علي خامنئى بدأ موسم الإطاحة بالعمائم أخيرًا، وكل حسب طريقته.. هكذا تؤشر خطط المواجهة الغربية حاليًا مع النظام الإيراني، فيما يبدو أن العام الجاري، ومع مرور الذكري الأربعين لثورة الخوميني الإسلامية التي خطفت دولة الملالي في أجواء شتوية قارسة كالتي تجتاح العالم هذه الأيام (يناير- فبراير 1979)، سيتضمن حتمًا ساعة الحسم »المؤجلة» من جانب أوروبا والولايات المتحدة لملف السلطة المفعم بالألغام في طهران. إن مفتاح حل المعضلة الإيرانية يظل في جراب الغرب وحده علي الأرجح. بيد أن »دولة الفقيه» لا تزال تحرز أهدافًا مؤثرة وعلي مختلف الأصعدة والميادين.. في اليمن، وسوريا، ولبنان، والعراق.. في المحصلة تبدو واشنطن، ومن بعدها أوروبا إذا ما أرادت ذلك، هما فقط من يملكان القدرة علي سلسلة أطماع بلد المرشد الأعلي علي خامئني. واشنطن، وحماية لمصالحها أولًا، وحسب أجندة الملياردير الجمهوري الحاكم للبيت الأبيض القائمة علي حسابات المكسب والخسارة الاقتصادية البحتة ثانيًا، ثم نزولًا علي الرغبة الإسرائيلية ثالثًا، قررت تحطيم الانتصار السياسي الأبرز لطهران علي الغرب، والمتمثل في الاتفاق النووي، بجرة قلم. بل إن واشنطن لم تتردد في معاقبة حلفائها في برلين وباريس ولندن، وقبلها جميعًا بطبيعة الحال عدوها الروسي المتربص، ردًا علي أي معارضة لتمزيق واشنطن الاتفاق النووي الإيراني. ببساطة، الغرب وعلي رأسه واشنطن، قادر علي تركيع الملالي، وإن تأني في اختيار شكل وتوقيت ووسيلة المواجهة بحثًا عن انتصار حاسم، لا يعيد مشاهد الحرب العراقية وكلفتها الباهظة إلي الأذهان. ربما يتم ذلك بالحصار والمقاطعة الاقتصادية، أو بتقليب الاحتجاجات الداخلية والنفخ فيها، أو بالعزل الدولي، أو حتي بحرق كروت الضغط الإيرانية وتحييد حلفائها.. علي هذا النحو لا يمكن قراءة أي قرار سياسي أو عسكري أمني للولايات المتحدة أو أي من الدول الأوروبية الرئيسة من دون التفتيش عن »زاويته الإيرانية». فواشنطن التي اتخذت قبل أسابيع قرارًا عاجلًا بسحب جنودها من سوريا، عادت اليوم لتؤكد أنها لا تنوي أن يكون ذلك الانسحاب »تامًا»، حيث استقر الرأي لديها علي ترك نحو 200 جندي بقاعدة »التنف» الصغيرة جنوبي سوريا، ل»مراقبة وتعطيل تدفق الميليشيات المدعومة من إيران علي كل من سوريا ولبنان، بحسب مجلة فورن بوليسي الأمريكية. ونقلت المجلة عن مصادر عسكرية أمريكية أن القاعدة تقع عند نقطة التقاء استراتيجية بين الحدود العراقية والسورية، علي تقاطع طريق بري رئيسي سريع يصل ما بين بغداد ودمشق مباشرة، وهو المستخدم في »إمدادات الأسلحة من إيران إلي سوريا ومقاتلي ميليشيات حزب الله اللبنانية». وفي الوقت الذي يتحايل الغرب وإيران معًا لإنقاذ الاتفاق النووي المبرم بينهما، ولأجل مواصلة إتمام المصالح الاقتصادية المشتركة بين الجانبين، عبر إيجاد صيغة تبادل تجاري غير خاضعة للحساب »الدولاري»، وفق مجلة »دير شبيجل» الألمانية، فإن دولًا كألمانيا وفرنسا وغيرهما بدأت بضرب العبث الإيراني التجسسي والتخريبي علي أراضيها بيد من حديد. وهدد وزير خارجية فرنسا، جان إيف لو دريان، طهران بعقوبات صارمة، في حال لم يتم إحراز أي تقدم في مفاوضات برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني. في الوقت ذاته، لايزال الجدل متصاعدًا في أوروبا بشأن العقوبات الجديدة التي فرضها اتحاد القارة العجوز علي طهران، ردًا علي أنشطة التجسس التي تقودها الأخيرة بشراسة شديدة في عدد من الدول الكبري كألمانيا وهولندا والنمسا والدنمارك، والمتواصلة منذ سنوات وحتي الآن. وكان الاتحاد الأوروبي أضاف منتصف الشهر الجاري إلي قائمته الدولية للإرهاب، إدارة الأمن الداخلي التابعة لوزارة المخابرات الإيرانية، فضلًا عن عميل الحرس الثوري الإيراني، أسد الله أسدي، الذي كان يتخذ من العمل الدبلوماسي ستارًا له، إلي جانب نائب رئيس الاستخبارات الإيرانية، سعيد هاشمي مقدم، ردا علي محاولة شن هجمات إرهابية لصالح نظام الملالي علي الأراضي الأوروبية. وحسب بيان لوزارة الخارجية الألمانية، كانت »آخرساعة» حصلت علي