رغم التنازلات التي قدمتها الحكومة الفرنسية والتي ألغت فيها ضرائب الوقود الا ان الاحتجاجات واعمال العنف الواسعة التي تقودها حركة السترات الصفراء مازالت مستمرة وتثير مخاوف الحكومة في كل اسبوع مثلما حدث امس ورغم ان رئيس الوزراء إدوار فيليب ظهر منفتحا علي إقرار اجراءات لتحسين الأجور المتدنية وهي من بين مطالب المحتجين ومستعدا لبحث إعادة فرض الضريبة علي الثروة بعد أن رفضه الرئيس ايمانويل ماكرون الا أن الاختلاف داخل الحكومة حول الضريبة علي الثروة فضلا عن التأجيل المتكرر لفرض ضريبة الوقود التي عُلقت ثم ألغيت، يؤكد الحالة العصبية التي استحوذت علي السلطات الفرنسية أمام خطر تفاقم الأزمة. الواقع الفعلي يؤكد ان ما تشهده فرنسا من اضطرابات واحتجاجات وأحداث عنف يشكل خطرا علي أوروبا بأكملها إذ تتربص القوي اليمينة المتطرفة بالرئيس الفرنسي »إيمانويل ماكرون» للإيقاع به والاستيلاء السياسي ليس علي فرنسا وحدها بل علي القارة بأكملها. ونشط اليمين المتطرف بشكل كبير داخل حراك »السترات الصفراء» الذي عصف بالبلاد منذ ثلاثة أسابيع رغم أنه خرج بدون قيادة سياسية والتف حوله الطبقة المتوسطة المتضررة من الاجراءات الاصلاحية الاقتصادية التي اتخذها ماكرون منذ توليه الحكم منذ عام ونصف. فتري »مارين لوبن» زعيمة حزب »الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف في انهيار ماكرون ومنظومته مصلحة تصبّ مباشرة لصالحها. وطالبت بحلّ البرلمان والتوجه إلي انتخابات تشريعية مبكرة، ذلك التيار الشعبوي المتطرف قد يكون بديلا يتّسق صعوده مع صعود نفس التيارات في النمسا وإيطاليا وألمانيا والسويد وهنغاريا. كما وجد الرئيس الأمريكي اليميني »دونالد ترامب» الفرصة سانحة لينتقد اتفاقية باريس للمناخ التي انسحب منها مؤخرا والتي بموجبها رفع الرئيس الفرنسي الضرائب علي الوقود لتحقيق هدف خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وكتب ترامب في تغريدة »اتفاقية باريس معيبة بشكل أساسي لأنها ترفع أسعار الطاقة في الدول التي تتسم بالمسؤولية في حين تتستر علي البعض من أكثر الدول المسببة للتلوث» وقالت »ناتالي نوجايريدي» الكاتبة في صحيفة الجارديان البريطانية إن ماكرون يحتاج إلي المساعدة من أجل أوروبا فيجد الرئيس الفرنسي الشاب الإصلاحي الذي وعد ب»نهضة أوروبية» نفسه في صراع مع بلد يتحول بسرعة إلي »رجل أوروبا المريض» مرة أخري. وفي الأسبوع الماضي قام المشاغبون بتشويه وجه تمثال »ماريان» رمز الجمهورية في قوس النصر بباريس، وهو عمل لم تقم به القوات النازية عند احتلالها باريس خلال الحرب العالمية الثانية، مما ينذر بخطر الثورة والفوضي في الديمقراطيات الليبرالية. وأضافت نوجايريدي أن الجائزة التي يسعي إليها المتطرفون هي الاستيلاء السياسي علي أوروبا في انتخابات البرلمان الأوروبي في مايو المقبل، مؤكدة أن الأحداث في فرنسا تمتد أهميتها إلي ما هو أبعد من حدود بلد واحد. كما حذرت صحيفة نيويورك تايمز، من أن الاحتجاجات العنيفة لحركة »السترات الصفراء» في باريس، يمكن أن توجه ضربة قوية للديمقراطية الليبرالية، لأنها تجبر الحكومة الفرنسية علي التراجع، دون إتاحة الفرصة لها للحوار مع مفجري