كعهدها الذي دأبت عليه؛ شرعت وسائل الإعلام والصحافة الإسرائيلية في تطيير بالونات اختبار وإطلاق مجسات لرد الفعل الفلسطيني إزاء صفقة القرن. تناوبت الصحف الإسرائيلية في نشر التسريبات في معزوفة تبادل للأدوار. ففي حين نشرت صحيفة يسرائيل هايوم المقربة من رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو تسريبات عن تفاصيل لبنود صفقة القرن المزمع اعلانها بعد شهر رمضان؛ تخلص في مجملها إلي التراجع عن حل الدولتين، وانتهاء صلاحية المبادرة العربية، ونزع سلاح الكيان الفلسطيني المقترح والمسمي ب»فلسطين الجديدة» مع إغراءات الرفاه الاقتصادي وتحسين الأوضاع المعيشية للفلسطينيين القاطنين في غزة علي وجه الخصوص، ردت مجلة ذي ماركر الاقتصادية علي تسريبات يسرائيل هايوم بتقرير يعزف علي نغمة فقر الشعب الفلسطيني واحتياجه الشديد لمشروعات تنموية تحققها له الأطراف الخارجية بالتعاون مع اسرائيل. ومع التهديدات الأمريكية بقطع المعونات تماما عن السلطة الفلسطينية حال رفضها للمقترحات الأمريكية المسماة بصفقة القرن كان لابد من التوصل أو التلويح بالحل الدائم المقترح للمشكلة الاقتصادية للفلسطينيين. لكي يسيل لعاب الشعب المطحون فيتحول إلي ورقة ضغط علي حكامه لقبول العرض الإسرائيلي السخي. جاء تقرير ذي ماركر ليقدم هذا الحل السحري عبر إعادة طرح لنتائج عدد من الدراسات قام بإحداها وزير النقل يسرائيل كاتس قبل نحو عقد لصالح معهد الدراسات الأمنية. كان كاتس يحاول الترويج لفكرة الجزيرة الصناعية قبالة ساحل غزة حيث سيتم بناء ميناء ومطار وبنية تحتية للطاقة والمياه. وسيكون الإشراف عليها دولياً من أجل تطوير اقتصادها. تحظي فكرة كاتس ببعض التعاطف داخل الأوساط الإسرائيلية باستثناء ان كلاً من نتانياهو واڤيجدور ليبرمان لم يعلنا موقفهما منها. اللافت هو تأكيد التقرير العبري علي ان أحداً لا يعرف بالضبط ماذا يريد نتانياهو لقطاع غزة. لكن بعض المتحدثين باسمه أشاروا إلي تفضيله إدامة الانقسام بين حركة حماس التي تحكم غزة، وبين قيادة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية باعتبار ان هذا هو السبيل لدفن حل الدولتين، من ثم يبدو نتانياهو مرتاحاً للوضع الحالي. وفي حين ان بناء الجزيرة الصناعية من شأنه ان يؤدي إلي تغيير التوازن بين الفصيلين الفلسطينيين إلا أن الواقع يشير إلي عدم وجود توازن علي الإطلاق بين غزة والضفة الغربية. ففي دراسة اقتصادية عن قطاع غزة نشرها قبل نحو عام معهد بحوث الأمن قام بها البروفيسوران عيران ياشيڤ وألون ريجر جاء فيها ان نصيب الفرد من اجمالي الناتج المحلي في قطاع غزة عام 2015 كان 1700 دولار مقارنة ب3700 دولار في الضفة الغربية وقدر البنك الدولي انه لولا المواجهات والحصار الإسرائيلي لكان الناتج المحلي الإجمالي لغزة مطابقاً للضفة وربما أعلي. التقرير العبري يستخدم الحقائق المخيفة التي أصدرها البنك الدولي لإظهار ضرورة وجدوي خطط السخاء الاقتصادي الإسرائيلي، إذ يصف آخر تقرير للبنك نشر في 2019 الفجوات المأساوية بين اقتصادي غزة والضفة وبين وضع شعبيهما فقد بلغت نسبة البطالة في غزة حسب التقرير 52% في 2018 مقابل 18%-19% بالضفة، في حين بلغت نسبة بطالة شباب غزة 67% وتفاقمت نسبة الفقر حتي ان 46% من السكان يعيشون علي 5،5 دولا يوميا مع ذلك، قدر الباحثان إمكانات غزة وجاء في تقديرهما، ان هناك فرصة لتطوير السياحة علي طول شاطئ البحر وتعزيز قطاع الخدمات ، وإعادة تأهيل الصادرات الزراعية ، وحتي إنشاء صناعة التكنولوچيا الفائقة. فهما يعتقدان أن رأس المال البشري في قطاع غزة له إمكانات اقتصادية، وأن التعليم العالي منتشر في قطاع غزة بفضل الجامعات الخمس العاملة هناك. علي المدي الطويل، تمتلك غزة احتياطيات من الغاز الطبيعي قد تكون كافية لمدة عشرين عامًا، في حالة تطوير الخزان. في دراسة أخري لنائب رئيس الأركان السابق اللواء احتياط يائير جولان نشرها معهد القدس للاستراتيجية والأمن الأسبوع الماضي ظهرت فكرة اعتماد سياسة سخية تجاه حماس، بما يتناسب مع الجانب القوي. توفير الكهرباء في قطاع غزة وإمداداتها من إسرائيل أو مصر، والمعالجة العاجلة للبنية التحتية للمياه والصرف الصحي في قطاع غزة، وتوسيع قدرة سكانها علي الكسب-بما في ذلك فتح سوق العمل الإسرائيلي لعدة آلاف من عمال غزة عبر معبر إيرز. يري جولان أنه لا يمكن توقع أن تتعاون السلطة الفلسطينية في إعادة إعمار غزة. ووفقا له، فإن الشيء الأكثر أمنا واستقرارا في المنطقة هو عمق الانفصال الفلسطيني. لكن ماذا إن لم تجلب الخطة الهدوء الأمني ولم تتعاون حماس؟ يعتقد جولان أنه في مثل هذه الحالة، سيتعين علي إسرائيل أن توقف المساعدات المدنية عن غزة وأن تعمل عسكريًا ضد حماس وقواتها القتالية، بما في ذلك التوغلات البرية: »مثل هذا القتال الشديد سيتطلب حربًا برية وجوفية داخل قطاع غزة وبشكل كبير. في نظر الحكومة الحالية (والحكومة التالية)، تبدو غزة مشكلة كبيرة لن يأتي منها خير وسيتفاقم الوضع الإنساني ويتطلب حلولاً. تكمن المشكلة-حسب التقرير العبري-في إن فرص حدوث ذلك لا تكاد تذكر ما دامت حماس تسيطر علي قطاع غزة وتتبع سياسة الابتزاز والإرهاب-لكن الاحتمالات موجودة.