حملة لتوفير أجهزة كمبيوتر.. دعوات لتأهيل المدارس لتعليم التكنولوجيا | تفاصيل    تراجعت على العربات وبالمحال الصغيرة.. مساعٍ حكومية لخفض أسعار سندوتشات الفول والطعمية    وفقا لوزارة التخطيط.. «صيدلة كفر الشيخ» تحصد المركز الأول في التميز الإداري    الجيش الأوكراني: 96 اشتباكا قتاليا ضد القوات الروسية في يوم واحد    طائرات جيش الاحتلال تشن غارات جوية على بلدة الخيام في لبنان    3 ملايين دولار سددها الزمالك غرامات بقضايا.. عضو مجلس الإدارة يوضح|فيديو    كرة سلة - ال11 على التوالي.. الجندي يخطف ل الأهلي التأهل لنهائي الكأس أمام الجزيرة    المقاولون العرب يضمن بقاءه في الدوري الممتاز لكرة القدم النسائية بعد فوزه على سموحة بثلاثية    تصريح مثير للجدل من نجم آرسنال عن ليفربول    السجن 15 سنة لسائق ضبط بحوزته 120 طربة حشيش في الإسكندرية    إصابة أب ونجله سقطا داخل بالوعة صرف صحي بالعياط    خناقة شوارع بين طلاب وبلطجية داخل مدرسة بالهرم في الجيزة |شاهد    برومو حلقة ياسمين عبدالعزيز مع "صاحبة السعادة" تريند رقم واحد على يوتيوب    رئيس وزراء بيلاروسيا يزور متحف الحضارة وأهرامات الجيزة    بفستان سواريه.. زوجة ماجد المصري تستعرض جمالها بإطلالة أنيقة عبر إنستجرام|شاهد    ما حكم الكسب من بيع التدخين؟.. أزهري يجيب    الصحة: فائدة اللقاح ضد كورونا أعلى بكثير من مخاطره |فيديو    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    بديل اليمون في الصيف.. طريقة عمل عصير برتقال بالنعناع    سبب غياب طارق مصطفى عن مران البنك الأهلي قبل مواجهة الزمالك    شيحة: مصر قادرة على دفع الأطراف في غزة واسرائيل للوصول إلى هدنة    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    مسقط تستضيف الدورة 15 من مهرجان المسرح العربي    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    إسرائيل تهدد ب«احتلال مناطق واسعة» في جنوب لبنان    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    مقتل 6 أشخاص في هجوم على مسجد غربي أفغانستان    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    «الداخلية»: تحرير 495 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1433 رخصة خلال 24 ساعة    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    عبدالجليل: سامسون لا يصلح للزمالك.. ووسام أبوعلي أثبت جدارته مع الأهلي    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماركيز رسول العشق والابتسام
نشر في البوابة يوم 17 - 04 - 2015

"لو وهبنى الله قطعة أخرى من الحياة لما كنت سأقول كل ما أفكر فيه، إنما كنت سأفكر في كل ما أقول قبل أن أنطق به"، وذلك لأن "الإنسانية كالجيوش في المعركة، تقدمها مرتبط بسرعة أبطأ أفرادها"، ومن ثم ف"لا تتوقف عن الابتسام حتى وإن كنت حزينًا فلربما فتن أحد بابتسامتك".
تلك كانت أبرز أقوال الروائي العالمي غارسيا ماركيز الذي تحل ذكرى وفاته الأولى، اليوم الجمعة، والذي كان دائمًا ما يقول "لو شاء الله أن ينسى أنني دمية، وأن يهبني شيئًا من حياة أخرى، فإنني سوف أستثمرها بكل قواي، ربما لن أقول كل ما أفكر به، لكنني حتمًا سأفكر في كل ما سأقوله، سأمنح الأشياء قيمتها، لا لما تمثله، بل لما تعنيه، سأنام قليلًا، وأحلم كثيرًا، مدركًا أن كل لحظة نغلق فيها أعيننا تعني خسارة ستين ثانية من النور، سوف أسير فيما يتوقف الآخرون، وسأصحو فيما الكلّ نيام".
وتأتي أهمية ماركيز باعتباره أهم أدباء العالم في العصر الحديث قاطبة من ابتكاره أسلوب الواقعية السحرية ليقلب به أساليب وطرق كتابة الرواية الأدبية في العالم رأسا على عقب، وهو ما جعله صاحب ثاني أعظم إنجاز أدبي في اللغة الإسبانية منذ نشأة اللغة الإسبانية متمثلا في رواية "مائة عام من العزلة"، بعد ملحمة "دون كيخوته" لثربانتس، التي صنفها النقاد هكذا وحصل بسببها على جائزة نوبل في الآداب عن عمر صغير جدا، حيث ترجمت إلى نحو 35 لغة وبيع منها نحو أكثر من 30 مليون نسخة في مختلف أنحاء العالم.
يري "ماركيز"دوما" أن الصحافة هى أفضل مهنة في العالم" وتاريخ مسيرته صحفيًّا لا يقل إبهارًا عن تاريخه روائيّا، بل إن تتويجه أديب رواية، كان تتويجا منقوصًا، كما تشي بذلك إشاراته الملحة إلى ماضيه الصحفي، فالصحافة في نظره "أفضل مهنة في العالم"، وشهد أن الجوائز العالميّة، حتى نوبل، ليست سوى مسرحيّات اجتماعيّة حافلة بإيماءات أكاديميّة متعمّدة لإشهار بعض الشخصيات المغمورة اجتماعيّا، اللهم إلا في النادر، وعليهِ، ف"ماركيز" يحمل في جعبته أسفًا مضمرًا، لأنّ الرواية هى التي قدّمته للعالم حتى صحفيًّا، وهى المهنة التي عندما تحدث عن مزاولته لها، حرص أن تكون شهاداته فيها على نفسه شهادات مشرّفة، وحرص أن يؤرّخ أنه كان صحفيّا فذّا ونموذجيّا، وذائع الصيت، الأمر المغاير تماما لشهاداته على رواياته، فقد جاءت باهتة، وحافلة بالتشكيك في عظمة الأعمال العظيمة، وهو السلوك الذي يبدأ يسيطر على العظماء عندما يصبح ذيوع صيتهم مألوفا جدا لهم، كإنسان يتحدّث بنعمة إلهية، ولعل السبب في هذا الإصرار، أن أسلوب ماركيز السردي في كتابة "الريبورتاج" الصحفي لم يكن مغايرا لأسلوب الرواية إلا في أن أسلوب ماركيز الروائي لم يتزحزح قيد أنملة في أحد أجمل أعمال "ماركيز" الصحفية.
شفافية ماركيز:
إن ماركيز إنسان شفّاف، لا يستطيع أن يتخلّى عن شيء من تاريخ عنفوانه الأدبي تبعًا لتصنيفات الشهرة، بل إنه تخلى عن تأريخ أي من الأحداث التي شهدت اقتطاف ثمار مشواره الإبداعي من خلال الإشادات والجوائز التي لا تحصى، واكتفى بتأريخ بدايات نجاحه الروائي عبر رواية ساعة النحس ومجموعته القصصية المعنونة ب(بعد السبت)، وهو يعي تماما "وإن لم يصرح" أنه متوحد الأسلوب في جميع نصوصه التي لا يفرّق بينها إلا الفرق بين الواقع والخيال، وكلّها مشحونة ببصمته، وحتى مذكّراته ليست إلا كأي رواية من رواياته، وهو شخصيّة رافضة كل الرفض لأي نوع من أنواع التباهي السافر أو الموارَب، معترف بالجميل لكلّ شخص تناول معه كأسًا أو أجرى معه محادثة.
وقد تذرع بمشقّة تذكّر أسماء أطفال ومراهقين وعاهرات وأماكن لا حضور لها في ضمير أيّ متذكّر مفترض، ولم يكن لها أن تكون ذا بال إلا في واقعيّة غريبة صادقة ك واقعيته، من خلالها يرى حياته، وبها ينعكس الضوء عن الأشياء إلى عينيه، فلا يمكن أن تكون تجربته الصحفية في نظره أقل قدرا من أي تجربة كتابية خاضها، وهي تعبق بنفس الرائحة.
وإذا ما نشرنا الأوراق المبتلّة المتلاصقة وتركناها لتجفّ في الشمس وتتفاصل، فإن القيمة الكبرى لأدب ماركيز تتمحور في أفقه السرديّ، وفي نظرته البالغة الخصوصية إلى تراكمات الأشياء الغريبة المنسيّة لتتكوّن منها حيوات ملحميّة غاية البساطة في تلاؤمها، وإنه لم يكن تأثيره محدودا في إدارة الحوارات بين الشخصيّات إلا لأنّ عالمه المرئيّ والمسموع كان عالم أشياء وأوصاف غريبة تتكون منها ملاحم خالدة أكثر من أيّ تقنيات قصّ أخرى، ولأن جميع نصوصه النثرية حافلة بعبق هذه الرائحة التي يختصّ بها، لذلك لم يتخل عن أن يجر معه تجاربه النثرية ليخلدها في روايته/مذكراته الأخيرة، التي استخدم فيها عنوانه الحاد الذكاء، والذي يشي بتواطئه مع هذا المعنى: عشت لأروي.
