إن الذين يشتغلون بعمل لا يقره الله فهم يأكلون أموالهم بالباطل ويدخلون في بطون أولادهم الأبرياء مالا باطلا، وعلي الذيني يأكلون من مثل هذه الأشياء أن يتنبهوا جيدا إلي أن الذي يعولهم، إنما أدخل عليهم أشياء من هذا الحرام والباطل. لا تقل إن الحاكم قد شرع أعمالاً وتُلقي عليه تبعة أفعالك؛ ومثال ذلك تلك الأشياء التي نقول عليها إنّها فنون جميلة من رقص وغناء وخلاعة، هل إباحة الحكومات لها وعدم منعها لها هل ذلك يجعلها حلالاً؟ لا؛ لأن هناك فرقاً بين الديانة المدنية والديانة الربانية. ولذلك تجد أن الفساد إنما ينشأ في الحياة من مثل هذا السلوك. إن الذين يشتغلون بعمل لا يقره الله فهم يأكلون أموالهم بالباطل، ويُدخلون في بطون أولادهم الأبرياء مالاً باطلاً، وعلي الذين يأكلون من مثل هذه الأشياء أن ينتبهوا جيداً إلي أن الذي يعولهم، إنما أدخل عليهم أشياء من هذا الحرام والباطل، وعليهم أن يذكروا ربهم وأن يقولوا: لا لن نأكل من هذا المصدر؛ لأنه مصدر حرام وباطل، ونحن قد خلقنا الله وهو سبحانه متكفل برزقنا. وأنا اسمع كثيراً ممن يقولون: إن هذه الأعمال الباطلة أصبحت مسائل حياة، ترتبت الحياة عليها ولم نعد نستطيع الاستغناء عنها. وأقول لهم: لا، إن عليكم أن ترتبوا حياتكم من جديد علي عمل حلال، وإذا أصر واحد علي أن يعمل عملاً غير حلال ليعول من هو تحته، فعلي المُعال أن يقف منه موقفا يرده، ويصر علي ألا يأكل من باطل. وتصوروا ماذا يحدث عندما يرفض ابن أن يأكل من عمل أمه التي ترقص مثلا أو تغني، أو عمل والده إذا علم أنه يعمل بالباطل؟ المسألة ستكون قاسية علي الأب أو الأم نفسيهما. إن الذين يقولون: إن هذا رزقنا ولا رزق لنا سواه، أقول لهم: إن الله سبحانه وتعالي يرزق من يشاء بغير حساب، ولا يظن إنسان أن عمله هو الذي سيرزقه، إنما يرزقه الله بسبب هذا العمل: فإن انتقل من عمل باطل إلي عمل آخر حلال فلن يضن الله عليه بعمل حق ورزق حلال ليقتات منه. وقد عالج الحق سبحانه وتعالي هذه القضية حينما أراد أن يحرم بيت الله في مكة علي المشركين، لقد كان هناك أناس يعيشون علي ما يأتي به المشركون في موسم الحج، وكان أهل مكة يبيعون في هذا الموسم الاقتصادي كل شيء للمشركين الذين يأتون للبيت، وحين يُحَرِّم الله علي المشرك أن يذهب إلي البيت الحرام فماذا يكون موقف هؤلاء؟ إن أول ما يخطر علي البال هو الظن القائل: (من أين يعيشون)؟ ولنتأمل القضية التي يريد الله أن ترسخ في نفس كل مؤمن. قال الحق: »إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام بَعْدَ عَامِهِمْ هذا» »التوبة: 28». ثم يأتي للقضية التي تشغل بال الناس فيقول: »وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ» »التوبة: 28». وهكذا نري أن هذه القضية لم تخف علي الله فلا يقولن أحدٌ إن العمل الباطل الحرام هو مصدر رزقي، ولن أستطيع العيش لو تركته سواء كان تلحيناً أو عزفاً أو تأليفاً للأغاني الخليعة، أو الرقص، أو نحت التماثيل. نقول له: لا، لا تجعل هذا مصدراً لرزقك والله يقول لك: »وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ». وأنت عندما تتقي الله، فهو سبحانه يجعل لك مخرجاً. »وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ»، وعليك أن تترك كل عمل فيه معصية لله وانظر إلي يد الله الممدودة لك بخيره. إذن فقول الله: »وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل» تنبيه للناس ألا يُدخلوا في بطونهم وبطون من يعولون إلا مالاً من حق، ومالاً بحركة شريفة؛ نظيفة، وليكن سند المؤمن دائماً قول الحق: »وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ» (الطلاق: 2-3).