الاحتجاجات. وأوضحت الصحيفة الأمريكية أن المظاهرات أعادت إلي الأذهان الاضطرابات الفرنسية السابقة، ولا سيما احتجاجات عام 1968، التي أطاحت بالحكومة وأجبرت السلطات علي إجراء انتخابات برلمانية جديدة، وهرب الرئيس شارل ديجول إلي ألمانيا لعدة ساعات. وتؤكد غالبية التحليلات أن هذه الاحتجاجات تقوي من موقف اليمين، وتدفع بعدد من السيناريوهات، أسوأها استقالة »ماكرون» والدعوة لانتخابات رئاسية جديدة، وأقلها حدة زيادة نسب تمثيل الحزب اليميني في الانتخابات المقبلة. وكما توقع المراقبون انتقلت عدوي »السترات الصفراء» إلي عواصم أوروبية أخري، إذ نظم عدد من المتظاهرين في العاصمة البلجكية بروكسل تظاهرات احتجاجية علي سياسات الحكومة الاقتصادية، كما تظاهر عدد من الموطنين الهولندين في عدة مدن أبرزها الكمار ولاهاي، إحتجاجات علي سياسات حكومة بلدهم أيضًا. ورغم التنازلات التي قدمها الرئيس الفرنسي »إيمانويل ماكرون» وحكومته بشأن الضرائب المفروضة علي الوقود لم تهدأ وتيرة احتجاجات »السترات الصفراء» العنيفة. فأعلن قصر الإليزيه إلغاء الزيادة علي ضريبة المحروقات للعام 2019 وكانت الحكومة قد أعلنت قبل ذلك تعليق تلك الزيادة لستة أشهر، في محاولة تبدو بائسة لماكرون الذي فقد أكثر من ست نقاط من رصيد شعبيته في غضون شهر واحد، لتهدئه الأمور وإخماد نار الأزمة. وزادت الصعوبات التي يواجهها ماكرون بعد احتجاجات طلاب الجامعات ودعوة الاتحاد العام للعمال في فرنسا (سي.جي.تي) إلي إضرابات في قطاعي صناعة الطاقة والموانئ يوم 13 ديسمبر الجاري. تحسبا لمظاهرات عنيفة مرة أخري نشرت الحكومة الفرنسية عددا غير عادي من قوات الأمن في جميع أنجاء البلاد. ولا تزال باريس تحت صدمة أحداث العنف التي وقعت الأسبوع الماضي حين عاشت مشاهد تشبه حرب شوارع مع إقامة حواجز وإحراق سيارات ونهب محلات واشتباكات مع قوات الأمن. وقتل أربعة أشخاص وأصيب مئات علي هامش المظاهرات التي انطلقت في 17 نوفمبر المنصرم احتجاجا علي سياسة الحكومة الاجتماعية والمالية، واتسعت لاحقا لتشمل التلاميذ والطلاب والمزارعين. وتسببت الاحتجاجات في خسائر اقتصادية تصل إلي 4 ملايين دولار، بحسب مسؤولين فرنسيين. وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد »إيلاب» أن 78 % من الفرنسيين يعتبرون أن إجراءات الحكومة لا تستجيب لمطالب المتظاهرين. في حين يعتبر محللون أن هذه القرارات تسجل أول تراجع لإيمانويل ماكرون الذي يتفاخر بعدم التراجع أمام الشارع منذ وصوله إلي قصر الإليزيه في مايو 2017.. توقعات بمزيد من التنازلات، بعد أن أشارت الحكومة الفرنسية إلي أن الرئيس إيمانويل ماكرون ربما يعدل الضريبة علي الثروة التي يقول منتقدون إنها تحابي الأغنياء وذلك بعد يوم من رضوخ إدارته في وجه احتجاجات عمت البلاد بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة. إذ صرح بنجامين جريفو المتحدث باسم الحكومة الفرنسية والحليف المقرب من ماكرون أنه يمكن إعادة تقييم ضريبة الثروة في خريف العام المقبل. وكان إلغاء تلك الضريبة قد لاقي معارضة واسعة، لا سيما في أوساط أحزاب اليسار في فرنسا التي رأت في هذا الإجراء »هدية للأغنياء» علي حساب الفقراء.