رسول العشق:
المرء يشيخ حين يتوقف عن العشق، هكذا تعلم رسول العشق والمحبة من الحياة، وهكذا نصح الخلق في رسالة الوداع التي كتبها ووضع فيها وصيتة إلى الناس حين ادرك أن الموت لقريب بعد أن علم مرضة بالسرطان، حيث راح يكتب لهم:
لو شاء الله أن يهبني شيئًا من حياة أخرى، فإنني سوف أستثمرها بكل قواي، ربما لن أقول كل ما أفكر به لكنني حتما سأفكر في كل ما سأقوله سأمنح الأشياء قيمتها، لا لما تمثله، بل لما تعنيه، سأنام قليلا، وأحلم كثيرا، مدركا أن كل لحظة نغلق فيها أعيننا تعني خسارة ستين ثانية من النور.. سوف أسير فيما يتوقف الآخرون، وسأصحو فيما الكل نيام، لو شاء ربي أن يهبني حياة أخرى، سأبرهن للناس كم يخطئون عندما يعتقدون أنهم لن يكونوا عشاقا متى شاخوا، دون أن يدروا أنهم يشيخون إذا توقفوا عن العشق، للطفل سوف أمنحه الأجنحة، لكنني سأدعه يتعلم التحليق وحده.. وللكهول سأعلمهم أن الموت لا يأتي مع الشيخوخة بل بفعل النسيان، لقد تعلمت منكم الكثير أيها البشر، تعلمت أن الجميع يريد العيش في قمة الجبل غير مدركين أن سر السعادة يكمن في تسلقه، تعلمت أن المولود الجديد حين يشد على أصبع أبيه للمرة الأولى فذلك يعني أنه أمسك بها إلى الأبد، تعلمت أن الإنسان يحق له أن ينظر من فوق إلى الآخر فقط حين يجب أن يساعده على الوقوف، تعلمت منكم أشياء كثيرة! لكن قلة منها ستفيدني، لأنها عندما ستوضع في حقيبتي أكون أودع الحياة، قل دائما ما تشعر به وافعل ما تفكر فيه، لو كنت أعرف أنها المرة الأخيرة التي أراكِ فيها نائمة لكنت ضممتك بشدة بين ذراعي ولتضرعت إلى الله أن يجعلني حارسا لروحك، لو كنت أعرف أنها الدقائق الأخيرة التي أراك فيها، لقلت «أحبك» ولتجاهلت، بخجل، أنك تعرفين ذلك، هناك دوما يوم الغد، والحياة تمنحنا الفرصة لنفعل الأفضل، لكن لو أنني مخطئ وهذا هو يومي الأخير، أحب أن أقول كم أحبك، وأنني لن أنساك أبدا، لأن الغد ليس مضمونا لا لشاب أو مسن، ربما تكون في هذا اليوم المرة الأخيرة التي ترى فيها أولئك الذين تحبهم، فلا تنتظر أكثر، تصرف اليوم لأن الغد قد لا يأتي ولا بد أن تندم على اليوم الذي لم تجد فيه الوقت من أجل ابتسامة، أو عناق، أو أنك كنت مشغولا كي ترسل لهم أمنية أخيرة، حافظ بقربك على من تحب، أهمس في أذنهم أنك بحاجة إليهم، أحببهم واعتن بهم، وخذ ما يكفي من الوقت لتقول لهم عبارات مثل: أفهمك، سامحني، من فضلك، شكرا، وكل كلمات الحب التي تعرفها، لن يتذكرك أحد من أجل ما تضمر من أفكار، فاطلب من الرب القوة والحكمة للتعبير عنها وبرهن لأصدقائك ولأحبائك كم هم مهمون لديك.
قل ما تشعر به وأفعل ما تفكر فيه، الحياة تمنحنا الفرصة دائمًا أن نفعل الأفضل، يجب أن تندم على الوقت الذي لم تجد فيه فرصة لابتسامة.
أشهر كُتَّاب الواقعية العجائبية:
ويعد "غارسيا ماركيز" من أشهر كتاب الواقعية العجائبية، فيما يعد عمله مئة عام من العزلة هو الأكثر تمثيلًا لهذا النوع الأدبي وبعد النجاح الكبير الذي لاقته الراوية، فإنه تم تعميم هذا المصطلح على الكتابات الأدبية بدءًا من سبعينات القرن الماضي وفي عام 2007، أصدرت كل من الأكاديمية الملكية الإسبانية ورابطة أكاديميات اللغة الإسبانية طبعة شعبية تذكارية من الرواية، باعتبارها جزءًا من الكلاسيكيات العظيمة الناطقة بالإسبانية في كل العصور، وتم مراجعة وتنقيح النص من جانب "غابرييل غارسيا ماركيز" شخصيًا وتميز غارسيا ماركيز بعبقرية أسلوبه ككاتب وموهبته في تناول الأفكار السياسية وقد تسببت صداقته مع الزعيم الكوبي فيدل كاسترو الكثير من الجدل في عالم الأدب والسياسة وعلى الرغم من امتلاك "غابرييل غارسيا ماركيز" مسكنًا في باريس وبوغوتا وقرطاجنة دي إندياس، إلا أنه قضى معظم حياته في مسكنه في المكسيك واستقر فيه بدءًا من فترة الستينات.
"مائة عام من العزلة":
وشكل "ماركيز" جزءًا من البوم الأمريكي اللاتيني ويشتمل الإنتاج الأدبي لماركيز على العديد من القصص والروايات والتجميعات، إلى جانب كتابات أخرى، وتتناول الغالبية العظمى منه مواضيع مثل البحر وتأثير ثقافة الكاريبي والعزلة واعُتبرت رواية مئة عام من العزلة واحدة من أهم الأعمال في تاريخ اللغة الإسبانية، وذلك من خلال المؤتمر الدولي الرابع للغة الإسبانية الذي عقد في قرطاجنة في مارس عام 2007 إضافة إلى كونها أهم أعمال ماركيز، كانت أيضا أكثر الأعمال تأثيرا على أمريكا اللاتينية، واشتهر أيضًا بالأعمال الأخرى مثل ليس للكولونيل من يكاتبه، وخريف البطريرك، والحب في زمن الكوليرا وأيضًا هو مؤلف للكثير من القصص القصيرة، إضافة إلى كتابته خمسة أعمال صحفية.
* جد ماركيز.. الحبل السري الذي يربط التاريخ بالواقع"
"غابرييل غارسيا ماركيز" هو ابن غابرييل إيليخيو ولويسا سانتياجا ماركيز إجواران، الذي رفض العقيد نيكولاس ريكاردو ماركيز ميخيا والد لويسا هذه العلاقة بين أبويه، ولذلك لأن غابرييل إيليخيو ماركيز عندما وصل إلى أراكاتاكا كان عامل تلغراف، ولم يراه العقيد نيكولاس الشخص المناسب لابنته، حيث كانت أمه عزباء، وهو نفسه ينتمي لحزب المحافظين الكولومبي، إضافة إلى اعترافه بكونه زير نساء، ومع نية والدها لإبعادها عن والد ماركيز، أرسلت لويسا خارج المدينة، فيما تودد إليها غابرييل إيليخيو بألحان الكمان الغرامية وببعض قصائد الحب وعدد من الرسائل التلغرافية التي لا تعد ولا تحصى، وأخيرًا استسلمت عائلة لويسا للأمر، وحصلت لويسا على تصريح بالزواج من غابرييل إيليخيو، في 11 يونيو 1926 في سانتا مارتا، وقد استوحى غارسيا ماركيز روايته الحب في زمن الكوليرا من هذه القصة.
وبعد ولادة "غابرييل" بوقت قليل، أصبح والده صيدلانيًا، وفي يناير من عام 1929، انتقل مع لويسا إلى بارانكويلا، تاركًا ابنه في رعاية جديه لأمه، وتأثر غابرييل كثيرًا بالعقيد ماركيز، الذي عاش معه خلال السنوات الأولى من حياته، حيث إنه قتل رجلًا في شبابه خلال مبارزة بينها، إضافة إلى أنه كان أبًا رسميًا لثلاثة من الأبناء، كان هناك تسعة من الأبناء غير الشرعيين من أمهات عدة.
كان العقيد محاربًا ليبراليًا قديمًا في حرب الألف يوم، وشخصًا يحظى باحترام كبير بين أقرانه في الحزب، واشتُهر برفضه السكوت عن مذبحة إضراب عمال مزارع الموز الحدث الذي أدى إلى وفاة قرابة المئات من المزارعين على يد القوات المسلحة الكولومبية في 6 ديسمبر من عام 1928 خلال إضراب عمال مزارع الموز، والذي عكسه غابرييل في روايته مئة عام من العزلة.
وكان العقيد جد غابرييل، والذي لقبه هو نفسه ب«أباليلو»، واصفًا إياه «بالحبل السري الذي يربط التاريخ بالواقع»، راويًا مخضرمًا، وقد علمه على سبيل المثال، الاستعانة الدائمة بالقاموس، وكان يأخذه للسيرك كل عام، وكان هو من عرف حفيده على معجزة على الجليد، التي كانت توجد في متجر شركة الفواكه المتحدة، وكان دائمًا ما يقول له: «لا يمكنك أن تتخيل كم يزن قتل شخص»، مشيرًا بذلك إلى أنه لم يكن هناك عبئًا أكبر من قتل شخص، وهو الدرس الذي أقحمه غارسيا ماركيز لاحقًا في رواياته.
جدة ماركيز.. امرأة الخيال والشعوذة:
وكانت جدته، ترانكيلينا أجواران كوتس، والتي أطلق عليها اسم الجدة مينا ووصفها ب«امرأة الخيال والشعوذة» تملأ المنزل بقصص عن الأشباح والهواجس والطوالع والعلامات.
وقد تأثر بها "غابرييل غارسيا ماركيز" كثيرًا مثلها مثل زوجها، إضافة إلى كونها مصدر الإلهام الأول والرئيسي للكاتب، حيث استمد منها روحها وطريقتها غير العادية في تعاملها مع الأشياء غير النمطية مثل قصها للحكايات الخيالية والفانتازيا، كما لو كانت أمرًا طبيعيًا تمامًا أو حقيقة دامغة.
إضافة إلى أسلوبها القصصي، كانت الجدة مينا قد ألهمت حفيدها شخصية أورسولا إجواران، التي استخدمها لاحقا وبعد قرابة الثلاثين عامًا في روايته الأكثر شعبية مائة عام من العزلة.
وتوفي جده في العام 1936 عندما كان عمر غابرييل ثمانية أعوام، وبعد إصابة جدته بالعمى، انتقل للعيش مع والديه في سوكر، بلدة في دائرة سوكر بكولومبيا، حيث كان يعمل والده بمجال الصيدلة.
وتناول "غارسيا ماركيز" طفولته في سيرته الذاتية المسماه عشت لأروي عام 2002، وعاد إلى أراكاتاكا عام 2007 بعد غياب دام أربعة وعشرين عامًا، لحصوله على تكريم من الحكومة الكولومبية بعد إتمامه سن الثمانين وبعد مرور أربعين عامًا على نشر عمله الأول "مائة عام من العزلة".
وقرر "غابرييل" ابتداء مسيرته التعليمية الأساسية بعد وصوله إلى سوكر بوقت قليل، وتم إرساله إلى مدرسة داخلية في بارانكويلا، ميناء عند مصب نهر ماجدالينا.
