رغم دأب إيران على استخدام لغة التهديد والوعيد، استباقا لأي عقوبات ضدها، إلا أنها هذه المرة تجاوزت "الخطوط الحمر"، بالتلويح بعرقلة تصدير نفط المنطقة كلها، ردا على تحركات واشنطن الجديدة ضدها. ولم يقف الأمر عند ما سبق، بل إنها ابتزت أوروبا أيضا، بأن مليون لاجيء قدموا إليها من أفغانستان تحديدا، قد ينتقلون لدول القارة العجوز، في حال أغمضت عينها في حراسة حدودها الغربية مع تركيا. وبالنظر إلى أن أوروبا لم تخرج حتى الآن من الاتفاق النووي، فإن التهديد الإيراني لها يبدو أنه محاولة أخيرة من قبل طهران، لعرقلة العقوبات الأمريكية المحتملة ضدها في مجال النفط، خاصة في ظل التصريحات الصادرة من داخل الولاياتالمتحدة حول أن شركات أوروبية بدأت تخفض علاقاتها التجارية مع إيران. ويبدو أن اللهجة الحادة في تصريحات المسئولين الإيرانيين خلال اليومين الماضيين تعكس قلقا حقيقيا لدى حكام طهران، من أن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة بدأت تؤتي ثمارها، وأنه لم يبق أمامهم سوى خيارات محدودة للغاية، إن لم تتطور الأمور باتجاه ثورة شعبية داخلية تقضي على نظام الملالي. وكان قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، أشاد الأربعاء الموافق 4 يوليو بتهديد الرئيس حسن روحاني، بعرقلة صادرات النفط في المنطقة، حال منع مبيعات النفط الإيرانية. وذكرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا" أن سليماني بعث برسالة للرئيس روحاني قال فيها: "ما نقلته وسائل الإعلام من تصريحاتك، بأنه في حال منع إيران من تصدير النفط، فليس هناك ضمان لتصدير النفط من المنطقة برمتها، يبعث على الفخر والاعتزاز". وأضاف سليماني أن الحرس الثوري مستعد لتطبيق سياسة تعرقل صادرات النفط الإقليمية، حال قيام أمريكا بعرقلة صادرات النفط الإيرانية. وتابع سليماني مخاطبا روحاني "أقبل يديك على تلك التصريحات الحكيمة التي جاءت في وقتها، وأنا في خدمتك لتطبيق أي سياسة تخدم الجمهورية الإسلامية". وكان روحاني زار سويسرا الاثنين الموافق 2 يوليو، وهدد خلال استقباله الجالية الإيرانية المقيمة هناك بمنع عبور شحنات النفط من الدول المجاورة، في حال مضت واشنطن قدما في خططها لإجبار جميع الدول على وقف شراء النفط الإيراني. وقال روحاني:"الأمريكيون يزعمون أنهم يسعون إلى وقف تصدير النفط الإيراني بشكل كامل.. هؤلاء لا يفهمون ما يقولون، فهذا الكلام لا معني له، وفي حال لم تتمكن إيران من تصدير نفطها، فإن تصدير النفط سيتوقف في المنطقة كلها، ولو أردتم فعل ذلك فجربوا الأمر، وستتلقون النتيجة". وعندما سُئل روحاني عما إذا كانت تصريحاته تشكل تهديدا بالتدخل في شحنات دول الجوار، أجاب "افتراض أن إيران ستصبح المنتح الوحيد غير القادر على تصدير نفطه، خاطئ ومحض خيال وجائر. الولاياتالمتحدة لن تستطيع قطع إيرادات إيران من النفط". وبجانب تصريحات روحاني وسليماني، التي تنم عن بلطجة دولية ومحاولة تهديد استقرار سوق النفط العالمي، نسبت "رويترز" أيضا إلى وزير الداخلية الإيراني عبدالرضا رحماني فضلي، قوله في 4 يوليو، مخاطبا الأوروبيين:"إذا أغمضنا عيوننا 24 ساعة، سيذهب مليون لاجئ إلى أوروبا عبر حدودنا الغربية من خلال تركيا"، بالإضافة إلى