احمد زرزور صبياً كنتُ حين تفتّحت براعم صداقتنا التي تعدّت الثلاثين عاماً ، وكان يحاول القفز ممتطياً أشعاره في شغف وفرح طفولي .. هذا الآتي من أعماق قرية سروهيت بمحافظة المنوفية ، وتقدّم ببعضها إلي مسابقة في عيد الفن والثقافة عام 1984 ومنها قصيدة مطلعها حسب ما تسعفني الذاكرة يقول : وأهتف في سراة القوم ، حزني جاوز الطرقات ، لم تفتح له الأبواب .. فاز في المسابقة ، وتسلّم جائزته علي مسرح السامر بالعجوزة ، لتستمر مسيرته الشعرية وتكلّل بالجوائز ، ومنها جائزة الدولة التشجيعية في ثقافة الطفل منذ ما يزيد علي العشرين عاماً . كان أحمد زرزور أحد شعراء جيل السبعينيات الشعري المستقلين .. جايل حلمي سالم ورفعت سلاّم وعبد المنعم رمضان ومحمد سليمان ومحمد آدم ومحمد فريد أبو سعدة وجمال القصّاص وأمجد ريّان وغيرهم .. شقّ كلُُ طريقاً ، وآثر الزرزور أن يُغرّد خارج السرب ، لكنه راح يُغنّي للأطفال عبر صفحات مجلات ماجد ، هو وهي ، باسم ، سعد ، وقطر الندي .. وكتب الكثير من القصائد والأُغنيات في العديد من البرامج والمسلسلات التليفزيونية للأطفال ، أحبّهم فأحبّوه . زرزور وقطر الندي أيضاً كان لأحمد زرزور علامات وإضافات كثيرة من خلال معشوقته قطر الندي ، حارب من أجلها وكان يظنّها فعلاً ابنته ، كان زرزور يتجرّع الأسي والألم والإنكار من أقرب الناس إليه وتذوّق مرارة الحرمان منذ وفد إلي القاهرة ليلتحق بكلية الحقوق في كفالة عمه إبراهيم رحمه الله وشرفتُ بحق بالعمل معه في مجلة قطر الندي لسنوات كاتباً ومراجعاً ومصحّحاً ، ولا أنسي مقالاً كتبه عني في صفحته الأخيرة تحت عنوان عمو مجدي يتحدّث إليكم . كُنتُ منذ أكثر من ثلاثين عاماً أكتب في مجلات : الفيصل والمجلة العربية والشعر وآفاق عربية والجيل والرافد والحجّ والعمرة والبيان واليمامة واليوم واقرأ والرياض وعكاظ وصدي الأسبوع والكويت وغيرها ، وكان أحمد يحلم بالكتابة فيها ، وتحقّق حلمه بعد ذلك بل وتجاوز حلمه أبعاداً أكثر وأروع ، وكنا نسهر الليالي أيام معارض الكتاب وغيرها نسعي للتعرُّف علي المبدعين العرب الكبار : محمود درويش ، سميح القاسم ، بلند الحيدري ، جبرا إبراهيم جبرا ، أدونيس ، بول شاؤول ، سحر خليفة ، محمد الماغوط ، ليّانة بدر ، سلمي الخضرا الجيوسي ، نزار قباني ، سعدي يوسف .. وغيرهم . آه يا أحمد ، لن أنسي ما حييت إخلاصك في كل كلمة كتبتها بدمك في قصائدك ، وفي كل ما كتبت من مقالات ملتهبة في قطر الندي ، فتحت النار عليك من طيور الظلام ، كلهم الآن في غياهب السجون ، أما أنت فقد منّ الله عليك وعوّضك الكثير عن ظلمهم . فيروز والحب ونحن ولا أنسي هذا اليوم الذي اتصل بي لنلتقي لشراء كتب من سوق الأزبكية ومن سور جامعة القاهرة وأسوار السيدة زينب ، وكان يوم عيد لكلينا ، لا أظنك تنسي يا أحمد ونحن نُغنّي معاً فوق دراجتي البخارية أغنيات فيروز دخلك ياطير الوروار ، أعطني الناي وغنّ ، سنرجع يوماً ، الغضب الساطع، يارا الجدائل ، حبيتك بالصيف ، يالا تنام ريما ، ياشادي الألحان ، جارة الوادي ، يا قلبي لا تتعب قلبك ، ياغصن نقا ، وبعض موشّحاتها ... كان صوتك شجيّاً رقراقاً مُحبّاً وأنت تُغرّد خلفي والهواء الجميل والنيل البديع يحتوي حبنا الكبير.. نعم، كنت أعلم أنك تُغنّي لأحلام أحببتها حبّاً يفوق الخيال ، لملهمة كتبت فيها الكثير في ديوانك ( نونيا )، وما تبعه من قصائد أتمني أن ننجح في جمعها في ديوان جديد . كثيراً لننطلق إلي بائعي الكتب التي عرفتُ فيك مُحبّاً وعاشقاً لكل كتاب تقتنيه بعد فترة النقاهة التي عشتها بعد العملية الأخيرة (الخلايا الجذعية) التي أجريتها في بنها، وبعد لقائنا بالشاعر الكبير فتحي فرغلي في منزله العامر ، وكان لقاءً ثريّاً لكل منّا، وجدتُ هاتفك مغلقاً بعد مكالمة من الأديبة الرائعة هناء سيف الدين تنقل إليّ فيها مخاوفها لإغلاق أرقام هاتفك ، أحسستُ بقلق أكثر حين ذهبتُ إليك في البيت فلم تردّ، كنت لا أحس وأنا أقود إلي إبنك زياد وابنتك يارا فلم أجدك معهم، نقلتُ خوفي إلي زياد وأجبرته علي التوجّه إليك لنتيقّن من سلامتك .. لكن .. كم كان المنظر مؤلماً وقاتلاً ، لا أظن أن بشراً يتحمّله وزياد يبكي مذهولاً وهو يصرخ ويقول لي : بابا مات يا عمو مجدي ، لم أدر بنفسي والسكر يرتفع والضغط يقتلني بكاءً وحزناً . كنتُ أبكي فيك سنوات عمرينا الجميلة مع رفاقنا خيري عبد الجواد ، ربيع مفتاح ، سمير عبد الفتاح ، محمد سعيد ، بدوي راضي ومجموعة نادي الأدب في بولاق الدكرور والدقي والسامر ، كنت أبكي قلباً صافياً أحبّ كل الناس ، كنت أبكي فيك ضحكاً وفرحاً يبدوان أمام الناس بينما قلبك يعتصر ألماً ومرارة لما قاسيت من جحود الأقرباء وسفالة السفهاء ... أظنك الآن تبتسم وتملأ دنياك ضحكاً رائقاً، بعيداً عن جحود مَنْ تعلّموا علي يديك الكتابة وفهموا الحياة من خلالك يا أوفي الأوفياء، ولم يكلّفوا أنفسهم أن يعلنوا عن رحيلك في أي من وسائل الإعلام أو يسألوا عنك باستثناء قطر الندي وشاعرها الجميل عمرو حسني وفرسانها إبراهيم محمد ومحسن عبد الحفيظ ... وداعاً يا زرزور إلي أن يجمع الله بيننا في دنيا الصدق والمحبة والوفاء والأمل مع مَنْ نحب، اللهم قرّب لقاءنا آمين . آه يا أحمد كم كنت قاسياً حين اتصلتُ بك