واشتهر هناك كونه صبيًا خجولًا كان يكتب قصائد ساخرةً وكان يرسم رسومًا هزلية، ولقب ب«العجوز» بين زملائه لكونه كان شخصًا جادًا وقليل الاهتمام بالأنشطة الرياضية.
اجتاز "غارسيا ماركيز" المراحل الأولى من الدراسة الثانوية في المدرسة اليسوعية سان خوسيه، التي تعرف حاليًا بمعهد سان خوسيه، منذ عام 1940، حيث نشر قصائده الأولى في المجلة المدرسية الشباب.
وأكمل غارسيا دراسته في بوغاتا بفضل المنحة التي حصل عليها من الحكومة، واستقر من جديد في المدرسة الثانوية في بلدية ثيباكيرا، على بعد ساعة من العاصمة، حيث اختتم دراسته الثانوية.
تلميذ "فرانز كافكا":
وبعد تخرجه عام 1947، انتقل "غارسيا ماركيز" إلى بوغاتا لدراسة القانون بجامعة كولومبيا الوطنية، حيث تلقى نوعًا خاصًا من القراءة، فقرأ رواية "المسخ" ل" فرانتس كافكا "في الترجمة المزيفة ل" خورخي لويس بورخيس" والتي ألهمته كثيرًا، وكان متيمًا بفكرة الكتابة، ولكنها لم تكن بغرض تناول الأدب التقليدي، بينما على نمط مماثل لقصص جدته، "حيث تداخل الأحداث غير النمطية وغير العادية كما لو كانا مجرد جانب من جوانب الحياة اليومية".
وبدأ حلمه يكبر في أن يكون كاتبًا، وبعدها بقليل نشر قصته الأولى "الإذعان الثالث" أول قصة ل"ماركيز"، في صحيفة الإسبكتادور في 13 سبتمبر عام 1947، والقصة بها تأثيرًا من فرانتس كافكا.
وعلى الرغم من شغفه بالكتابة، إلا أن غارسيا ماركيز استمر في مسيرته في دراسة القانون عام 1948 إرضاء لوالده، وأغلقت الجامعة أبوابها إلى أجل غير مسمى بعد أعمال الشغب الدامية التي اندلعت في 9 أبريل بسبب اغتيال الزعيم الشعبي خورخي إلييثير جايتان، الذي كافح من أجل العدالة الاجتماعية وإصلاح النظام المالي والأراضي في بلاده، على يد الأوليغارشية وإحراق مسكنه.
وانتقل غارسيا ماركيز إلى جامعة قرطاجنة، وبدأ في العمل كمراسل لصحيفة اليونيفرسال، وفي عام 1950، ترك مجال المحاماة ليتفرغ للصحافة، وعاد من جديد إلى بارانكويلا ليصبح كاتب عمود ومراسل لصحيفة إل هيرالدو.
وبالرغم من أن غارسيا ماركيز لم ينهِ دراساته العليا، إلا أن بعض الجامعات مثل جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك قد منحته الدكتوراه الفخرية في الآداب.
وأثناء دراسته وعند زيارته لوالديه في سوكر، تعرف "غارسيا ماركيز" على ميرثيديس بارشا، ابنة أحد الصيادلة، في حفل راقص للطلاب وقرر وقتها أن يتزوجها بعد الانتهاء من دارسته، وعقد "غارسيا ماركيز" زواجه على ميرثيديس حين بلغ من العمر الثالثة عشرة من عمره في مارس عام 1958 في كنيسة سيدة المعونة الدائمة في بارانكويلا.
ووصف أحد كتاب السير الذاتية ميرثيديس بأنها امرأة طويلة وجميلة ذات شعر بني يرتخي على كتفيها، وحفيدة أحد المهاجرين "المصريين"، وهو ما يبدو جليًا في عظامها العريضة وعيونها الواسعة ذات اللون البني، فيما كان يشير لها "غارسيا ماركيز" باستمرار وبفخر؛ وذلك عندما تحدث عن صداقته مع فيدل كاسترو، حيث قال: "فيدل يثق بميرثيديس أكثر حتى مما يثق بي".
ورزقوا بابنهم الأول رودريجو عام 1959، والذي أصبح فيما بعد مخرجًا سينمائيًا، وفي عام 1961، انتقل "ماركيز" إلى نيويورك حيث عمل مراسلًا لوكالة برنسا لاتينا، ثم انتقل إلى المكسيك واستقر بعد ذلك في العاصمة، بعد تلقيه تهديدات وانتقادات من وكالة المخابرات المركزية ومن الكوبيين المنفيين، والذين لم يتناولهم محتوى تقاريره، وبعد ثلاث سنوات، رزق بابنه الثاني، جونثالو، والذي يعمل حاليًا مصمم جرافيك في مدينة مكسيكو.
نقلة نوعية:
بدأت شهرة "غارسيا ماركيز" العالمية عند نشره لروايته "مائة عام من العزلة" في يونيو عام 1967، وفي أسبوع واحد، بِيعت ثمانية آلاف نسخة، وصولًا ببيع نصف مليون نسخة خلال ثلاث سنوات، كما تم ترجمتها إلى أكثر من عشرين لغة وحازت أربع جوائز دولية، ووصل "ماركيز" لقمة النجاح وعرفه الجمهور عندما كان بعمر الأربعين.
وكان جليًا تغير حياته بعد المراسلات بينه وبين محبيه والجوائز والمقابلات التي أجريت معه، وفي عام 1969، حصل على جائزة كيانشانو عن رواية مئة عام من العزلة، والتي اعُتبرت "أفضل كتاب أجنبي " في فرنسا، وفي عام 1970، نشرت الرواية باللغة الإنجليزية واخُتيرت كواحدة من أفضل اثنى عشر كتابًا في الولايات المتحدة في هذا العام، وبعدها بسنتين، حصل على جائزة رومولو جايجوس وجائزة نيوستاد الدولية للأدب، وفي عام 1971 قام ماريو بارغاس يوسا بنشر كتاب عن حياة وأعمال "ماركيز"، وعاد غارسيا ماركيز للكتابة للتأكيد على هذا النجاح، وقرر أن يكتب عن ديكتاتور، وانتقل مع أسرته إلى مدينة برشلونة بإسبانيا، حيث أمضى حياته تحت حكم فرانثيسكو فرانكو في سنواته الأخيرة.
وأدت شعبية كتاباته أيضًا إلى تكوينه صداقات عدة مع الزعماء الأقوياء، ومنها الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو، وهى تلك الصداقة التي تم تحليلها في غابو وفيدل: مشهد صداقة، وبالمثل مع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، إضافة إلى توافقه مع الجماعات الثورية في أمريكا اللاتينية وخصوصًا في الستينات والسبعينات من القرن العشرين وفي مقابلة أجرتها كلوديا درييفوس معه في عام 1982، أقر "ماركيز" أن صداقته مع كاسترو تنصب بالأساس في مجال الأدب: "العلاقة بينا ما هي إلا صداقة فكرية، ربما لم يكن معروفًا على نطاق واسع أن فيدل رجل مثقف، وعندما نكون معًا، نتحدث كثيرًا عن الأدب "، وانتقد البعض "غارسيا ماركيز" لوجود هذه الصداقة بينهما، فيما أشار الكاتب الكوبي رينالدو آرناس في مذكراته قبل هبوط الليل عام 1992 أن "غارسيا ماركيز" كان مع كاسترو في طاب موجه عام 1980، انتقد فيه الأخير اللاجئين الذين تم اغتيالهم مؤخرًا في سفارة بيرو بأنهم رعاع وتذكر آرناس بمرارة تكريم أصدقاء الكاتب لكاسترو بتصفيقهم المنافق.
وإضافة إلى شهرته الواسعة التي اكتسبها من مؤلفاته، فإن وجهة نظره تجاه الإمبريالية الأمريكية أدت إلى اعتباره شخصًا مخربًا، ولسنوات عدة تم رفض منحه تأشيرة دخول للولايات المتحدة من قبل سلطات الهجرة، وبالرغم من ذلك، وبعد انتخاب بيل كلينتون رئيسًا للولايات المتحدة، تم رفع الحظر المفروض عليه للسفر إلى بلاده، وأكد كلينتون أن "مائة عام من العزلة" هى روايته المفضلة.
عالم الفن السابع:
وفي عام 1981، حاز "ماركيز" على وسام جوقة الشرف الفرنسية، وعاد بعدها إلى كولومبيا في زيارة لكاسترو، ليجده في ورطة أكبر، فقد أتهمته حكومة القائد الليبرالي خوليو ثيسار طورباي أيالا بتمويل حركة 19 أبريل، وطلب اللجوء إلى المكسيك، هروبًا من كولومبيا، وحتى الآن ما زال يحتفظ بمنزله، وخلال الفترة ما بين عامي 1986 و1988، عاش "غارسيا ماركيز"، وعمل في مدينة مكسيكو ولا هافانا وقرطاجنة، وبعد ذلك، وفي عام 1987 أقيم احتفالًا في أوربا وأمريكا بمناسبة الذكرى العشرين لصدور الطبعة الأولى من مئة عام من العزلة، ولم تقتصر مساهمات "غارسيا ماركيز" على الكتب فقط ولكنه أيضًا كان قد انتهى من كتابة عمله المسرحي الأول خطبة لاذعة ضد رجل جالس عام 1988، وفي عام 1988، صدر فيلم رجل عجوز جدًا بجناحين عظيمين عن قصته التي تحمل نفس الاسم، من إخراج فيرناندو بيرري.