إمكان تهريب نحو 5000 طن من المخدرات إلى الغرب، حسب زعمه. ويبدو أن التهديدات السابقة سواء لدول الخليج العربية أو لأوروبا، لن تفلح في عرقلة العقوبات الأمريكية على قطاع النفط الإيراني، حيث نسبت "رويترز" إلى مدير التخطيط السياسي في الخارجية الأميركية براين هوك، قوله في 2 يوليو إن "الحملة التي تشنها بلاده لزيادة الضغط على النظام الإيراني، تستهدف خفض إيراداته من مبيعات النفط الخام إلى صفر"، مشيرا إلى أن 50 شركة أوروبية وأمريكية أعلنت نيتها خفض علاقاتها التجارية مع طهران. وفي مطلع يوليو، أكد رودى جوليانى المستشار القانونى للرئيس الأمريكى دونالد ترمب، أنه يتوقع سقوط النظام الإيرانى خلال عام، وقال جوليانى، أمام مؤتمر المجلس الوطنى للمعارضة الإيرانية فى فرنسا، إن إعادة إدارة الرئيس ترامب فرض العقوبات على إيران تهدف إلى خنق النظام الديكتاتوري الحاكم هناك، وصولا إلى تغييره. وأشاد جولياني بانسحاب ترامب من الاتفاق النووى مع إيران، الذى وصفه بالخطير، وأضاف "نستطيع واقعيا الآن رؤية نهاية النظام فى إيران، عندما تتوقف أعظم قوة اقتصادية عن التعامل معكم تجاريا، فستنهارون، والعقوبات ستصبح أعظم وأعظم، إن وقت التغيير فى إيران قد حان الآن"، معربا عن أمله أن يعقد المؤتمر العام القادم للمعارضة الإيرانية فى طهران. وبدورها، قالت زعيمة المعارضة الإيرانية في الخارج مريم رجوي، إن "الديكتاتورية الدينية الحاكمة في إيران اهتزت، فمعظم المدن الإيرانية ملتهبة، وعجلة التغيير بدأت بالتحرك، ولا شيء يستطيع إيقاف شعب عازم على نيل الحرية". ونقلت "فرانس برس" عن رجوي، قولها خلال مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس، إن "إيران قلبت صفحة في تاريخها، والنظام غير قادر على منع استمرار وتوسع نطاق الانتفاضة التي انطلقت قبل ستة أشهر، الوضع لا يعود إلى الوراء". وتابعت "انتفاضة الشعب الإيراني تمضي إلى الأمام بنجاح، والشعب عازم على إسقاط النظام الحالي بكل أجنحته، وإقامة جمهورية مبنية على التعددية، وأصوات الشعب، وفصل الدين عن الدولة". ويبدو أن نجاح بلجيكاوفرنساوألمانيا في إحباط مخطط لنظام الملالي في طهران لاستهداف مؤتمر منظمة "مجاهدين خلق" الإيرانية المعارضة في باريس في مطلع يوليو، كشف أيضا مدى ضعف النظام الإيراني، وإحساسه بالخطر، بالإضافة إلى أن هذا المخطط أكد مجددا صحة الاتهامات المتكررة لطهران بدعم الإرهاب في الشرق الأوسط والعالم. وكانت بروكسل وباريس وبرلين اعتقلت خمسة أشخاص، بينهم دبلوماسي إيراني يدعى عبدالله أسدي، بموجب مذكرة توقيف أوروبية، حيث اتهم أسدي بالتواصل مع زوجين بلجيكيين من أصل إيراني احتُجزا السبت الموافق 30 يونيو، وتم العثور بحوزتهما على متفجرات في سيارتهما، واتهامهما ب"محاولة ارتكاب اعتداء إرهابي والإعداد لجريمة إرهابية"، ضد مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس. وأعلنت النيابة البلجيكية في 2 يوليو إحباط "هجوم إرهابي" لاستهداف مؤتمر لمنظمة "المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية" المعارض في باريس في 30 يونيو. وحسب النيابة البلجيكية، احتجز في إطار هذه القضية مواطنان بلجيكيان في بروكسل، وكذلك دبلوماسي إيراني في