سعيد عبد الحافظ خلال حواره مع »الأخبار« حقوق الإنسان.. مبادئ عالمية أم استغلال سياسي؟ سعيد عبد الحافظ الخبير الحقوقي يكشف: المنظمات الدولية لحقوق الإنسان أدوات في أيدي المخابرات الأمريكية الحملة علي مصر »مسيسة«.. والمنظمات لا تجرؤ علي انتقاد إسرائيل وقطر التقارير العالمية «مشبوهة» وتفتقر إلي المهنية وتخالف مبادئ الأممالمتحدة حقوق الإنسان.. مصطلح بات مثيرا للشكوك والجدل أكثر من تعبيره عن مبادئ حقيقية لخدمة الإنسان وحقوقه بالفعل. فقد شهدت السنوات الماضية استخداما سياسيا مريبا لتلك الحقوق واعتبارها أداة في لعبة السياسة الدولية بصورة أصبح مصطلح «حقوق الإنسان» لدي البعض مصطلحا سيئ السمعة.. وكانت مصر واحدة من الدول التي أصابتها نيران اللعبة السياسية وتوظيف حقوق الإنسان. وقد ظهر ذلك بوضوح في العديد من المناسبات. ومع دخول ملف مصر مرحلة المراجعة الدورية أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان. الذي يعقد اجتماعاته في مدينة جنيف السويسرية. تزداد وتيرة الاهتمام بهذا الملف وتسليط الضوء – بحسن أو بسوء نية – علي تفاصيل هذا الملف.. فهل هناك حملة علي مصر تحت ستار حقوق الإنسان؟ وكيف يمكن لنا ان نتفاعل بشكل أكثر مرونة وإيجابية مع آليات حقوق الإنسان الدولية؟ وأين النقطة الفاصلة بين الحماية الدولية لحقوق الإنسان وبين التدخل غير المشروع في شئوننا باسم حقوق الإنسان؟ وهل مصر بحاجة إلي وزارة لحقوق الإنسان؟. أسئلة عديدة وموضوعات ساخنة تطرحها «الأخبار» للنقاش مع اثنين من خبراء حقوق الإنسان في مصر. والمشاركين في اجتماعات المجلس الدولي لحقوق الإنسان. بحثا عن رؤية أكثر تفهما لحقيقة الأوضاع. ومتابعة أكثر دقة لموقف مصر والعالم في ملف حقوق الإنسان. ملف حقوق الإنسان من الملفات الشائكة. التي تشبه حقل الألغام. فالسير فيها يحتاج إلي حذر لتجنب الخطر. ولا بد لمن يقترب من هذا الملف أن يكون عالما بذلك العالم وخفاياه. سواء علي المستوي المحلي أو الدولي. فقد باتت حقوق الإنسان ومنذ سنوات طويلة لعبة سياسية خطيرة. وسيفا تسلطه القوي الكبري علي رقاب من تريد استهدافه لتحقيق مصالحها. ومع تصاعد الحملة الدولية “المسيسة” ضد مصر عادت بعض القوي لتشهر سيف حقوق الإنسان في وجه مصر. رغم ما تحقق من إنجازات علي أكثر من مستوي. لذلك كان لابد أن نستمع لواحد من الخبراء المعروفين في مجال حقوق الإنسان وهو الخبير الحقوقي سعيد عبد الحافظ. رئيس مؤسسة ملتقي الحوار للتنمية وحقوق الإنسان. الذي عايش حركة حقوق الإنسان علي مدي اكثر من ربع قرن محاميا وخبيرا وباحثا. وفي هذا الحوار يكشف الكثير من كواليس تلك الحركة. وأسرار الحملة الدولية علي مصر.. فإلي التفاصيل. الحملة علي مصر «مسيسة».. والمنظمات لا تجرؤ علي انتقاد إسرائيل وقطر التقارير العالمية «مشبوهة» وتفتقر إلي المهنية وتخالف مبادئ الأممالمتحدة بداية. كيف تري تلك الحملة التي تتعرض لها مصر فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان؟ وهل هذه الحملات موجهة سياسيا. ام انها تستهدف حقا الدفاع عن حقوق الإنسان؟ هذه الحملات ليست جديدة. وأدواتها الحالية زادت شراسة بعد ثورة 30 يونيو 2013. والهدف الحقيقي من تلك الحملات التي تمولها بعض الدول العربية وتنفذها بعض المنظمات الأمريكية ليس حقوقيا بكل تأكيد. بل هو هدف سياسي بالدرجة الأولي. وهذا الهدف يتلخص في مواجهة المشروع الذي تقوم به الدولة الوطنية المصرية. وحققته ثورة 30 يونيو وهو إسقاط مشروع تولي جماعة “الإخوان” للحكم في المنطقة العربية. ومشروع تمكين “الإخوان” تبنته وروجت له الولاياتالمتحدة من خلال ما عرف بمشروع “نوح فيلدمان”. ويقوم ذلك المشروع الأمريكي علي إسقاط الأنظمة القائمة واستبدالها بأنظمة “إسلامية” علي حد تعبيرهم تضمن المصالح الأمريكية. وبالتالي فما نراه من هجوم علي مصر وملفها الحقوقي هو أمر لا ينفصل عن تلك الحملة المستمرة ضد الدولة الوطنية المصرية. ولكن المنظمات الدولية التي تشارك في تلك الحملات. هي منظمات دولية. ولها أدواتها. ويفترض أنها تتبع منهجية منضبطة في إعداد تقاريرها. فكيف تستقي تلك المعلومات المغلوطة عن مصر؟ المنظمات الحقوقية سواء المحلية أو الدولية لها منهجية عمل أقرتها الأممالمتحدة. وعلي تلك المنظمات الالتزام بتلك المنهجية. ومنها علي سبيل المثال عند تقصي الحقائق في موضوع ما. ينبغي علي المنظمة أن تشكل بعثة أو فريق عمل يحصل علي إذن من السلطات المحلية. وأن يكون عمله متسما بالعلانية وليس بالتحايل. مثلما تفعل الكثير من المنظمات التي توصف بالدولية عندما ترسل مندوبيها متسترين تحت ستار العمل الصحفي او السياحي. والغريب أنه في الوقت الذي تهاجم فيه مصر بكل ضراوة. نجد دولة مثل إسرائيل ترفض استقبال بعثات منظمات دولية مثل العفو الدولية وغيرها. دون أن يجرؤ أحد علي الاعتراض.. كما تفرض منهجية الأممالمتحدة علي أية منظمة حقوقية تعد تقرير أو تتقصي الحقائق أن تلتقي بالضحايا وممثلي السلطات المحلية معا. حتي لا يكون التقرير منحازا لطرف دون آخر. وأستطيع القول بكل ثقة إن التقارير الحقوقية الصادرة عن منظمات دولية منذ 30 يونيو لم تراعِ الأدوات أو المبادئ الأممية في الرصد والتوثيق. أو في إصدار التقارير ذات الصلة. وهو ما يكشف أن تلك التقارير لها أغراض أخري غير خدمة حقوق الإنسان. أكذوبة الاستقلالية لكن تلك المنظمات تصف نفسها دائما بأنها منظمات مستقلة عن الحكومات. وأن تقاريرها تحظي بالمصداقية نتيجة تلك الاستقلالية. فكيف إذن تستخدم كأداة في صراعات السياسة الدولية؟ أولا لا يعرف العالم ما يسمي بالمنظمات المستقلة. هذه أكذوبة روجها من تعمدوا إصدار تلك الأكاذيب. فمنظمة هيومان رايتس ووتش علي سبيل المثال تأسست في ثمانينيات القرن الماضي من قبل المخابرات الأمريكية لمواجهة عدو الولاياتالمتحدة في تلك لفترة وهو الاتحاد السوفيتي. وكانت تلك المنظمة - ولا تزال- تمارس دورا استخباراتيا مع فارق بسيط. أنها صارت تروج لمصالح الولاياتالمتحدة. وكان الهدف الرئيسي للمنطمة علي مدي سنوات طويلة أن تتصل بالشيوعيين واليساريين من أجل إدماجهم في الثقافة الأمريكية ودفعهم للتخلي عن الأفكار الشيوعية واليسارية. وبالفعل أصبحت تلك المنظمات أداة في اللعبة الدولية. والدليل علي ذلك منظمة دولية أخري وهي منظمة العفو الدولية لاعتبارها واحدة من اكبر المنظمات الحقوقية. ويمكن مراجعة تقاريرها عن انتهاكات حقوق الإنسان في الولاياتالمتحدة او في إسرائيل. وهي انتهاكات لا يمكن إنكارها. لكن تلك المنظمة لا تقول شيئا عنها. كما يمكن مراجعة تقارير تلك المنظمة عن قطر التي لا توجد بها أية ديمقراطية او سمات لحقوق الإنسان. بل تتوالي انتهاكاتها ضد المواطنين والمقيمين وخصوصا العمال. وخصوصا في مرحلة ما بعد 30 يونيو 2013. فاللسان الحاد والحبر الأسود الذي تكتب به تقارير المنظمة عن مصر يتحول إلي ورود وقبلات عند الحديث عن قطروالولاياتالمتحدة وإسرائيل. وهذا كله يكشف حقيقة الانحياز لدول معينة. وعدم حياد في النظر إلي الأوضاع الحقوقية في مصر. وتعمد التدليس والتضليل بشأن واقع حقوق الإنسان فيها. ولكن رغم غياب المهنية والتضليل المتعمد من جانب تلك المنظمات تجاه أوضاع حقوق الإنسان في مصر. إلا أنه لا يمكن انكار وجود تأثير لتقارير تلك المنظمات. والدليل ترديد بعض الساسة في الدول الصديقة لمصر جانبا من تقارير تلك المنظمات.. فكيف تري ذلك التأثير؟ وكيف يمكننا مواجهته من وجهة نظرك؟ بالتأكيد. ورغم كل ما أوضحته من قصور في عمل تلك المنظمات وانحيازها السافر ضد مصر. لكن طبعا هناك تأثير سلبي لتقاريرها. وبخاصة في الدوائر الحقوقية والإعلامية. ولا شك اننا هنا في مصر مسئولون عن جانب من المسئولية عن عدم مواجهة تلك المزاعم. وبخاصة فيما يتعلق بعدم الجدية في التعامل مع تلك المزاعم. بل وفي بعض الأحيان تجاهل الرد علي ما تصدره تلك المنظمات من مزاعم وأكاذيب. وأعني هنا في المقام الأول مؤسسات الدولة المعنية بالرد علي تلك المنظمات. مثل المجلس القومي لحقوق الإنسان. والهيئة العامة للاستعلامات. والمنظمات الحقوقية الوطنية. ولا بد ان نعترف أن تلك المؤسسات تقاعست منذ سنوات طويلة علي التعامل بحرفية ومهنية مع هذا الملف وبلغة يفهمها الغرب. لكن الحقيقة تقتضي أيضا ألا ننكر أن هناك تحولا في سياسة الدولة المصرية. وأن ذلك حدث مع بدايات عام 2018. حيث زاد الاهتمام بما يصدر عن المنظمات الدولية والسعي للرد علي تقاريرها. وتفنيد ما قد يرد بها من مزاعم. لكن ينقصنا فقط ان يتوقف البعض عن توجيه السباب والشتائم لهذه المنظمات. وان نتعامل بجدية مع تلك التقارير حتي لو كانت هزلية في بعض الأحيان. ومن التطورات الإيجابية في هذا الشأن الدور الذي تقوم به الهيئة العامة للاستعلامات. والتي كان لها ردود مهمة وإيجابية حظيت باهتمام الدوائر الغربية. كما قامت النيابة العامة بالرد علي التقارير الصادرة عن بعض تلك المنظمات. خاصة هيومان رايتس ووتش. كما تصدي الوزير عمر مروان خلال العام الماضي لبعض تلك التقارير. تسييس الحقوق ولكن ألا تتفق معي في أن ذلك التسييس لمنظومة حقوق الإنسان يضر بمبادئ حقوق الإنسان ويحولها إلي لعبة سياسية وأداة في يد بعض الدول والقوي الكبري؟ بالتأكيد.. وقد أثبتت التجربة بالفعل أن تسييس العمل الحقوقي أضر بالسياسة وحقوق الإنسان علي السواء. فقد أدخل مفهوم التمويل إلي العمل السياسي. وهو ما تسبب بإفساد هذا العمل وتحويله الي لعبة مصالح لمن يدفع. كما أضر بالجانب الحقوقي وأفقد المواطن البسيط الثقة في هذا العمل بعدما أدرك ان نشاط العديد من المنظمات الحقوقية مجرد متاجرة بقضايا المواطن ومشكلاته الحقيقية من أجل أهداف أخري ليست في صالحه. ولا في صالح البلدان التي يعيش بها. من وجهة نظرك. كيف يمكن لمصر أن تتصدي بقوة لمحاولات تشويه أوضاع حقوق الإنسان فيها؟ يجب في البداية أن نشير إلي أن أوضاع حقوق الإنسان في مصر ليست بالصورة التي يحاول بعض النشطاء والمنظمات الدولية أن يروجوها. فمصر دولة كبيرة وتعدادها 100 مليون مواطن. ومثلها مثل أي بلد في العالم لديها مشكلات تتعلق بحقوق الإنسان. ومن وجهة نظري. ما ينقصنا لتحسين ملفنا في حقوق الإنسان. هو التغلب علي البيروقراطية التي تعاني منها المؤسسات الحكومية. وهذا احد أهم العوائق التي تؤدي إلي عدم تفاعل تلك المؤسسات مع المنظمات الدولية فيما يتعلق بحصولها علي المعلومات اللازمة. مما يتيح لتلك المنظمات الدولية