وفي عام 1995، قام معهد كارو وكويربو بنشر مجلدين من مرجع نقدي عن "غابرييل غارسيا ماركيز"، وفي عام 1996، نشر غارسيا ماركيز خبر اختطاف، حيث جمع بين توجهه في الإدلاء بشهادته في الصحافة مع أسلوبه الروائي الخاص، وتمثل هذه القصة موجة هائلة من العنف وعمليات الاختطاف التي لا تزال تواجه كولومبيا وفي عام 1999، قام الأمريكي جون لي أندرسون بنشر كتاب يكشف فيه عن حياة "غارسيا ماركيز"، والذي أتيحت له الفرصة للعيش لشهور عدة مع الكاتب وزوجته في منزلهما في بوغوتا
ماركيز.. والمرض اللعين:
"غابرييل غارسيا ماركيز" في لقاء مع وزير الثقافة الكولومبي في المهرجان السينمائي الدولي في مدينة غوادالاخارا المكسيكية عام 1999، تم تشخيص حالة غارسيا ماركيز بأنه مصاب بسرطان الغدد الليمفاوية، وهو ما أعلنه الكاتب في مقابلة أجرتها معه صحيفة إل تيمبو الكولومبية اليومية في بوغاتا، قائلا: منذ أكثر من عام، وقد خضعت لعلاج مكثف لسرطان الغدد الليمفاوية خلال ثلاثة أشهر، وقمت بتلقي العلاج الكيميائي في مستشفى في لوس أنجلوس، والذي كان بمثابة حجر عثرة في حياتي، لقد خفضت علاقاتي مع أصدقائي بذلك الوقت إلى أدنى حد ممكن، وقطعت الاتصالات الهاتفية وقمت بإلغاء رحلاتي وجميع التزاماتي المعلقة والمستقبلية حتى لا يفوتني الوقت، وانتهي من كتابة المجلدات الثلاثة من مذكراتي عشت لأروي، وكتابين من القصص القصيرة الذين قاربا على المنتصف، وبالفعل انغلقت على نفسي وعكفت على الكتابة كل يوم دون انقطاع من الساعة الثامنة صباحًا وحتى الثانية بعد الظهر، وخلال هذه الفترة، وبدون أي نوع من الأدوية، فقد قللت علاقتي مع الأطباء واكتفيت بالزيارات السنوية واتباع نظام غذائي بسيط حتى أتجنب زيادة الوزن.
وفي غضون ذلك، عدت إلى الصحافة وإلى متعتي المفضلة في سماع الموسيقى وكنت أقضي اليوم في القراءات المتراكمة عليّ.
وفي المقابلة نفسها، أشار "غارسيا ماركيز" إلى قصيدته التي تحمل عنوان "الدمية"، والتي نسبتها إليه صحيفة لا ريبوبليكا البيروفية والتي كانت بمثابة وداعًا لموته الوشيك، نافيًا ذلك الخبر، ونفي في الوقت ذاته أن يكون هو مؤلف هذه القصيدة وصرح بأن الكاتب الحقيقي هو كاتب مكسيكي شاب كتبها لدميته، مشيرًا في الوقت ذاته إلى المكسيكي جوني ولش.
*ماركيز.. لابد عند الكتابة أن يكون قلبي معي:
وفي 2002، سافر جيرالد مارتن، كاتب سيرة "ماركيز" الذاتية، إلى مدينة المكسيك حتى يتحدث معه، وكانت زوجته ميرثيديس تعاني من الرشح، فاضطر الكاتب إلى مقابلة مارتن في الفندق الذي يقيم فيه، ووفقًا لمارتن، فإن "غابرييل غارسيا ماركيز" لا يبدو عليه المظهر النموذجي للشخص المصاب بالسرطان، حتى الآن، لا يزال يحتفظ بوزنه الرشيق وشعره القصير، وهو على وشك الانتهاء من مذكراته عشت لأروي حتى ينشره في العام ذاته، وفي 2005، لم يكتب "ماركيز" حتى ولو سطرًا واحدًا، وقال: "من خلال تجربتي فأنا أستطيع الكتابة دون أدنى مشاكل، لكن القراء سيدركون أن قلبي لم يكن معي لحظة الكتابة "
وفي مايو من عام 2008، تم الإعلان عن انتهاء "ماركيز" من رواية جديدة باسم رواية الحب، وأنه بصدد نشرها بحلول نهاية العام ذاته، ومع ذلك، أدلت كارمن بالثييس بتصريح لصحيفة لا ترثيرا التشيلية بأن "غارسيا ماركيز" أصبح غير قادر على العطاء وأنه لن يكتب مرة أخرى، إلا إن كريستوبال بيرا، رئيس تحرير راندوم هاوس موندادوري، ذكر أن "غارسيا ماركيز" بصدد الانتهاء من رواية جديدة بعنوان سوف نلتقي في أغسطس.
وفي ديسمبر من عام 2008، أخبر "غارسيا ماركيز" معجبيه في معرض الكتاب في غوادالاخارا أن كتابته أصبحت بالية، وفي 2009، ونزولًا عن رغبته وردًا على ادعاءات وكيلة أعماله وكاتب سيرته الذاتية أن مسيرته الأدبية قد فنيت، صرح "ماركيز" لصحيفة إل"تيمبو الكولومبية" أنه ليس فقط ما يقولونه غير صحيح، ولكن أيضًا الشيء الوحيد الذي يمكنني القيام به هو الكتابة".
وفي أوائل عام 2012، أشاع خايمي ماركيز، أخو غابرييل، أن "غابرييل" أصبح يعاني من الخرف، وأشار إلى أن العلاج الكيميائي الذي تلقاه للعلاج من السرطان اللمفاوي قد يكون السبب في ذلك، إلا أن فيديو تم بثه في مارس عام 2012 في احتفال ماركيز بعيد ميلاده كذب ذلك الأمر.
ماركيز.. عاش ليحكي:
بدأ "غارسيا ماركيز" مسيرته مع الصحافة عندما كان يدرس القانون في الجامعة، وفيما بين عامي 1948 و1949، كتب لصحيفة اليونيفرسال اليومية في قرطاجنة، ومن عام 1950 إلى عام 1952، كتب عمود مختلف في إل هيرالدو، الصحيفة المحلية في بارانكويلا تحت الاسم المستعار سبتيموس، واكتسب "غارسيا ماركيز" خبرة من مساهماته في صحيفة إل هيرالدو، وخلال هذه الفترة، أصبح ماركيز عضوًا نشطًا في الجروب غير الرسمي للكتاب والصحفيين والمعروف باسم جروب بارانكويلا، وهي الجمعية التي كانت لها الدافع الأكبر والإلهام الذي صاحب "ماركيز" في مسيرته الأدبية، وعمل "ماركيز" مع بعض الشخصيات، من بينهم خوسيه فيلكس فوينمايور، وكاتب القصص القصيرة القطالوني رامون بينيس، وألفونسو فوينمايور والكاتب والصحفي الكولومبي ألبارو ثيبيددا ساموديو وخيرمان بارجاس والرسام الكولومبي- الإسباني أليخاندرو أوبريجون والفنان الكولومبي أورلاندو ريبيرا وخوليو ماريو سانتوس دومينجو، واستخدم "غارسيا ماركيز"، على سبيل المثال، الحكيم القطالوني رامون بينيس، كصاحب مكتبة لبيع الكتب في مئة عام من العزلة، وفي ذلك الوقت، قرأ "غارسيا ماركيز" أعمال العديد من الكتاب مثل فيرجينيا وولف وويليام فوكنر، والذين أثرا عليه في كتاباته وفي التقنيات السردية والموضوعات التاريخية مع استخدام بلديات المحافظات، وقدم محيط بارانكويلا ل"غارسيا ماركيز" المناخ الأدبي المناسب للتعلم على المستوى العالمي ووجهة نظر فريدة عن ثقافة منطقة البحر الكاريبي، وعن مسيرته في الصحافة، ذكر ماركيز أن ذلك كانت بمثابة "وسيلة لعدم افتقاده الاتصال مع الواقع ".
وبناءً على طلب من الروائي والشاعر الكولومبي ألبارو موتيس عام 1954، عاد "غارسيا ماركيز" إلى بوغوتا للعمل كمراسل وناقد سينمائي في صحيفة الإسبكتادور، وبعدها بعام، نشر "غارسيا ماركيز" قصة بحّار غريق في نفس الصحيفة، وهي سلسلة وقائع تاريخية من أربعة عشر جزء عن غرق المدمرة أيه. أر. سي. كالداس، قصة حقيقية لسفينة كولومبية غرقت بسبب إفراط في التحميل والوزن، وذلك استنادًا إلى مقابلات عدة مع لويس أليخاندرو بيلاسكو، بحّار شاب نجا من الغرق، وأدى نشر هذه المقالات إلى حدوث جدل عام على الصعيد الوطني، حيث أنه في المنشور الأخير تم الكشف عن التاريخ الخفي، والذي أدى إلى التشكيك في الرواية الرسمية للأحداث التي أرجعت سبب غرق السفينة إلى عاصفة، ونتيجة لهذه الجدل، تم إرسال "غارسيا ماركيز" إلى باريس ليكون مراسلًا أجنبيًا لصحيفة الإسبكتادور، وبعدها قام ماركيز بكتابة تجربته في صحيفة الإندبندنت، صحيفة حلت محل الإسبكتادور لفترة وجيزة، خلال فترة الحكومة العسكرية للجنرال جوستابو روخاس بينيا، والتي أغلقت بعد ذلك من قبل السلطات الكولومبية، وفي وقت لاحق، وبعد انتصار الثورة الكوبية عام 1960، سافر "غارسيا ماركيز" إلى هافانا، حيث عمل في وكالة الأنباء برنسا لاتينا، التي أنشأتها الحكومة الكوبية وهناك كون صداقة مع تشي جيفارا.
وفي عام 1974، قام "غابرييل غارسيا ماركيز" جنبًا إلى جنب مع عدد من المثقفين والصحفيين اليساريين بتأسيس مجلة ألتراناتيبا والتي استمرت حتى عام 1980، وشكلت علامة فارقة في تاريخ صحافة المعارضة في كولومبيا، وبمناسبة صدور العدد الأول، كتب غابو مقالًا حصريًا عن تفجير قصر لامونيدا في سانتياغو، عاصمة تشيلي، وهو بدوره ما أدى إلى نفاذ الكمية بأكملها، وبعد ذلك، أصبح هو الشخص الوحيد التي كان يوقع على المقالات.
وفي عام 1994، قام "غابرييل غارسيا ماركيز" برفقة أخيه خايمي غارسيا ماركيز وخايمي أبييو بانفي بتأسيس مؤسسة الصحافة الإيبرو أمريكية الجديدة FNPI، والتي كانت تهدف إلى مساعدة الصحفيين الشباب للتعلم على يد أساتذة مثل ألما جييرموبريتو وجون لي أندرسون، وبالمثل دفعهم نحو الطرق الجديدة للكتابة الصحفية، ويقع المركز الرئيسي للمؤسسة في قرطاجنة، ولا يزال "غارسيا ماركيز" يرأسها حتى الآن.