نسخة منه، فقد »قرر مجلس الاتحاد الأوروبي اتخاذ إجراءات تقييدية بسبب الأنشطة المخابراتية الإيرانية في أوروبا». وفي تلويح شديد اللهجة بإمكانية رفع يد أوروبا الداعمة للاتفاق النووي الإيراني ردًا علي أنشطة التجسس الخاصة بطهران التي تنتهك السيادة الأوروبية، قالت الخارجية الألمانية: »نبذل قصاري جهدنا للحفاظ علي اتفاق فيينا النووي (J»PoA) مع إيران. ولذلك فمن الضروري أن تواصل إيران الوفاء بالتزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق». كما أقدمت برلين في الخريف الماضي علي تسليم الدبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي إلي بلجيكا بناءً علي مذكرة توقيف أوروبية صادرة بحقه؛ لتورطه في التخطيط لاغتيال معارضين لطهران يعيشون في المنفي، وتحديدًا في فرنسا. من جانبها، طرحت صحيفة »بيلد» الألمانية واسعة الانتشار سؤالًا كبيرًا، مفاده »هل هذه الإجراءات العقابية كافية لاحتواء أنشطة إيران الإرهابية في أوروبا؟».. وردًا علي هذا السؤال يقول خبير الإرهابي مات ليفيت من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدني ل»بيلد» إنه من »الملح» أن تتحمل إيران »التكاليف العامة والدبلوماسية» لخطط الاغتيال في الخارج. »إذا لم يكن عليها دفع أي ثمن، فإن إيران ستواصل متابعة مثل تلك الأنشطة». ومن المتوقع أيضًا أن تقوم وكالات تطبيق القانون ووكالات الاستخبارات بإجراء التغييرات اللازمة للتكيف مع الأنشطة الإيرانية. كما حذر المحلل السياسي الإيراني بهنام بن تاليبلو من مركز الأبحاث الأمريكي الشهير FDD، عبر »بيلد» من أن عقوبات الاتحاد الأوروبي قد لا تكون كافية: »من دون استجابة سياسية واقتصادية وقانونية قوية من الاتحاد الأوروبي، من المحتمل ألا يتم احتواء طهران في المستقبل».. علي الضفة الأخري تعرف طهران جيدًا أن العام الجاري، سيكون حاسمًا بالنسبة لخصومها كافة فيما يتعلق نظام الحكم الإسلامي فيها. واشنطن ودول أخري، تعتقد أن دولة الفقيه لا بد أن تنفجر من الداخل وتنهار ويسقط نظام الحكم فيها، ليتأسس فوق أنقاضها بلد جديد مستأنس، وكل من أجل مصلحته. علي هذا النحو، وبرؤية غربية أصيلة، يدفع الجميع نحو الضغط الداخلي علي أمل أن ينفجر الشارع الإيراني.. واشنطن تدعم المعارضة في فنزويلا حاليًا وعينها علي إيران أيضًا.. كما دول بالمنطقة تدعم صراحة التنظيمات والمعارضة السنية في إيران، فيما أن معدلات البطالة المتصاعدة والانهيار الأخلاقي والاجتماعي والاحتجاجات الفئوية والاقتصادية والقمع السياسي الداخلي، جميعها قد تمنح البالون المتضخم بأرض النيروز ألفا وألف سبب للانفجار الكبير.. هكذا يحاصر أعداء إيران سلطة الحكم فيها.. الجميع يعمل لأجل انهيار الملالي بنهاية العام 2019 علي أقصي تقدير.. الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يدفع لأن يتغير النظام الدولي، بحيث يعيد إنتاج نفسه فيما أن »الجمهورية الإسلامية» لا وجود لها. الجميع يعرف أن تكلفة الحرب ضد طهران لن تكون بسيطة في كل الأحوال، وبالتالي فالحرب هذه المرة ليست بالبارود أو الرصاص، وإنما بالتحفيز لتفجير الوضع الداخلي المتأزم سياسيًا واقتصاديًا. علي هذا النحو لا يبدو مستغربًا أن داعش، المدعوم إيرانيًا تارة في العراق، أو الذي تشكل في بعض طبقاته الحاكمة من جهاديين قاعديين وسلفيين سابقين كانوا يومًا في قبضة طهران أو في حمايتها، بدأ يبحث لنفسه عن موطئ قدم في بلد الخوميني.. زعزعة الاستقرار أول طرقة علي طبول الحرب. لكن اللقمة لن تكون سائغة بسهولة، واللحم الإيراني لا يزال عصيًا أو يسعي ليكون عصيًا علي الأنياب الغربيةالأمريكية، وذلك بتحالفات واسعة ومؤثرة مع روسيا وتركيا والصين. أضف إلي ذلك أن طهران لا تزال تحتفظ بملفات وكروت مؤثرة في يديها، كالورقة السورية والحرب اليمنية، وملف تهديد الوجود من جانبها تجاه دول الخليج العربي الثرية، فضلًا عن أصابعها العابثة عند مضيقي هرمز وباب المندب وبطول الخليج العربي، ومن ثم فنزال طحن عظام الملالي يظل محفوفًا بالمخاطر، بقدر ما يحتفظ أيضًا بكثير من المفاجآت.