وهذا ليس نور الله، تنزه تبارك وتعالي عن التشبيه والوصف، ولكنه مثل فقط للتقريب الي الاذهان، فكأن نور الله يضيء كل ركن وكل بقعة، ولايترك مكانا مظلما فهو نور علي نور. إن الله سبحانه وتعالي يريد أن يقرب لنا الصورة في قضية هي قمة اليقين، وهي الإيمان بالواحد الأحد، يريدنا أن نلمس هذه الصورة، بمثل نراه ونشهده، وأن نري فيض الله برحمته علي عباده، ويمضي الحق سبحانه ليلفتنا الي أن نفكر قليلا في مثل يضربه لنا في القرآن الكريم: »وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لايقدر علي شيء وهو كل علي مولاه أينما يوجهه لايأتي بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو علي صراط مستقيم» »النحل- 76» فالحق تبارك وتعالي في هذه الآية الكريمة، يطلب مناأن نفكر في مثل مادي محسوس أيهما خير؟ ذلك الصنم الذي يعبده الكفار وهو لايأتي لهم بخير أبدا لأنه لايستطيع أن ينفع نفسه فكيف يأتي بالخير لغيره، بل هو عبء علي من يتخذونه إلها، فإنهم يجب أن يضعوه وأن يحملوه من مكان الي آخر إذا أرادوا تغيير المعبد أو الرحيل، واذا سقط فتهشمت أجزاء منه، فإنه يجب أن يصلحوها ويحتاج منهم إلي عناية ورعاية. أعبادة مثل هذا الصنم خير؟ أم عبادة الله سبحانه الذي منه كل الخير وكل النعم والذي يأمر بالعدل، فلا يفضل أحدا من عباده علي أحد، والذي يعطي لعباده الصراط المستقيم، الذي لا اعوجاج فيه، والوصول الي الجنة في الآخرة. ان الله سبحانه وتعالي يشرح بهذا المثل غباء فكر المشركين الذين يعبدون الاصنام ويتركون عبادة الله تبارك وتعالي. وهكذا يعطينا هذان المثلان توضيحا لقضية الوحدانية والألوهية ثم يأتي الله سبحانه وتعالي بمثل آخر، يضرب لنا مثلا لنوره، هذا النور الالهي الذي يضيء الدنيا والآخرة، فيضيء القلوب المؤمنة، انه يريد أن يضرب لنا مثلا لهذا النور بشيء مادي محس، فيقول جل جلاله: »الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لاشرقية ولاغربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور علي نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم» »النور-35». كأن الله سبحانه وتعالي يريدنا أن نعرف بتشبيه محس، أن مثل نوره كمشكاة والمشكاة »الطاقة» وهي فجوة في الحائط بالبيت الريفي، ونحن نضع المصباح في هذه الطاقة، اذن المصباح ليس في الحجرة كلها، ولكن نوره مركز في هذه الطاقة فيكون قويا في هذا الحيز الضيق، ولكن المصباح في زجاجة، تحفظه من الهواء من كل جانب، فيكون الضوء أقوي، صافيا لا دخان فيه، كما أن الزجاج يعكس الاشعة فيزيد تركيزه والزجاجة غير عادية ولكنها: »كوكب دري». أي مضيئة بذاتها وكأنها كوكب ووقودها من شجرة مباركة يملؤها النور لاشرقية ولاغربية، أي يملؤها النور من الوسط ويخرج صافيا، والزيت مضيء بذاته دون أن تمسه النار، فهي نور علي نور، أيكون جزء من هذه المشكاة ذات المساحة الصغيرة مظلما؟ أم تكون كلها مليئة بالنور القوي؟ وهذا ليس نور الله، منزه تبارك وتعالي عن التشبيه والوصف، ولكنه مثل فقط للتقريب إلي الاذهان، فكأن نور الله يضيء كل ركن وكل بقعة، ولايترك مكانا مظلما، فهو نور علي نور، ولقد أراد أحد السفراء أن يمدح الخليفة- وكانت العادة أن يشبه الخليفة بالاشخاص البارزين ذوي الصفات الحسنة فقال: إقدام عمرو في سماحة حاتم في حلم أحنف في ذكاءإياس وهنا قام أحد الحاضرين وقال: الأمير أكبر من كل شيء ممن شبهته بهم، فقال أبوتمام علي الفور: لاتنكروا ضربي له من دونه مثلا شرودا في الندي والباس فالله قد ضرب الأقل لنوره مثلا من المشكاة والنبراس