البحث عن مجتمع أكثر عدالة
نشر "غارسيا ماركيز" قصته الأولى الإذعان الثالث في صحيفة الإسبكتادور بتاريخ 13 سبتمبر عام 1947، وبعدها بعام، بدأ عمله في الصحافة في نفس الصحيفة، وكانت باكورة أعماله مجموعة قصصية قام بنشرها في الصحيفة نفسها فيما بين عامي 1947 و1952، وخلال هذه الفترة، قام بنشر خمسة عشر قصة قصيرة.
وأراد "غارسيا ماركيز" أن يكون صحفيًا وفي الوقت ذاته روائي، وبالمثل أراد خلق مجتمع أكثر عدالة، وبحث ماركيز لعدة سنوات عن ناشر لروايته الأولى الأوراق الذابلة، إلى أن نشرها عام 1955 ورغم أن الرواية لاقت نقدًا واسعًا، إلا أن عددًا كبيرًا من الطبعات ظل بالمخازن، ولم يحصل الكاتب وقتها على أي شيء، ولا حتى قرش كإتاوة على سبيل المثال وأشار "غارسيا ماركيز" إلى أنه "من بين كل ما كتبه، تظل الأوراق الذابلة هي المفضلة لأنها تعتبر من أكثر الأعمال صدقًا وتلقائية "
كثيرًا ما يعتبر "ماركيز" من أشهر كتاب الواقعية العجائبية، والعديد من كتاباته تحوي عناصر شديدة الترابط بذلك الأسلوب، ولكن كتاباته كانت متنوعة، بحيث يصعب تصنيفها ككل بأنها من ذلك الأسلوب، وتصنف الكثير من أعماله على أنها أدب خيالي أو غير خيالي وخصوصًا عمله المسمى وقائع موت معلن عام 1981، التي تحكي قصة ثأر مسجلة في الصحف عبر لسان صحفي مزيف عن قضية قتل سانتياغو نصار على يد اثنان من إخوة بيكاريو، ونشر رواية الحب في زمن الكوليرا للمرة الأولى عام 1985،وهي قصة حب ببن الزوجين فيمينا داثا وفلورينتينو أريثا، وهي قصة مستوحاة من قصة الحب بين والديه منذ المراهقة، وحتى ما بعد بلوغهما السبعين، وذكر ماركيز في أحد المقابلات أن الفرق بين القصتين هو أن والديه تزوجا، وبعدها لم يصبحا شخصيات أدبية مألوفة للكتّاب، يستند الحب بين كبار السن على قصة قرأها في إحدى الصحف عن وفاة اثنين من الأمريكان، عن عمر قارب الثمانين عامًا، والذين كانا يجتمعان كل عام في أكابولكو، حتى قُتلا ذات يوم على ظهر قارب على يد أحد المراكبية، وأشار غارسيا ماركيز: «تم الكشف عن قصة الحب الرومانسية بينهما بعد وفاتهما، كنت حقًا مفتونًا بهذه القصة، بالرغم من كون كل شخص منهم متزوج بشخص آخر.
بيع 30 مليون نسخة من "مائة عام من العزلة"
وتأخر "غابرييل غارسيا ماركيز" قرابة الثمانية عشر شهرًا حتى كتابة روايته الأكثر شهرة مئة عام من العزلة، وفي يوم الثلاثاء الموافق 30 مايو من عام 1967، خرجت للنور الطبعة الأولى من روايته في منافذ البيع في بوينس آيرس ومن أشهر رواياته مئة عام من العزلة، وبعدها بثلاثة عقود، وبعد ترجمة الرواية إلى سبعة وثلاثين لغة، بِيع منها أكثر من 30مليون نسخة في جميع أنحاء العالم، "وكانت حقًا هذه الرواية بمثابة القنبلة التي أحدثت انفجارًا في العالم منذ صدورها في اليوم الأول، وصدر الكتاب في منافذ البيع دون أي حملات ترويجية، وفي أسبوع واحد، بِيعت ثمانية آلاف نسخة، وسرعان ما أصبحت ممثلة تيار الواقعية السحرية في أدب أمريكا اللاتينية وأثرت رواية مئة من العزلة في معظم الروائيين الرئيسيين على مستوى العالم، وتتناول الرواية أحداث المدينة من خلال سيرة عائلة بوينديا على مدى ستة أجيال والذين يعيشون في قرية خيالية تدعى ماكوندو، والتي أسسها خوسيه أركاديو بوينديا، والذين كانوا يسمون الكثير من أبنائهم في الرواية بهذا الاسم.
وقد كتب أيضا سيرة سيمون بوليفار في رواية الجنرال في متاهته، هي رواية ذات طابع تاريخي حيث توثق الأيام الأخيرة من حياة الجنرال سيمون بوليفار، الذي يعتبر واحدًا من الزعماء الذين شاركوا في حركة الاستقلال السياسي لدول أمريكا الجنوبية في الربع الأول من القرن التاسع عشر، ونشرت عام 1989، وتدور القصة حول الفترة الأخيرة من حياة بوليفار: رحلة المنفى من بوغوتا إلى الساحل الكاريبي لكولومبيا في محاولة لمغادرة أمريكا والذهاب إلى منفاه في أوربا.
ماركيز.. وخريف البطريرك
ومن أعماله الأخرى يظهر خريف البطريرك عام 1975، ورائحة الجوافة عام 1982 وليس للكولونيل من يكاتبه عام 1961، وكتب أيضًا اثنتا عشرة قصة قصيرة مهاجرة، وهو كتاب يضم 12 قصة كتبت قبل ثمانية عشر عامًا، وقد ظهرت من قبل كمقالات صحفية وسيناريوهات سينمائية، كما أصدر مذكراته بكتاب بعنوان عشت لأروي، والتي تتناول حياته حتى عام 1955. فيما تتحدث روايته ذكرى عاهراتي الحزينات عن ذكريات رجل مسن ومغامراته العاطفية.
وفي عام 2002، قدم "غارسيا ماركيز" الجزء الأول من سيرته الذاتية المكونة من ثلاثة أجزاء، وحقق الكتاب مبيعات ضخمة في عالم الكتب الإسبانية، وأعلن الكاتب عنه على النحو التالي.
أبدأ كلامي بحديثي عن أجدادي لأمي وحب والدي ووالدتي لي في بدايات القرن العشرين حتى عام 1955، حتى نشرت قصة الأوراق الذابلة وسافرت إلى أوربا كمراسل أجنبي لصحيفة الإسبكتادور، وسيستمر المجلد الثاني حتى نشر مئة عام من العزلة، بعد نحو عشرين عامًا. فيما سيقدم المجلد الثالث شكلًا مختلفًا، وسوف يتناول فقط ذكرياتي عن علاقاتي الشخصية مع ستة أو سبعة رؤساء دول مختلفين.
"ذكرى عاهراتي الحزينة" وحظر البيع في إيران:
فيما نُشرت الترجمة الإنجليزية لهذه السيرة أعيش لأروي على يد إيدث جروسمان عام 2003، وكانت من الكتب الأكثر مبيعًا، وفي 10 سبتمبر عام 2004، أعلنت صحيفة إل تيمبو عن نشر رواية جديدة في أكتوبر تحت عنوان ذكرى عاهراتي الحزينات، وتتناول إحدى قصص الحب، وكان من المقرر أن يتم طرح قرابة مليون نسخة كطبعة أولى، وقد سبب نشر هذا الكتاب جدلًا كبيرًا في إيران، حيث تم حظر بيعه بعد طباعة وبيع أكثر من خمسة آلاف نسخة، فيما هددت منظمة غير حكومية في المكسيك بمقاضاة الكاتب المدافع عن دعارة الأطفال.
ماركيز.. ومحاولة البحث عن مسار مختلف
هناك بعض الجوانب التي يمكن للقراء أن يجدوها عند قراءتهم لأعمال "غارسيا ماركيز" مثل الدعابة. ولكن في الوقت ذاته، فإنه ليس هناك أسلوبًا واضحًا ومحدد سلفًا لأعمال الكاتب، وفي هذا الصدد، أشار "غارسيا ماركيز" في مقابلة أجراها مع مارليس سيمون، أسعى أن أتخذ مسارًا مختلفًا في كل كتاب، الكاتب لا يختار أسلوبًا.. بإمكان أي شخص أن يكتشف الأسلوب المناسب لكل موضوع، وكما أشارت، فإن الأسلوب يتم تحديده بناءً على موضوع العمل، وفي حالة المحاولة في استخدام أسلوب آخر غير مناسب، ستظهر نتيجته مغايرة، وبالتالي، فإن النقاد يبنون نظرياتهم استنادًا إلى ذلك، ويكتشفون أشياء لم تكن موجودة بالأساس فقط أتجاوب مع أسلوب حياتنا، الحياة في منطقة البحر الكاريبي.
ماركيز.. والقارئ
واشتهر "غارسيا ماركيز" بتركه العنان للقارئ أيضًا ليكون له دورًا هاما ويشاركه في بعض الأفكار والتفاصيل المهمة للعمل الأدبي، وعلى سبيل المثال، فإن الكاتب لم يعطِ اسمًا لأحد الشخصيات الرئيسية في روايته ليس للكولونيل من يكاتبه، وهي تقنية مستمدة من التراجيديا الإغريقية مثل أنتيجون وأوديب ملكا، حيث تتطور بعض الأحداث المهمة خارج نطاق العرض، حيث يُفسح المجال لمخيلة الجمهور.
