■ حركة السترات الصفراء ومزيد من التصعيد تشهد فرنسا مظاهرات عنيفة ممتدة منذ أسابيع احتجاجا علي ارتفاع أسعار الوقود وتراجع القدرة الشرائية للفرنسيين، منددة بالسياسة الضريبية التي يطبقها الرئيس الفرنسي »إيمانويل ماكرون» عموما، وهو الأمر الذي حاولت المعارضة اليمينية واليسارية استغلاله بالشكل الأمثل لها. إذ خرج نحو 280 ألف متظاهر في أكثر من ألفي موقع في شتي أنحاء فرنسا بقيادة حركة »السترات الصفراء» التي يصعب الاستماع إليها، لأنها بلا قيادة، وإن كانت أعلنت قبل أيام تعيين 8 أشخاص حددتهم بالأسماء للتحدث نيابة عنها، إلا أن كثيرا منهم يقولون أن هذا الوفد لا يمثلهم مما يعقد محاولات الحكومة الفرنسية لتهدئة الأمور. وتخللت هذه الاحتجاجات مشاهد عنف وتخريب من شأنها أن تؤثر علي ثقة المستثمرين، وتشوه صورة فرنسا الجديدة الأكثر الديناميكية التي سعي الرئيس الشاب »ايمانويل ماكرون» إلي رسمها منذ انتخابه قبل نحو عام. واتهمت الحكومة الفرنسية المتطرفين من اليمين واليسار بتأجيج الاحتجاجات، وبمقدمتهم »الحركة الوطنية» بقيادة المرشحة الخاسرة »مارين لوبان». ويلتقي رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب مع بعض ممثلي المحتجين في محاولة لتهدئة التوترات وهو اللقاء الأول منذ أن بدأت الحركة قبل أسبوعين. فيما دعا المحتجون إلي التصعيد مرة أخري بعد اجتماع وصفوه ب »غير مقنع» دام ساعتين مع وزير البيئة في البلاد. ودعا تيري بول فاليت، مدير حركة »السترات الصفراء» عن العاصمة الفرنسية باريس الرئيس إيمانويل ماكرون إلي الاستقالة من منصبه. في الوقت نفسه لم يقنع الرد الذي قدمه ماكرون علي مطالب السترات الصفراء والذي غير فيه نبرته إزاء المطالب الاجتماعية ، المحتجين فقد اعترف الرئيس الفرنسي بشرعية الغضب الذي عم فرنسا الأيام الأخيرة لكنه أعلن أنه سيبقي علي سياسته فيما يخص الانتقال إلي مصادر الطاقة الخضراء. وأعلن تقليص تأثير الرسوم علي الوقود لكن دون التراجع عنها كما أعلن تنظيم مشاورات واسعة ستبدأ بعد ثلاثة أشهر لكن اقتراحاته لم تقنع لا المحتجين ولا المدافعين عن البيئة ومن المقرر أن يبدأ في يناير المقبل، سريان زيادة ضريبة الوقود المثيرة للجدل في فرنسا، وهي زيادة بنسبة 4% علي أسعار البنزين، وزيادة بنسبة 7% علي الديزل، ومن المتوقع حدوث زيادات أخري حتي عام 2022، ولم تحمل تصريحات ماكرون في هذا الصدد أي وعود بتغيير فوري يتعلق بزيادات الضرائب في يناير المقبل، والتي يعد إلغاؤها مطلبا أساسيا لحركة السترات الصفراء.. وتأتي الاحتجاجات العنيفة قبل ستة أشهر من انتخابات البرلمان الأوروبي، ويدرك الرئيس الفرنسي انخفاض شعبيته، ويخشي بذلك أن يتحول تصويت الفرنسيين في هذه الانتخابات إلي ما يشبه الاستفتاء عليه، فتتصدر لوائح الأحزاب الفرنسية اليمينية المناوئة للشراكة الأوروبية. والغالبية العظمي من السترات الصفراء ينتمون إلي الطبقة المتوسطة التي تشعر أنها أصبحت تحمل العبء الضريبي الأكبر دون الاستفادة من أي إعفاءات أو معونات أو امتيازات خاصة. فإن السواد الأعظم من المتظاهرين من غير البارسيين بل من سكان الأرياف والمناطق المحيطة بالمدن الكبري. فهذا معطي جديد ومقلق يشير إلي الفئات الوسطي، يعني أنَ علي الدولة الفرنسية، ونظيراتها في أوروبا الغربية، الاستعداد لمواجهة احتجاجات مستقبلية شديدة الزخم، وواسعة الانتشار جغرافيًا، ومتسعة القاعدة من الناحية الاجتماعية. وقال مراقبون إن مظاهر العنف التي ضربت فرنسا تصب في صالح اليمين المتطرف في الداخل وتستغلها واشنطن في الخارج لتعطيل دعوات الرئيس الفرنسي بإنشاء جيش أوروبي موحد لمجابهة التهديدات القادمة من روسيا والصين والولايات المتحدة. كما أن طموحات فرنسا لقيادة الاتحاد الأوروبي في المرحلة الراهنة، خلفا لألمانيا، بعد الضعف الذي انتاب حكومة المستشارة »أنجيلا ميركل» بمثابة صداع في رأس الرئيس الأمريكي »دونالد ترامب» خاصة بعد اقتراب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث يسعي ترامب إلي تقويض أية محاولة من شأنها تعزيز الكيان الأوروبي المشترك في ظل رؤيته الرافضة للاتحاد الأوروبي. • إيمان مصيلحي