة خلف موقد النار أو المدفأة الكهربائية؟.. الأزهر للفتوى يجيب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وائل جمال: عام الأحلام الخَطِرة
نشر في أخبار مصر يوم 08 - 01 - 2013

عندما سُئل الفنان رسام الكاريكاتير الكبير عمرو سليم عن توقعاته لسنة 2013 فى أحد البرامج التليفزيونية، رسمها وكتب بجانبها أنها عام 2011 لكنها متنكرة فى صورة السنة الجديدة، بينما وضع بجوارها جملته الأثيرة : كاريكاتير عميق المغزى. وهو كذلك بالفعل.
فلم ينج عام 2012 من الأسئلة الكبرى التى جلبها عام الثورة الذى سبقه، بكل ما شهده من أحداث كبرى: من الربيع العربى إلى حركة احتلوا وول ستريت إلى تمرد الشوارع فى لندن ومدن بريطانية أخرى، وكلها تشير إلى حركات احتجاج تسعى لعدالة ومساواة غائبة. لكن وفى الوقت نفسه شهد العام مقتل 80 شخصا على يد آندرياس بريفيك، الذى شن حملة تفجيرات وإطلاق نار على مبانى حكومية وعلى معسكر مراهقين لحزب العمال فى النرويج، تحت مظلة أفكار معادية للإسلام والنسوية معا ومؤيدة للصهيونية، وتحت شعار «استقلال أوروبا».
يقول الفيلسوف سلافوى جيجيك فى كتاب صادر فى أكتوبر الماضى عن دار فرسو، تحت هذا العنوان: «عام الأحلام الخطرة»، إن الإعلام وماكينة السيطرة الفكرية عملا بكامل طاقتهما من أجل إخفاء حقيقة ما حدث فى هذا العام بأحداثه «المُحَطِّمَة»، وهى المواجهة العالمية بين أحلام التحرر من ناحية، وأحلام الدمار الشعبوية العنصرية التى يقودها اليمين المتطرف. جيجيك، السلوفينى الجنسية، وهو أحد أهم الفلاسفة الأكثر مبيعا وتأثيرا وإنتاجا فى العالم فى عصرنا هذا، يستعين بمثل فارسى للتدليل على ما حدث فى 2012 فى هذا الإطار، بينما المعارك التى جلبها 2011 مستمرة: «وار نام نيهادان» أى بالعربية: أن تقتل شخصا وتدفن جثته ثم تزرع زهورا فوقها لإخفائها». «فقد قتل الإعلام الإمكانية التحررية الجذرية فى الأحداث، وأخفى التهديد للديمقراطية الذى جاء به الطرف الثانى للمواجهة، وزرع فوق الجثة زهورا».
صفافير العنصرية وميادين الحرية: أزمة واحدة
يحثنا جيجيك على تخيل مشهد بأحد الأفلام السوداء، حيث يسير الناس فى الشوارع وفجأة يخرجون صفافير من جيوبهم ويضعونها فى أفواههم بمجرد أن يروا مهاجرا أو غريبا يستدعون بها الشرطة لكى تلقى القبض عليه. وبسرعة يذكرنا بأن هذا ليس خيالا سينمائيا، فهو يحدث حرفيا فى اليونان التى تضربها الأزمة العالمية: يوزع اليمين المتطرف تلك الصفافير التى يستخدمها أنصاره ويستدعون بها قوات أمنية تبدأ فورا فى استجواب الشخص المشتبه فى أنه أجنبى أو مهاجر. ونذكر هنا بتعرض عشرات المصريين المقيمين والعاملين باليونان للخطف والإرهاب والقتل خلال الشهور الماضية فى نفس الإطار.
يربط جيجيك بين الحلمين. فما مهد الأرض لأحلام التحرر، مهدها أيضا لأحلام الدمار. الاثنان رد فعل على الأزمة العالمية بشقيها: أزمة الرأسمالية الاقتصادية التى كشفت عيوبا فى آليات عمل النظام نفسه، والأزمة السياسية التى تكشفت من ذلك: بعد أن وضع تركز الثروة وسيطرة مغتصبى الأرباح وعدم المساواة الهائل والتغير المناخى لحساب الشركات الكبرى النموذج الديمقراطى الغربى فى أزمة حقيقية.
هكذا يفسر جيجيك ما يصفه بعدم الارتياح الهائل الذى شعر به إعلام التيار السائد فى الغرب عندما اكتشف أن هناك بعدا آخر لأحلام التحرر. ففى البداية رحب الغرب بماحدث على أنه امتداد «لثورات الديمقراطية فى أوروبا الشرقية»، وبالتالى فكل هذه الثورات فى مصر وتونس والبحرين وسوريا وغيرها هى مجرد محاولة للوصول للنموذج الديمقراطى التى يمتلكه الغرب. يرصد جيجيك هنا التناقض الذى كشفه احتفاء ومطالبة الولايات المتحدة وأوروبا بأن يبقى التحول «قانونيا»، وكأن القانون كان نافذا فى وقت الديمقراطيات التى سقطت.