تتناول معظم أعمال "غارسيا ماركيز" موضوع العزلة. ولاحظ بيلايو أن "الحب في زمن الكوليرا، مثلها مثل غيرها من أعمال "غابرييل غارسيا ماركيز" تكشف عن وحدة الإنسان والجنس البشري.. صورة معبرة من خلال الشعور بالوحدة في الحب والوقوع في الحب في كل أعمالك، من أين ينبغي علينا أن نبحث عن جذور الأمر؟ في طفولتك ربما؟،فيما أجابه "غارسيا ماركيز": «أعتقد أنها مشكلة في العالم بأثره، كل فرد لديه تكونيه الخاص ووسيلته للتعبير عن نفسه، هذا الشعور يعم أعمال الكثير من الكتاب، إلا أن البعض منهم يمكنه التعبير عنه دون وعي "
وفي خطاب قبوله لجائزة نوبل، "العزلة في أمريكا اللاتينية "، أشار "غارسيا ماركيز" إلى أن موضوع العزلة مرتبط بأمريكا اللاتينية: "تفسير واقعنا من أنماط عدة، وليس من خلالنا نحن، يجعلنا فقط نشعر في كل مرة وكأننا غرباء عن عالمنا، ونصبح أقل حرية وأكثر وحدة في كل مرة
ويأتي اختراع الكاتب لقرية "ماكوندو" على رأس المواضيع المهمة الأخرى في كتابات "غارسيا ماركيز"، واستمد "ماركيز" المرجع الجغرافي لماكوندو من مسقط رأسه أراكاتاكا في كولومبيا للإشارة إلى مدينته الخيالية التي اخترعها، إلا أن تمثيل الشعب تجاوز الإطار المحدد لهذه المنطقة، فيما أضاف "غارسيا ماركيز": ماكوندو ليست مجرد مكان بمقدار كونها حالة ذهنية.
أصبحت هذه المدينة الخيالية معروفة في عالم الأدب، ويتم استدعاء جغرافيتها وسكانها باستمرار من قبل المعلمين والسياسيين والوكلاء،والذين يصعب عليهم التصديق أنها ما هي إلا محض اختراع، في قصة الأرواق الذابلة، وصف ماركيز واقع أوج نبات الموز في ماكوندو، والتي على ما يبدو أنها تحمل فترة ازدهار واضحة خلال وجود الشركات الأمريكية، وبالمثل تمثل مرحلة اكتئاب مع رحيل هذه الشركات، إضافة إلى أن رواية مئة عام من العزلة تدور أحداثها كاملة في ماكوندو تلك البلدة الخيالية من تاريخ تأسسيها إلى حتى اختفائها مع آخر جيل في عائلة بوينديا.
وشرح "غارسيا ماركيز" في سيرته الذاتية أن ولعه بلفظ ومفهوم ماكوندو جاء بعد وصفه لرحلة قام بها مع والدته في طريق عودته إلى أراكاتاكا.
توقف القطار في محطة ليس لديها بلدة، وفي وقت لاحق مر بمزرعة الموز الوحيدة على امتداد الطريق والتي كانت تحمل اسم ماكوندو على بابها الخارجي.
وقد لفتت انتباهي هذه الكلمة منذ أولى رحلاته التي قد قمت بها مع جدي، ولكنني اكتشفتها كشخص بالغ وأعجبني وقعها الشعري على أذني.
ولم أسمعني مرة أقول ولا وددت حتى أن أتساءل عن معنى اللفظة.. وقرأت عنها ذات مرة في إحدى الموسوعات أن ماكوندو تعني شجرة استوائية تشبه شجرة السيبا
ووفقًا لبعض العلماء، فإن ماكوندو، المدينة التي أسسها خوسيه أركاديو بوينديا في رواية مئة عام من العزلة، لا توجد إلا نتيجة لتداولها اللغوي، ويأتي اختراع ماكدونا تماشيًا تامًا مع وجود الكلمة مكتوبة سابقًا، وفي الكلمة ذاتها، وكأداة تواصل، فإنها تتجلى في الواقع وتسمح للإنسان بتحقيق الاتحاد مع الظروف الخارجة عن بيئته المباشرة.
*ماركيز.. العنف والثقافة
ويجدر الإشارة إلى موضوع العنف في كولومبيا حتى ستينات القرن العشرين في الصراعات التاريخية والحرب الأهلية بين الحزبين الليبرالي والمحافظين، والذي أدى بدوره إلى وفاة مئات الآلاف من الكولومبيين. وظهر هذا العنف ملحوظًا في العديد من أعمال "غارسيا ماركيز" مثل ليس للكولونيل من يكاتبه والأوراق الذابلة وفي ساعة نحس، وتشير هذه الأعمال إلى مواقف غير عادلة عاشها العديد من الأشخاص، مثل حظر التجول والرقابة على الصحافة. وتبرز رواية في ساعة نحس، بالرغم من أنها ليست واحدة من الروايات الأكثرة شهرة ل"غارسيا ماركيز"، لتصويرها العنف مع صورة مجزأة من التفكك الاجتماعي الناجم عن العنف، ويمكن القول بأن «العنف في هذه الأعمال قد تحول إلى قصة قصيرة من خلال عدم الجدوى الواضحة في العديد من مشاهد الدم والموت
ورغم أن "غارسيا ماركيز" كان يصف الطبيعة والظلم في فترة العنف التي ضربت كولومبيا في ذلك الوقت، إلا أنه رفض توظيف عمله كمنبر للدعاية السياسية، بالنسبة له، واجب الكاتب الثوري هو أن يكتب بشكل جيد، وعمله المثالي هو إبداعه عملًا روائيًا يحرك القارئ من خلال مضمونه السياسي والاجتماعي، وفي الوقت ذاته لقدرته على اختراق الواقع والكشف عن جانبه الآخر
*ماركيز.. ونقد العادات الاجتماعية
ويلاحظ أيضًا في أعمال "غارسيا ماركيز" "ولعه بعرض الهوية الثقافية الأمريكية اللاتينية وخصوصًا ملامح عالم منطقة الكاريبي "، وأيضًا محاولته تفكيك القواعد الاجتماعية الراسخة في هذا الجزء من العالم، وعلى سبيل المثال، تبرز شخصية ميمي في رواية مئة عام من العزلة كأداة لنقد الاتفاقيات والأحكام المسبقة للمجتمع، وفي هذه الحالة: هي لم تتوافق مع التقاليد التي تنص على أن "الفتيات يجب أن تكون عذارى عند الزواج "، لأنها كانت على علاقة غير شرعية قبل الزواج مع ماوريثيو بابيلونيا، ويمكن أيضًا ملاحظة مثال آخر عن نقد العادات الاجتماعية من خلال علاقة الحب بين بيترا كوتس وأوريليانو سيجوندو، وفي نهاية العمل، يزداد الحب بين بطلي العمل أكثر من الأول، وحتى بعد أن أصبحوا كهلان
،وبذلك يكون "غارسيا ماركيز" قد انتقد الصورة المعروضة من قبل المجتمع والتي تبرهن على أن "الكهلان لا يستطيعان الوقوع في الحب بعد بلوغهما هذه المرحلة "
ماركيز.. الواقعية والواقعية السحرية
وكونه كان مؤلفًا للأعمال الخيالية، فقد ارتبط اسم "غارسيا ماركيز" دائمًا بالواقعية العجائبية، حيث يعد الشخصية البارزة والمحورية لهذا النوع الأدبي، ويستخدم تيار الواقعية العجائبية لوصف العناصر المليئة بالأحداث الفانتازيا والأساطير جنبًا إلى جنب مع الأنشطة اليومية والروتينية، كما هو الحال في أعمال الكاتب.
وتعد الواقعية بمثابة موضوعًا هامًا في أعمال "غارسيا ماركيز"، وأشار إلى أنه قام بعكس واقع الحياة في كولومبيا في أعماله الأولى عدا الأوراق الذابلة، مثل ليس للكولونيل من يكاتبه وفي ساعة نحس وجنازة الأم الكبيرة، وعلى خلفية هذا الموضوع، قام بتحديد البنية المنطقية لأعماله المذكورة سلفًا، وأضاف: "لست نادمًا على كتابتهم، ولكنهم في الوقت ذاته ينتمون إلى النوع الأدبي الذي يتعمد عرض وجهة نظر الواقع الثابت جدًا والحصري في آن واحد ".
وفي أعماله الأخرى، قام "غارسيا ماركيز" بتجربة أكثر من نهج أقل تقليدية من الواقع، بحيث يقال الأكثر فظاعة والأكثر غرابة بطريقة لا مبالية، ويأتي الصعود الروحي والجسدي لشخص ما إلى السماء وبينما هو تاركًا الملابس معلقة حتى تجف في مئة عام من العزلة من الأمثلة المستشهد بها بوجه عام، ويندرج أسلوب هذا الأعمال تحت مصطلح الواقع العجائبي، والذي تبناه الكاتب الكوبي أليخو كاربنتيير، والذي تم وصفه فيما بعد بالواقعية السحرية، فيما اقترح الناقد الأدبي ميشيل بيل التفسير البديل لأسلوب "غارسيا ماركيز"، حيث تم انتقاد تصنيفهم وفقًا الواقعية السحرية التي تتميز بالغرابة و"الديكوتومية "، والذي هو حقًا على المحك هو المرونة النفسية التي لا يمكنها أن تؤثر على العالم بطريقة عاطفية خلال النهار، في حين تبقى متاحة لتلقينات نطاقات الثقافة الحديثة، من خلال منطقها الداخلي الخاص، والتي في حاجة إلى التهميش أو القمع،" وناقش الصحفي الكولومبي بلينيو أبوليو ميندوثا مع صديقه "غارسيا ماركيز" أعمال الأخير على نحو مشابه: "تناولك للواقع في كتاباتك.. قد تمحور إلى مستوى آخر واندرج تحت مصطلح الواقعية السحرية، لدى انطباع بأن قراءك الأوروبيين كثيرًا ما يحذروا السحر الذي تقدمه في كل شيء، لأنهم في الحقيقية لا يرون الواقع الذي يلهمك لتناول هذه الأفكار، ولأنه من المؤكد أيضًا أن عقلانياتهم تمنعهم من رؤية الواقع الذي لا يقف فقط عند أسعار الطماطم أو البيض.
وخلق "غارسيا ماركيز" عالمًا قريب الشبه جدًا إلى عالمنا اليومي، إلا أنه في الوقت نفسه يختلف كليًا عنه، من الناحية التقنية، هو عالم واقعي من خلال عرضه لكل ما هو حقيقي وما هو غير واقعي، ولكن بطريقة أو بأخرى، يتناول ببراعة الواقع والذي تتلاشى بداخله بشكل طبيعي الحدود بين كل ما هو حقيقي وكل ما هو فانتازيا
ماركيز.. عاش ليحكي
*ماركيز..الرواية تمثيل مشفر للواقع:
ويعتبر "غارسيا ماركيز" أن الخيال ما هو إلا أداة لحسن توظيف الواقع، وأن أي عمل روائي ما هو إلا تمثيل مشفر للواقع، وردًا على التساؤل القائل بأن كل ما كتبه يستند إلى شيء واقع، أجاب: "ليس في أعمالي الروائية التي كتبتها ما لا يستند إلى الواقع".
