فتحت الزجاجة التي وجدتها ملقاة علي شاطئ البحيرة، فخرج لي جني حدثني حديثاً شائعاً جاء فيه: من قال إن مصر لم تعرف الفلسفة، ولم يظهر فيها فيلسوف؟ الفلسفة محبة الحكمة، والحكمة مهدها مصر التي كانت تعرف ب: كيميث وأسماء أخري. وفيها تعلم فلاسفة اليونان، فقد زارها سولون الحكيم، وطاليس أول الفلاسفة (؟) وبيتا جوراس وغيرهم. ويروي الكتاب المقدس أن موسي كليم الله عليه السلام تعلم حكمة المصريين. فالمستنتج من ذلك كله أن الحكمة أسمي من الفلسفة. وإذا كان طاليس قد قال إن «الماء أصل الأشياء جميعاً» والكون ملئ، بالآلهة، وقال أنبادوفليس بالعناصر الأربعة (النار والهواء والماء والتراب) أساس للخليقة، وقال بيتاجوراس (فيثاغورس) بالعدد، وهيراقليط بالنار ومبدأ التغير المستمر.. وغيرهم كثير، فإن فلسفة الخلق في أون والأشمونين وإسنا وغيرها كثير، فإن فلسفة الخلق في أون والأشمونين وإسنا وغيرها من المدن المصرية عرّفت ذلك كله سابقة فلاسفة اليونان بعشرات القرون. فقد روت عن المحيط الأزلي (نون) الذي خرج من الخلاء (فوضي أزلية)، ومن المحيط برزت الأزواج الأربعة الأولي التي تضم العناصر الأربعة المشار إليها سابقاً، فضلا عن اللانهاية (أو (الأبيرون) عند فلاسفة اليونان، ثم بزغت الشمس وخلقت الأكوان.. ويضيق المقام عن الاستطراد، ولكننا نذكر ان نظرية بيتاجوراس عن المثلث قائم الزاوية (أضلاعه 5.4.3) هي نظرية مصرية أصلية. وكانت سشات (الكاتبة، ربة الكتابة) تؤدي - مع الملك - طقس شد الحبل لصنع الزاوية الملكية (القائمة)، وذلك باستخدام حبل طوله اثنتا عشرة وحدة، ويشد بحيث يصنع المثلث الملكي (البيتاجوري لاحقاً) علي نحو توضحه نقوش المعابد المصرية. وقد ثبت أن بيتاجورس تعلم نظم الأسرار المصرية (القديمة) بعد ماسمح له الكهنة المصريون بذلك . وليس عجيباً والحال هذه أن يقول بيتاجوراس إن العدد هو أصل الكون (يعني الأنساق والانسجام علي نحو رياضي دقيق). وأفلاطون الشهير بنظرية المثل، والصانع (الفخاري) الذي شكل العالم أشاد بحكمة المصريين. وقد اتخذ الشمس (رع عند المصريين) مثال المثل والخير الأسمي، وأما الفخارتي فهو المعبود خنوم المصري- ربّ إسنا والشلالات- الذي شكل العالم والمخلوقات من الطين علي عجلة الفخاري، ولذلك فإن أفلاطون قبس حكمة ذلك الخالق من المصريين أيضا. ثم يأتي بعد ذل كله من يسأل : لماذا لم تخرج مصر فيلسوفا؟ بل الأحري أن نستفهم استفهاماً إنكارياً: كيف وحال التعليم في مصر كما نعهدها - يفلت فيلسوف ويخرج إلي النور؟ تعتقد أن أسس التعليم في مصر هي المسئولة، وأولها أن الفلسفة ظهرت في اليونان (والأدق: هيلاس الآسيوية والأوروبية)... إلخ.. وأخيراً اضاف الجني الطيب: أن تبحث في عصور ما بعد الرعامسة، والأسرات المصرية المتأخرة حتي مجئ الإسكندر بعشرات السنين، وأسسوا حواضرهم، وأداروا تجارتهم. وتلك الفترة جديرة بتسمية «عصر التنوير». وتعلم أنكم تدرسون في جامعاتكم ان «عصر التنوير» كان في أوروبا القرن الثامن عشر! فابحثوا اولاً ماذا تعلم اليونانيون في مصر في عصر التنوير الأقدم.