الكثير منا لا يعرف عن الأدب الأندونيسي شيئاً، غير تسونامي وجزيرة » بالي » السياحية، لم يقرأ الروايات والقصص التي تروي حياة هؤلاء البشر الذين يعيشون علي أرض هذه الجزرالبعيدة، في رواية » الجمال جرح» للكاتب الاندونيسي إيكا كورنياون، والتي وصل بها إلي جائزة المان بوكر العالمية، تدخلنا عوالم من الدهشة والسحر والأساطير لتلك المنطقة البعيدة، وكاتبها الذي يقارنونه بجابرييل غارسيا ماركيز أديب الواقعية السحرية الأشهر وصاحب رواية »مائة عام من العزلة» صدرت هذه الرواية عن دار الكتب خان للنشر في ترجمة للشاعر والمترجم أحمد شافعي، عن الترجمة الإنجليزية للمترجمة آني تاكر، جاءت بالحكايات علي غرار قرية »ما كوندا» المدينة الخيالية التي اخترعها ماركيز في روايته مائة عام من العزلة ، حيث بني كورنياون مدينته الخيالية »هاليموندا» في روايته » الجمال جرح » مثل ما فعل ماركيز، وجعل منها مسرحا يعرض عليه تاريخ إندونيسيا المعاصر، وما شهدته من حوادث كبيرة علي مدار القرن العشرين ، عبر ثلاثة أجيال من أسرة واحدة، وهو يحكي عشرات الحكايات ، مخلصا لكل حكاية منها، كأنما هي هدفه الوحيد من الرواية كلها، ثم ينصرف إلي حكاية أخري، حتي يوشك كل فصل في الرواية، أن يكون في ذاته قصة طويلة محكمة. تسير أحداث الرواية جنباً إلي جنب مع تاريخ الدولة الإندونيسية؛ ففي أحد البلدان الساحلية الخيالية التي تُدعي هاليموندا ولدت ديوي أيوا من أبوين شقيقين من نفس الأب ولكن من أمّين مختلفتين نصف إندونيسية ونصف هولندية. مع اندلاع الحرب العالمية الثانية فرّ الهولنديون من البلدة وبقيت ديوي أيوا في مسقط رأسها رافضة المغادرة إلي أوروبا، وعندما احتلّت اليابان هاليموندا سيقت ديوي أيوا للأسر، ثم عملت عاهرة للجنود اليابانيين حتي حملت بطفلتها الأولي ألامندا من أحد الجنود، ليبدع كورنياون من تلك النقطة في التشعُّب والبدء بسرد التاريخ الإندونيسي من خلال بنات ديوي أيوا. تبدأ خطوط الرواية في الانسجام معاً عندما تتزوَّج بنات ديوي الثلاث من أهم رجال في هاليموندا، مامان غيندنغ الثوري الذي تحوَّل إلي بلطجي، وشودانشو الذي حارب الاحتلال الياباني وناضل كثيراً من أجل الاستقلال حتي تحوَّل إلي القائد العسكري الإقليمي لخدمة النظام الوحشي للديكتاتور سوهارتو، والرفيق كلاووين الشيوعي والخطيب المفوَّه الذي شهد مجزرة الشيوعيين عام 1965 التي راح ضحيتها أكثر من نصف مليون شيوعي في إندونيسيا. الرواية تجمع بين الحسي والملحمي والتاريخ والتراجيديا العائلية، والخرافات والكوميديا اللاذعة والرومانسية في سلاسة مذهلة، كما تجمع بين التاريخ والثقافة الشعبية والمأساة العائلية والفكاهة والرومانسية والحميمية والاغتصاب والجشع والنضال في سبيل الاستقلال والقتل الجماعي! قال مؤلف الرواية في أحد حواراته الصحفية التي جاءت قي مقدمة الرواية للمترجم أحمد شافعي: أنه كان يطمح إلي كتابة رواية أشباح ، أو رواية إثارة، فهو علي المستوي الشخصي مغرم بقراءة هذا النوع من الروايات ، لكن الرواية أرغمته علي مسارها الخاص ،فصعب علي النقاد تصنيفها.