شهادة بابلو نيرودا
وجذبت أعمال "غارسيا ماركيز" العديد من النقاد، فيما أشاد العديد من الباحثين بأسلوبه وإبداعه الخاص، وعلى سبيل المثال، قام الكاتب التشيلي بابلو نيرودا، الحائز على جائزة نوبل، بتناول عمله مئة عام من العزلة، واصفًا إياه: "بأنه أعظم إنجاز في تاريخ اللغة الإسبانية منذ كتابة ثيربانتس لروايته دون كيشوت في بدايات القرن السابع عشر "
انتقد بعض النقاد "غارسيا ماركيز" لافتقاره الخبرة الكافية في الساحة الأدبية، وأنه فقط يكتب عن تجاربه الشخصية والخيال، وبهذه الطريقة، فإنهم ارتأوا أن أعماله يجب ألا تكون ذات قيمة، وردًا على ذلك، فقد ذكر "غارسيا ماركيز" أن يتفق معهم أحيانًا في كون الإلهام لا يأت من الكتب ولكن من الموسيقى، ومع ذلك، ووفقًا لكارلوس فوينتس، فإن غارسيا ماركيز اكتسب واحدة من أعظم ملامح الخيال الحديثة؛ حيث تبدأ عملية تحرير الوقت من خلال الإفراج عن لحظة بدءًا من اللحظة التي تسمح للإنسان بأن يعيد اكتشاف نفسه وزمنه، وعلى الرغم من كل ذلك، لا يمكن لأي شخص أن ينكر الدور الذي لعبه "غارسيا ماركيز" في تجديد وإعادة الصياغة والسياق في الأدب والنقد في كولومبيا بوجه خاص وفي القارة الأمريكية اللاتينية بوجه عام.
*ماركيز: أريد أن يصبح العالم كله اشتراكيا:
وعندما سُئل "غابرييل غارسيا ماركيز" عام 1983: "هل أنت شيوعي؟"، أجاب الكاتب: "بالطبع لا.. أنا غير ذلك ولم أكن كذلك سابقًا.. ولم أشكل طيلة حياتي أي جزءًا من أي حزب سياسي " وحكى "غارسيا ماركيز" لصديقه بلينيو أبوليو ميندوثا: "أريد أن يصبح كل العالم اشتراكيًا، وأعتقد أنه عاجلًا أم أجلًا سيكون كذلك " ووفقًا لأنخل إستبن وستيفاني بانيتشيلي: "فإن غابو يقصد بالاشتراكية نظام من التقدم والحرية والمساواة النسبية "، حيث يمكن للمعرفة أن تشير إلى الحق والباطل في آن واحد، حيث التلاعب بالألفاظ الذي استخدمه كلا الكاتبين لعنونة فصل من كتابهما إذا كانت المعرفة لا تشير إلى الحق، فمن المؤكد أنها تشير إلى الباطل، وسافر "غارسيا ماركيز" إلى العديد من البلدان الاشتراكية مثل بولندا وتشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية والاتحاد السوفيتي، والمجر، وبعد ذلك قام بكتابة العديد من المقالات، موضحًا عدم اتفاقه مع كل ما يجري هناك، وفي عام 1971، وفي مقابلة أجراها مع مجلة "ليبري" الراعية له صرح "غارسيا ماركيز": "ما زلت أعتقد أن الاشتراكية هي الامكانية الحقيقية، والحل المناسب لأمريكا اللاتينية، وأنها بحاجة إلى التشدد بفاعلية أكثر".
وفي عام 1959، كان "غارسيا ماركيز" مراسلًا في وكالة أنباء بريلا برنسا لاتينا في بوغاتا، التي أنشأتها الحكومة الكوبية بعد انطلاق الثورة الكوبية، لتكون مصدرًا معلوماتيًا عن الأحداث في كوبا. وهناك "كان لابد من تقديم التقارير بطريقة موضوعية عن الوضع في كولومبيا، وفي الوقت ذاته نشر المعلومات عن كوبا. وكان عمله ينصب على كتابة وإرسال الأنباء إلى هافانا. وكانت المرة الأولى التي يكتب فيها "غارسيا ماركيز" عن الصحافة السياسية " وفي وقت لاحق في عام 1960، قام غارسيا ماركيز برفقة صديقه بلينيو أبوليو ميندوثا بتأسيس مجلة سياسية، العمل الليبرالية، والتي أفلست بعد نشرها لأول ثلاثة أعداد.
ماركيز.. والسياسة
تلعب السياسة دورًا هامًا في أعمال "غارسيا ماركيز"، حيث كان يستخدم العديد من النماذج المجتمعية ذات الطابع السياسي من مختلف الدول لإبراز وجهة نظره ومعتقداته ببعض الأمثلة الملموسة، على الرغم من كونها خيالية، وهذا التنوع في الطرق التي يقدمه "غارسيا ماركيز" بتمثيل السلطة السياسية هو نموذج على أهمية السياسة في أعماله. ويمكن استخلاص هذه النتيجة من أعماله وهي أن "السياسة يمكنها أن تتجاوز نطاق المؤسسات الخاصة بالسلطة السياسية".
وعلى سبيل المثال، يظهر في روايته مئة عام من العزلة مكان ما، "لا زال ينقصه وجود أي قوة سياسية موحدة، وبالتالي لا يوجد قانون يمكن التصويت عليه وسنه في الكونغرس وبمباركة الرئيس ذاته، والذي بدوره يمكن أن ينظم العلاقات بين الرجال، بينهم وبين السلطة العامة وتأسيس وتفعيل هذه السلطة،" وفي المقابل، ظهرت الديكتاتورية كنوع من تمثيل النظام السياسي في رواية خريف البطريك، حيث يصبح الزعيم شخصًا مثيرًا للاشمئزاز وفاسدًا ومتعطشًا للدماء، وبيده سلطة غير عادية، حيث يخشاه الجمع، وصلت إلى تساؤله عن الوقت، وتمت إجابته، هي طوع لك يا سيدي الجنرال وكما تأمرها تكون.
في حين أن رواية "غارسيا ماركيز" الأولى التي كتبها في ساعة نحس ربما تعد إشارة إلى ديكتاتورية جوستابو روخاس بينيا. وفي الوقت ذاته، تمثل توترًا سياسيًا وقمعًا لقرية ريفية، يتطلع أهلها إلى تحقيق الحرية والعدالة، ولكن دون جدوى لكلاهما.
شارك "غارسيا ماركيز" كوسيط في محادثات السلام التي تمت في كوبا بين جيش التحرير الوطني ELN والحكومة الكولومبية، وأيضًا بين حكومة الرئيس الكولومبي السابق بيليساريو بيتانكور وحركة 19 أبريل، وبالمثل شارك في عملية السلام بين حكومة أندريس باسترانا والقوات المسلحة الثورية الكولومبية، فارك، إلا أنها قد باءت بالفشل حتى هذه اللحظة.
وفي عام 2006، انضم "غارسيا ماركيز" إلى قائمة الشخصيات الأمريكية اللاتينية البارزة إلى جانب أقرانه مثل الشاعر الكوبي بابلو أرماندو فرنانديث والكاتب الأرجنتيني إرنستو ساباتو والشاعر الأوروجواني ماريو بينديتي والروائي الأوروجواني إدواردو غاليانو والشاعر البرازيلي تياجو دي ميلو والمفكر الديني البرازيلي فري بيتو والكاتب المكسيكي كارلوس مونسيبايس والعازف الكوبي بابلو ميلانس وكاتبة بورتوريكو آنا ليديا بيجا والروائية الكوبية مايرا مونتيرو والكاتب المسرحي البورتوريكي لويس رافائيل سانشيث، الذين دعموا استقلال بورتوريكو، من خلال تمسكهم ب إعلان بنما، والذي أُقر بالإجماع في نوفمبر 2006 خلال مؤتمر مجموعة دول أمريكا اللاتينية والكاريبي لاستقلال بورتوريكو.
ووفقًا لإستبن وبانيتشيلي: ممارسة السلطة هي واحدة من أمتع المكافآت التي يشعر بها الإنسان،وفكر كلاهما أنه هذه هي الحالة التي شعر بها "غارسيا ماركيز" مع كاسترو ى، ولذلك فقد شكك كل منهم في الصداقة بين "غارسيا ماركيز" وكاسترو، وتساءلا هل هي نتيجة إعجاب "غارسيا ماركيز" بالسلطة، ويرى الصحفي الأرجنتيني والمنتمي لحرب العصابات خورخي ريكاردو ماسيتي أن "غابرييل غارسيا ماركيز" هو الرجل الذي يعجبه الظهور في الساحة السياسية.
فيما يرى الروائي الكوبي ثيسار ليانتي أن غارسيا ماركيز لديه بعض الولع بالتودد إلى زعماء أمريكا اللاتينية، وأضاف أيضًا: "الدعم غير المشروط من "غارسيا ماركيز" إلى كاسترو يندرج إلى حد كبير تحت مجال التحليل النفسي، حيث الإعجاب الذي أحسه مربي البطريك، دائمًا وعلى نحو غير مناسب بزعماء أمريكا اللاتينية، وهم الأفراد الذين يكونون التشكيلات العسكرية غير النظامية في بلادهم "، وأردف ليانتي أن وضع "غارسيا ماركيز" في كوبا يعد "وكأنه أشبه بوزير الثقافة، رئيسًا للتصوير السينمائي أو سفيرًا مفوضًا، ليس لوزارة الشئون الخارجية، ولكن مباشرة لكاسترو، والذي كان يوظفه للقيام ببعض المهام الدقيقة والحساسة التي لا تخضع لنطاقه الدبلوماسي " فيما لقب الكاتب والصحفي الإسباني لويس سيبريان ب رسول السياسة، بسبب مقالاته "
ويرى البريطاني جيرالد مارتن، الذي نشر عام 2008 أول كتاب سيرة ذاتية معتمدة للروائي، أن "غارسيا ماركيز" يشعر "بحالة من الانبهار غير العادي جراء تقربه من زعماء السلطة "، وأضاف قائلًا: "كان يريد دائمًا أن يكون شاهدًا على السلطة، ويجدر الإشارة إلى أن هذا الانبهار لم يأت محض صدفة، ولكنه كان يتبع أهداف محددة "، وذكر أيضًا أن الكثير من الأشخاص يعتبرون قربه من الزعيم الكوبي فيدل كاسترو أمرًا مبالغًا فيه، وأردف مارتن أن الكاتب ارتبط أيضًا بالعديد من الشخصيات السياسية البارزة مثل علاقته مع فيليبي جونثاليث، رئيس الحكومة الإسبانية السابق أو بيل كلينتون، الرئيس الأمريكي السابق، ولكن الجميع يحدق النظر فقط في علاقته مع كاسترو.