لكن عنصر العدالة الاجتماعية كشف تهافت هذا التصور وعمق الصلة بينه وبين احتجاجات إسبانيا وبريطانيا والولايات المتحدة، كما يقول الفيلسوف السلوفينى. بل إنه يذهب لأبعد من ذلك قائلا إن الغرب ليرحب بتحالف للجيش مع الإسلاميين فى مواجهة أحلام التحرر لأنه يعيد للحياة الاختيار المر الذى يحب أن يفرضه على العالم: هذا النوع من التحولات، خاصة فى الشرق الأوسط، يهدد الديمقراطية لأنه هو الذى يجلب اليمين المتطرف: فى صورة العنصرية فى اليونان أو فى صورة الإسلاميين «الذين سيقيدون الحريات الشخصية وينشرون فرق الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى الشوارع»، وبالتالى لا خيار للإنسانية سوى النموذج الاقتصادى والسياسى المأزوم للرأسمالية. «وبالتالى فإن مبارك سيظهر وكأنه أهون الشرين»، يضيف جيجيك الذى لا ينسى أن يقول إنه «فى مواجهة هذا الإغواء الساخر، علينا أن نبقى مخلصين بلا شروط للجوهر التحررى الجذرى للانتفاضة المصرية».
ألا يعطينا الربيع العربى مثالا على عمل المقاومة الجماعى الذى يسعى لتجنب هذا الاختيار الزائف بين العنف الذى يدمر ذاته وبين الأصولية الدينية؟» لهذا يحشرنا أصحاب المصلحة فى استمرار الوضع القائم حشرا فى دهاليز السياسة وفقط، لأنه وبمجرد توسيع أفق التفسير للمطالب الاجتماعية والاقتصادية تصبح الديمقراطية الليبرالية أضيق مما ينبغى لتغيير حياة الناس. لكننا يجب أن نذهب لآخر المطاف، كما يطالبنا سلافوى جيجيك: الديمقراطية الانتخابية قاصرة، «فبالرغم من أن الاعلام أحيانا وبإخلاص يضفى صورة ديمقراطية ما على الرأسمالية بفضح الآثار البيئية لنشاط تلك الشركة الكبرى أو تلك، أو فساد بعض رجال الأعمال والمصرفيين الكبار.. الخ، إلا أن الإطار المؤسسى الديمقراطى الحالى لا يتساءل عن حالة القانون نفسه فى العموم.
هذه بقرة مقدسة لا يجرؤ هؤلاء على مناقشتها». لأن هذا الإطار القانونى فى الحقيقة مصمم لكى لا يسمح للناس بالقدرة على مراجعة توزيع الثروة فى المجتمع ومن ثم التوزيع الأعمق للسلطة فى المجتمع.
علامات من المستقبل
فى 2012، بدا وكأن أحلام التحرر تتلاشى، وكأن الاجهاد فرض نفسه على الصحوة العربية. يعترف جيجيك بذلك لكنه يفسره بأن هذا الموقف يجيء من غياب البديل: «كأنه ليس هناك مخرج». لكن ما يظهر تعطلا لأحلام التحرر فى عام 2012، (أو حتى تراجعا كما فى حالة احتلوا وول ستريت) هو وضع هش «مليء بالثقوب بفعل التوترات المتزايدة، التى تعلن عن انفجارات جديدة...النخبة الحاكمة مازالت تفقد قدرتها على الحكم ويزيد الأمر صعوبة أن الديمقراطية الانتخابية فاشلة. فها هى الانتخابات فى اليونان وإسبانيا تتم وتبقى نفس الإحباطات». يدعونا الفيلسوف للتطلع للعلامات والبحث عنها كى نرى المستقبل فى 2013، فأبسط المطالب الإصلاحية يمكنها أن تفجر القيود وتقود للتغيير.
يفرق جيجيك بين كلمتين فى الفرنسية تشيران للمستقبل: Futur وهو المستقبل كإمتداد للحاضر واتجاهاته والتجسد الكامل لها ولتطورها، و Avenir وهو المستقبل كانقطاع جذرى مع الحاضر، كشيء جديد تماما لا يشبه ما لدينا الآن. ويقول إن انتصار أحلام التحرر والتخلص من ثنائيات الكوارث المفروضة علينا سيجيء من مستقبل من النوع الثانى، قد لا نعرف فيه بالضبط ما الذى سيحدث أو كيف. بل يقتضى «كسر سيطرة المستقبل الكارثى من النوع الأول وبالتالى خلق مساحة لشيء جديد». طالما بقى سعى الناس للحرية والحق والمساواة، واستمروا يفدونها حتى بالروح، «فإن علينا أن نقبل تماما أن نكون منفتحين على هذا المستقبل الجديد غير محدد المعالم الآن، مرشدين أنفسنا ومُطمئِنين إياها بليس أكثر من تلك العلامات الغامضة التى تأتينا من هناك.
نقلا عن صحيفة الشروق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.