أراد الرئيس الأمريكي ترامب استيعاب صدمة نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونجرس والتي كان أهمها هو سيطرة الديموقراطيين علي مجلس النواب بعد عشر سنوات من سيطرة الجمهوريين. كان ترامب يدرك أن الأهم -بالنسبة له- هو الاحتفاظ بالروح المعنوية لأنصاره، فكان تركيزه في أول مؤتمراته الصحفية بعد الانتخابات علي التقليل مما حققه الديموقراطيون، والتركيز علي أهمية الاحتفاظ بالأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ وأنه كان العامل الأساسي فيها.. سواء بما حققه من نجاحات اقتصادية خلال الفترة الماضية للاقتصاد الأمريكي، أو يدعمه المباشر للمرشحين من خلال جولاته الانتخابية خلال الشهور الماضية في مختلف الولايات وبصورة غير مسبوقة من الرؤساء الأمريكيين. لكن الأهم جاء مع محاولة الاقتراب من إجابة السؤال الذي يسيطر علي الساحة السياسية الأمريكية بعد الانتخابات وهو: كيف سيتعامل ترامب مع الوضع الجديد الذي يسيطر فيه الديموقراطيون علي مجلس النواب؟! ورغم أن الوضع -في حد ذاته- ليس جديدا، وقد سبق لرؤساء كثيرين التعامل مع كونجرس يسيطر الحزب المعارض علي أحد مجلسيه »النواب أو الشيوخ» أو علي المجلسين معا.. وكان آخرهم أوباما في ولايته الثانية. لكن المشكلة الآن هي أن هذا يحدث في ظل انقسام غير مسبوق في المجتمع الأمريكي. ومع أوضاع غير مستقرة بالنسبة للإدارة الأمريكية التي يقودها ترامب وشبح التحقيقات الدائرة بشأن التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأمريكية يوقع بعدد من أكبر معاونيه، ويطارده شخصيا!! كان إيجابيا أن يكون هناك تواصل بين ترامب وبين الزعيمة المرتقبة لمجلس النواب نانسي بيلوسي وأن يعلن الاثنان الاستعداد للتعاون في تنفيذ أچندات يركز عليها الديموقراطيون مثل العلاج الصحي والتعليم، لكن بدا بالفعل أن ترامب يتعامل بجدية بالغة مع أي تطورات محتملة بشأن التحقيقات في انتخابات الرئاسة وغيرها. يدرك ترامب أن معلوميات مجلس النواب تقتصر -في هذا الجانب- علي بحث أي اتهامات واستدعاء المسئولين للشهادة ثم تحويل الأمر -إذا رأت أغلبية المجلس ذلك- إلي مجلس الشيوخ الذي يتولي القضية ويكون له أن يتخذ إجراءات قد تصل إلي العزل في حق الرئيس، وذلك بأغلبية ثلثي الأعضاء.. وهو أمر مستحيل في ظل السيطرة الكاملة للجمهوريين علي مجلس الشيوخ. لكن ترامب يدرك أن مجرد إثارة القضية في مجلس النواب تعني تقويض سلطاته فيما تبقي من فترة رئاسته، والقضاء علي فرصته في الترشح لولاية ثانية بعد عامين. ومن هنا كان واضحا في الإعلان عن عزمه مقاتلة الديموقراطيين بكل شراسة إذا لجأوا لهذا الطريق. وكان تهديده بأن لديه ما يفتح به التحقيقات مع مسئولين ديموقراطيين يتهمهم بإذاعة أسرار الدولة، وذلك إذا لجأ الديموقراطيون لفتح التحقيقات أمام مجلس النواب معه ومع مساعديه بشأن انتخابات الرئاسة السابقة.. أو في قضايا أخري بدأ الحديث عنها بين النواب بشأن تضارب المصالح والتهرب الضريبي!! ويبدو أن ما يقصده ترامب بالتحقيق في إفشاء أسرار الدولة يتعلق بالتحقيقات التي كانت قد بدأت مع هيلاري كلينتون بشأن استخدام الكومبيوتر الشخصي لها أثناء عملها في وزارة الخارجية في تبادل رسائل رسمية وهو التحقيق الذي كان أحد أسباب فشلها في الانتخابات. وقد كان من الممكن أن يتم التعامل مع حديث ترامب بشيء من المرونة، لولا أنه أعقبه بعد ساعات بإعلان إقالة وزير العدل جيف سيشنز الذي قال انه قدم استقالته بناء علي طلب الرئيس. علما بأن الوزير المستقيل أو »المقال» كان من أهم داعمي ترامب في الانتخابات لكنه بعد تعيينه قام بخطوة أزعجت ترامب حين أوكل لنائبه مسئولية الإشراف علي التحقيقات بشأن التدخل الروسي في الانتخابات. وبالتالي قام نائب الوزير بتعيين المدعي الخاص مولر ليتولي مسئولية التحقيق. هل يتخلص ترامب بعد ذلك من نائب الوزير ومن المحقق الخاص مولر؟ وهل سيقبل الديموقراطيون بضغوط الرئيس لاغلاق هذا الملف ويتخلون عن ورقة رابحة بالنسبة لهم في صراعهم مع ترامب والجمهوريين؟ أسئلة تنتظر الاجابة بينما الشواهد تقول اننا أمام عامين عاصفين في أمريكا المنقسمة علي نفسها، وأن علينا »وعلي العالم كله» أن يضع ذلك في حساباته، وأن يستعد لكل السيناريوهات المحتملة!