ومن ناحية أخرى، أشار الدبلوماسي والصحفي وكاتب السير الذاتية والأب الروحي للكاتب الحائز على جائزة نوبل، بلينيو أبوليو ميندوثا إلى أن: "غارسيا ماركيز" هو صديق كاسترو، ولكن لا أعتقد أنه من المؤيدين لنظامه، لأننا كنا نزور العالم الشيوعي وكنا نشعر بخيبة أمل كبيرة ".
وكان ماركيز تعرف على فيدل كاسترو في يناير عام 1959، إلا أن صداقتهم كانت قد تشكلت بعد ذلك حينما عمل غارسيا ماركيز مراسلًا في برنسا لاتينا وكان يسكن وقتها في هافانا وكانوا يرون بعضهما عدة مرات، وبعد أن تعرف على كاسترو، "اقتنع غابو أن هذا القائد الكوبي يختلف كليًا عن الزعماء الآخرين والأبطال والطغاة والأوغاد الذين ذكروا في تاريخ أمريكا اللاتينية بدءًا من القرن التاسع عشر، إضافة إلى ذلك، استشف "غارسيا ماركيز" أنه من خلال هو فقط بإمكان الثورة الكوبية، والتي لا تزال في بدايتها، أن تجني ثمارها في البلدان الأخرى في أمريكا اللاتينية.
ماركيز في السينما
يرى العديد من النقاد أن اللغة الوصفية التي استخدمها "غارسيا ماركيز" في كتاباته هي لغة بصرية وتصويرية، فالكاتب الكولومبي الشهير يشرح كل شيء في رواياته وكأنها صورة حية تمر أمام أعين القارئ، لذا فإنها ليس من الغريب أن نعلم أن "ماركيز" ظل لفترة طويلة متعلق بالسينما، حيث أنه كان واحد من المؤسسين للمدرسة الدولية للسينما والتليفزيون في كوبا، كما أنه كان رئيس مؤسسة السينما الجديدة اللاتينية الأمريكية.
ولم يتوقف دوره على إدارته لكبرى هذه المؤسسات السينمائية في أمريكا اللاتينية بل أنه شرع في كتابة العديد من السيناريوهات، فبدءًا من سيناريو فيلم الديك الذهبي " El gallo de oro " للمخرج جوان روفلو، اكتشف "ماركيز" موهبته الجديدة، لذا شرع في كتابة العديد من السيناريوهات أمثال وقت الموت " Tiempo de morir " 1966 وعجوز جدًا بأجنحة كبيرة " Un señor muy viejo con unas alas enormes" في 1988 وحب عنيف " Amores difícil" وغيرهم.
اهتمامه بالسينما وشهرته في أمريكا اللاتينية لفتت أنظار رئيس هيئة المحكمين في مهرجان كان 1982 جورجيو ستيلرر الذي قرر اختيار ماركيز ليكون ضمن الهيئة التحكيمية لهذا المهرجان.
غير أن رواياته ظلت منبع هام للعديد من المخرجين الكبار الذين استلهموا منها قصص لأفلامهم لاقت نجاحًا ذائع الصيت، ففي 1987 قدم المخرج الإيطالي فراشيسكو روسي فيلم " وقائع موت معلن" استلهم قصته من رواية لماركيز تحمل نفس الاسم، كما أن روايته جذبت العديد من المخرجين في المكسيك الذين عملوا على نقل الصورة الحية في روايته إلى أفلام يشاهدها الجمهور، فقدم المخرج ميجويل ليتين رواية " أرملة مونتيل" عام 1979، وقدم المخرج جيم هومبارتو هارموسيلو رواية" ماريا دوس براسيرسMaria de mi corazón" و" الكولنيل الذي لم يكتب شيء" للمخرج أرتورو ريسباتين 1998.
وقدم المخرج الأنجليزي مايك نويل رائعة "ماركيز" "الحب في زمن الكوليرا"، كما قدم المخرج الكوستاريكي فيلم "عن الحب والشياطين الأخرى" والذي حصل على جائزة معهد هافانا للأفلام في أمريكا اللاتينية.
أعمال ماركيز
الحكايات والقصص القصيرة "غبريال غارسيا ماركيز" مائة عام من العزلة، الحب في زمن الكوليرا عشت لأروى، في ساعة نحس، قصة موت معلن، خريف البطريرك الجزء الأول، خريف البطريرك الجزء الثانى، خريف البطريرك الجزء الثالث، الأم الكبيرة، قصص ضائعة، ايرينديرا البريئة، الحب وشياطين أخرى، الجنرال في متاهة،
مختارات قصصية
اثنتا عشرة حكاية تائهة، لا يوجد لصوص في هذه المدينة، غريق على أرض صلبة، كيف تكتب الرواية ومقالات أخرى، مسرحية خطبة لاذعة ضد رجل جالس، ذاكرة غانياتى الحزينات، بائعة الورد، ليس لدى الكولونيل من يكاتبه، أشباح أغسطس، الموت أقوى من الحب، عينا كلب أزرق، ثمن عشرين قتيلًا، رجل عجوز بجناحين كبيرين، الجمال النائم والطائرة، أجمل غريق في العالم، عذرًا على التأخير، في يوم من الأيام.
تجميعات:
اثنا عشر قصة قصيرة مهاجرة قصص قصيرة، لم أت لإلقاء خطاب، حبكة روائية مكتملة، القصص الصغيرة لجدي العقيد، كل القصص القصيرة، جنازة الأم الكبيرة، القصة الحزينة التي لا تُصَدّق ل"إرينديرا" البريئة وجدتها القاسية
أعماله الصحفية: نصوص ساحلية، بين السياسيين، من أوربا وأمريكا، مجانًا، ملاحظات صحفية
وقائع وريبورتاج ومقالات:
مهمة سرية في تشيلي، كارثة ديموقليس، التقارير الأولى، كيف تكتب رواية، خبر اختطاف، نزوة القص المباركة، قصة بحّار غريق، عندما كان سعيدًا وغير مسجلًا، شيلي في الستار الحديدي
والانقلاب على الغرباء والأجانب، وقائع وتقارير، السفر عبر البلدان الاشتراكية: 90 يوما
رائحة الجوافة، محادثات مع بلينيو أبوليو ميندوثا يجيا ساندينو
أعماله المسرحية
خطبة لاذعة ضد رجل جالس، سيناريوهات الأفلام السينمائية: الاختطاف، إيرينديرا البريئة
أعماله الروائية: وقائع موت معلن الحب في زمن الكوليرا، الجنرال في متاهته عن الحب، الأوراق الذابلة ليس للكولونيل من يكاتبه، في ساعة نحس، جنازة الأم الكبيرة، مئة عام من العزلة، خريف البطريرك، وشياطين أخرى، ذكرى عاهراتي الحزينات، سيرة ذاتية: عشت لأروي.
ماركيز.. جوائز وأوسمة
جائزة نوبل. نال "غابرييل غارسيا ماركيز" جائزة نوبل في الآداب عام 1982،[ من الأكاديمية السويدية عن رواياته وقصصه القصيرة، حيث يتم الجمع بين الخيال والواقع في عالم هادئ من غني بالخيال، مما يعكس الحياة والنزاعات داخل القارة الأمريكية اللاتينية، وكان خطاب قبوله للجائزة تحت عنوان «العزلة في أمريكا اللاتينية،" يعد "غابرييل غارسيا ماركيز" أول شخصية كولومبية ورابع شخصية من أمريكا اللاتينية تنال جائزة نوبل في الآداب، وصرح "ماركيز" بعدها: «لدى انطباع أنه عند إعطائي الجائزة، قد أُخذ بعين الاعتبار أدب شبه القارة، وأنني قد مُنحت إياها اعترافًا بكليّة وشمولية هذا الأدب "، وحصل غارسيا على العديد من الجوائز والامتيازات والأوسمة عن مجمل أعماله وهي على النحو المبين أدناه:
جائزة الرواية عن عمله في ساعة نحس عام 1961.
الدكتوراه الفخرية في الآداب من جامعة كولومبيا في نيويورك عام 1971.
جائزة رومولو جايجوس عن روايته مئة عام من العزلة عام 1972.
وسام جوقة الشرف الفرنسية عام 1981.
وسام النسر الأزتيك في المكسيك عام 1982.
جائزة مرور أربعين عامًا على تأسيس جروب بارانكويلا للصحفيين في بوغاتا عام 1985.
عضو شرفي في معهد كارو وكويربو في بوغاتا عام 1993.
متحف غارسيا ماركيز: انتهت الحكومة الكولومبية في 25 مارس عام 2010 من إعادة بناء منزل غارسيا ماركيز حيث وُلد في أراكاتاكا، والذي تم هدمه منذ قرابة الأربعين عامًا، وافتتحت به متحف مخصص لذكراه مع أكثر من أربعة عشر غرفة مُمثلة للبيئة التي قضى بها طفولته
وتم تكريمه أيضًا بإطلاق اسمه على شوارع بعض المدن مثل شرق لوس أنجلوس في كاليفورنيا، وفي قطاع لاس روزاس بمدريد وفي سرقسطة في إسبانيا.
وفي بوغاتا، قامت دار النشر صندوق الثقافة الاقتصادية في المكسيك بتأسيس المركز الثقافي الذي
يمثل "غارسيا ماركيز" جزءًا هامًا في البوم الأمريكي اللاتيني، ونالت أعماله العديد من الدراسات النقدية، بعضها على نطاق واسع وذات مغزى، حيث كان يتم تناول الموضوع والمحتوى السياسي والتاريخي، فيما ركزت بعض الدراسات الأخرى على المحتوى الأسطوري وسمات الشخصيات والبيئة الاجتماعية والبنية الأسطورية والإسقاطات الرمزية في معظم أعماله البارزة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.