ان تتعلل وتصدر تقارير لا تضمن وجهة نظر الدولة المصرية وجهودها. فعلي سبيل المثال عندما تزعم منظمة هيومان رايتس ووتش ان مصر لم تحل أي ضابط للقضاء بتهمة التعذيب. يجب أن يكون الرد علي لسان احد المسئولين معلنا المعلومات الصحيحة والدقيقة للرأي العام المصري أولا وللعالم ثانيا بعدد الضباط الذين تمت إحالتهم للقضاء وبيان بأرقام القضايا والعقوبات التي تم توقيعها بحق من ثبتت إدانته. وبتلك الطريقة يمكن أن نبطل اية مزاعم. قضية التمويل الأجنبي للمنظمات الحقوقية. قضية قديمة متجددة. فإلي أي مدي يؤثر ذلك التمويل بالفعل علي استقلال وحياد المنظمات الحقوقية سواء في الداخل أو في الخارج؟ لا بد أن نعترف بأن أي تمويل لأي جهة يفرض شروطه. فلا يوجد تمويل لطرف لا يحصل الممول في مقابله علي شيء. فالتمويل الذي لا يبتغي تحقيق مصلحة او هدف ما لا تعرفه الولاياتالمتحدة ولا أوروبا. ولكن يعرفه المواطنون أصحاب ثقافة التبرع الخيري. لكن في حقوق الإنسان لا يوجد تمويل لوجه الله. الاقتصادية والاجتماعية في المؤتمر الصحفي مع الرئيس الفرنسي مؤخرا. رأينا الرئيس عبد الفتاح السيسي يركز علي ما حققته مصر من انجازات ملموسة في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. في مقابل محاولات البعض أن يقصر النظرة علي الحقوق المدنية والسياسية. رغم أهمية كل تلك الحقوق وعدم جواز التفرقة بينها.. ما رأيك؟ الحقوق المدنية والسياسية تضمن تحقيق مصالح الدول الغربية في ممارسة بعض الضغوط علي الدول التي تستهدفها لتحقيق مصالحها. والقانون الدولي علمنا أن العلاقات بين الدول تقوم علي المصالح. بينما الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مثل الحق في السكن والتعليم والصحة والتنمية كلها حقوق تحتاج إلي مبالغ طائلة ولا تمثل أهمية لدي القوي الغربية ولا تحقق أهدافها. لأن تلك الدول تعلم انها إذا وجهت أي انتقاد لمصر في هذا المجال فإن عليها أن تبادر لتقديم يد العون لمساعدة مصر في مواجهة تلك الانتقادات من خلال تمويل المشروعات التنموية والاقتصادية. وهذا ما لا تريده تلك الدول او يتوافق مع مصالحها. والحقيقة أننا ورغم كل ما حققناه من انجازات كبيرة في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. فإننا فاشلون تماما في تسويق تلك الانجازات وتعريف العالم بها. المراجعة الدورية لملف مصر في المجلس الدولي لحقوق الإنسان خلال الأيام المقبلة. كيف يمكن الاستفادة منها للتصدي للحملات التي تستهدف مصر؟ أولي خطوات نجاحنا لإحراز هدف في مرمي المؤسسات المتربصة هو أن تسعي الحكومة لإعداد تقرير وطني وليس حكوميا عن حقوق الإنسان في مصر. بحيث يتضمن ذلك التقرير رؤية المجالس القومية. وعدد من المنظمات الحقوقية الوطنية. وأعتقد أن ذلك التقرير الوطني يمكن أن يحقق أثرا إيجابيا علي المستوي الأممي أكثر من الاقتصار علي التقرير الحكومي. ثانيا من المهم ان نعرض حقيقة الأوضاع بصورة موضوعية. ونقر بالسلبيات كما نعرض الإيجابيات. ويجب أيضا ألا نكتفي بعبارة أن مصر تحارب الإرهاب. بل يجب أن نقدم وثائق وأدلة عن الأثر السلبي لذلك الإرهاب علي حياة المواطنين واستقرار الدولة. وأن يتم إعداد وثائق بأعداد الشهداء والضحايا من المدنيين والقوات المكلفة بإنفاذ القوانين من رجال الجيش والشرطة. وكذلك تقديم بيانات موثقة بدور العبادة الإسلامية والمسيحية التي استهدفها الإرهاب. والخسائر الاقتصادية التي تكبدتها مصر من تلك العمليات.