ألمانيا، بالإضافة إلى متهمين اثنين في فرنسا. وأوضحت السلطات البلجيكية أن الدبلوماسي من مواليد عام 1971، ويعمل في السفارة الإيرانية في العاصمة النمساوية فيينا. وفي 4 يوليو، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية أنها استدعت سفيري بلجيكاوفرنسا والقائم بأعمال السفير الألماني على خلفية اعتقال دبلوماسي إيراني على الأراضي الألمانية، بطلب من فرنسا. وقالت الوزارة في بيان، إن مساعد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أعرب للمسئولين الغربيين عن احتجاج شديد اللهجة من إيران على هذا الإجراء، وأكد حصانة الدبلوماسيين وفق اتفاقية فيينا، مطالبا السلطات الألمانية بالإفراج الفوري ودون قيود عن الدبلوماسي الإيراني. ووصف عراقجي هذه القضية بأنها مؤامرة أمريكية إسرائيلية لضرب العلاقات الإيرانية الأوروبية، حسب زعمه، إلا أن هذا التبرير لن يجدي نفعا فيما يبدو، بدليل تعاون ثلاث دول أوروبية في هذه القضية، وحتى في حال نجحت إيران في تجاوز هذه الأزمة الدبلوماسية، فإن إدارة ترامب تسارع الخطى لتشديد العقوبات عليها، بعد إلغاء الاتفاق النووي في 8 مايو الماضي. ولعل إلقاء نظرة على الاتفاق النووي، يكشف بوضوح أن إيران لن تفلت من تداعيات إلغائه، فمعروف أنه بموجب الاتفاق الموقع 2015، وافقت طهران على الحد من أنشطتها النووية، مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها من الأممالمتحدة، والولاياتالمتحدة، والاتحاد الأوروبي، لكن إعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق يعني عودة واشنطن لتشديد العقوبات على إيران. ونقلت "بي بي سي" عن وزارة الخزانة الأمريكية القول في 9 مايو، إن الأمر يستغرق فترة 90 و180 يوما قبل استئناف عقوبات متنوعة على إيران، ويحل الموعد الأول لإعادة العقوبات في 6 أغسطس المقبل، ويشهد تفعيل عقوبات تؤثر على قدرة إيران على شراء الدولار الأمريكي، والتجارة في الذهب وغيره من المعادن، بجانب قيود على الطيران وصناعة السيارات. أما الموعد الثاني، فيأتي في 4 نوفمبر، ويتضمن إجراءات تتعلق بالمؤسسات المالية والنفطية الإيرانية، وفي نهاية الفترة المحددة ب 180 يوما، تُفعل العقوبات على الأفراد الذين كانوا على قائمة عقوبات الخزانة الأمريكية قبل الاتفاق النووي. وإيران من أكبر منتجي النفط في العالم، إذ تصل قيمة صادراتها من النفط والغاز مليارات الدولارات سنويا، ورغم أن الولاياتالمتحدة ليست من مستودري النفط الإيراني، ستتعرض شركات ودول أخرى من أصحاب التعاملات النفطية مع إيران للعقوبات الأمريكية حال رفضها أو فشلها في إنهاء تعاملاتها مع إيران. وستطال العقوبات شركات النفط الأوروبية على وجه الخصوص، حيث وقعت شركة توتال الفرنسية عقدا بقيمة خمسة مليارات دولار مع إيران بعد الاتفاق النووي، ويوجد أيضا لشركة "بريتش بتروليم" البريطانية شراكة مع الشركة الحكومية الإيرانية للتنقيب في حقل روم الإيراني للغاز. ورغم محاولات إيران المستميتة إقناع الشركات الأوروبية بعدم مغادرة السوق الإيراني، إلا أن الخناق يضيق بالفعل على نظام الملالي، بدليل الاحتجاجات المتواصلة في البلاد منذ 25 يونيو الماضي، احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية.