المال مال الله في الحقيقة, وجعلنا الله سبحانه وتعالي مستخلفين فيه لنجمعه من الحلال وننفقه في حلال قال تعالي آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالمال مقوم رئيسي من مقومات الحياة, وضع له الشرع ضوابط وحدود, وحث الإسلام علي كسب المال الحلال وإنفاقه في حلال, لذا كل العبادات والمعاملات يسألنا الله سبحانه وتعالي عنها سؤالا واحدا يوم القيامة إلا المال عليه سؤلان هما من أين إكتسبته؟ وفيم أنفقته؟. والمال نعمة في حالة واحدة ونقمة في ثلاث حالات. نعمة إذا جمع من حلال وأنفق في حلال, ونقمة إذا جمع من حلال وأنفق في حرام أو جمع من حرام وأنفق في حلال أو جمع من حرام وأنفق في حرام. يقول الدكتور حامد عبده الفقي وكيل كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بطنطا إن أكل المال بدون وجه حق وأخذه من صاحبه بغير رضاه محرم شرعا يقول الله تعالي ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلي الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون والمعني لا يأكل بعض مال بعض بغير حق فيدخل جميع أنواع الكسب الحرام وما لا تطيب به نفس فأكله, وعن النبي صلي الله عليه وسلم قال... إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلي يوم تلقون ربكم. ويقول الحق تبارك وتعالي إن الذين يأكلون أموال اليتامي ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا هذه الآية الكريمة نزلت في رجل من غطفان يقال له مرثد بن زيد ولي مال بن أخيه وهو يتيم صغير فأكله. فأنزل الله سبحانه وتعالي هذه الآية, وقيل أنها نزلت في الكفار الذين كانوا لا يورثون النساء ولا الصغار, فالذين يغيرون معالم الأرض الزراعية أو أراضي البناء ويزحزحون حدودها ليضموا إلي ملكهم من أملاك غيرهم, وكذلك الذين يأخذون من جسور السكك الحديدية أو شواطئ الأنهار أو الترع, أو يأكلون من الطرق العامة أو الخاصة نقول لهم احذروا واسمعوا إلي قول الرسول عليه الصلاة والسلام ما جاء عن محمد بن إبراهيم أن أبا سلمه حدثه وكان بينه وبين قومه خصومه في أرض وأدخل علي السيدة عائشة رضي الله عنها فذكر ذلك لها فقالت: يا أبا سلمة اجتنب الأرض فإن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أراضين, وعن زيد بن أرقم قال: كان لأبي بكر غلام يخرج له خرجا أي كاتبه علي مال وكان الغلام يأتي لأبي بكر( رضي الله عنه) كل يوم بخراج. فيسأله من أين جئت بها. فإن رضي أكله وإلا تركه. قال: فجاءه ذات ليلة بطعام وكان أبو بكر صائما. فأكل منه لقمة ونسي أن يسأله ثم قال له: من أين جئت بهذا؟ فقال: قد تكهنت لاناس في الجاهلية وما كنت أحسن الكهانة إلا أني خدعتهم. فقال أبو بكر: أف لك. كدت تهلكني فأدخل يده في فيه فجعل يتقيأ ولايخرج. فقيل له: إنها لاتخرج إلا بالماء. فدعا بماء فجعل يشرب ويتقيأ. حتي قاء كل شئ في بطنه. فقيل له يرحمك الله: هذا من أجل هذه اللقمة. فقال رضي الله عنه: لولا لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها. إني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول كل جسد نبت من سحت فالنار أولي به فخشيت أن ينبت بذلك في جسدي من هذه اللقمة. وعن أسباب كسب المال الحرام يقول الشيخ محمد فتحي الزعرب من علماء الأوقاف عدم الخوف من الله تعالي لأن مراقبته تقي المسلم وتحميه من الوقوع في الحرام قال الرسول عليه الصلاة والسلام استحيوا من الله حق الحياء. قلنا: لا رسول الله إن نستحي والحمد لله. قال: ليس ذاك. ولكن الإستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعي والبطن وما حوي وتذكر الموت والبلي. وقال عليه الصلاة والسلام لايزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن وروي أن إمرأة صالحة أتاها نعي زوجها وهي تعجن العجين. فرفعت يدها, وقالت هذا طعام قد صار لنا فيه شريك الورثة ومن الأسباب أيضا الحرص علي المكسب السريع حيث بعض الناس يستعجلون الرزق ويريدون الحصول عليه من أي جهة وبأي طريقة حتي ولو كان من حرام فيحمله إستبطاء الرزق علي أن يطلبه بمعصية الله تعالي, وقد حذر الرسول صلي الله عليه وسلم من ذلك فقال عليه الصلاة والسلام إن جبريل ألقي في روعي خاطري أن أحدا منكم لن يخرج من الدنيا حتي يستكمل رزقه. فإتقوا الله وأجملوا في الطلب. فإن استبطأ أحد منكم رزقه فلا يطلبه بمعصية الله. ويوضح الزعرب أن الطمع وعدم القناعة من أسباب كسب المال الحرام. فعلي المسلم أن يعلم أن الأرزاق مقسمة كالآجال. قال عليه الصلاة والسلام إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم. كذلك الجهل بخطورة الكسب الحرام حيث كثير من الناس يجهل خطورة ذلك الأمر وحكمه وأثره السيئ عليه قال عليه الصلاة والسلام كل جسم نبت من سحت فالنار أولي به. ومن الأسباب أيضا الزوجة التي تطالب زوجها بما فوق طاقته فيضطر أن يمد يده إلي الحرام ولهذا قد تكون الزوجة سببا في دخول زوجها النار. ويشير الزعرب الي أن أكل المال الحرام لصاحبه عقاب في الدنيا والآخرة حيث ينزل عليه غضب الله تعالي ويضيع عمله فإذا غضب الله علي عبد رزقه من حرام, وإذا إشتد غضبه بارك له فيه. قال تعالي من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذي ليس لهم في الآخرة إلا النار. من آثار أكل المال الحرام أن صاحبه سيندم ويتحسر عند موته لأنه سيترك ماله كله ويعاقب عليه كله. يقول عمر بن الخطاب أشد الناس حسرة يوم القيامة رجل جمع مالا من حرام ثم تركه لورثته فأنفقوه في حلال فدخل هو النار ودخل ورثته الجنة. وأن من يأكل حراما يحمل ما سرقه وجمعه علي ظهره يوم القيامة ليفضح أمام الناس. قال تعالي ومن يغلل يأتي بما غل يوم القيامة, وقال عليه الصلاة والسلام من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة. قال رجل: يا رسول الله. وإن كان شيئا يسيرا قال: وإن كان قضيبا من أراك. ويقول الدكتور أحمد صبري عبدالمنعم من علماء الأزهر أن تحريم الشريعة الإسلامية لأوجه أكل المال من غير حله لما في ذلك ضرر علي الأفراد والمجتمعات من هذه الأوجه أكل المال العام حيث ذم الله تعالي الذين يتعدون علي الأموال العامة ولا يراعون حرمتها قال تعالي وتري كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون وكما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عما سيصل إليه الناس في آخر الزمان من تجرؤ علي المال الحرام فقال ليأتين علي الناس زمان لا يبالي المرء. بما أخذ المال. أمن الحلال أمن حرام, ومن هذه الأوجه أيضا أكل مال اليتيم. وحذرنا الله سبحانه وتعالي من أكل أموال الضعفاء وخاصة اليتامي. قال تعالي وآتوا اليتامي أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلي أموالكم إنه كان حوبا كبير. كذلك حذرنا الحق سبحانه وتعالي من أكل أموال الناس فيما بينهم قال تعالي يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم, كما حذر النبي عليه الصلاة والسلام من تزيين القول والكذب من أجل الحصول علي المال الحرام فقال إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن في حجته من بعض فأقضي له علي نحو ما أسمع. فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه. فإنما أقطع له قطعة من النار. ويضيف صبري أن من صور أكل المال الحرام أكل مال الزوجة. قال تعالي وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتاخذونه بهتانا وإثما مبيتا. وكيف تأخذونه وقد أفضي بعضكم إلي بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا. وعاقبة من يأكل الحرام عدم قبول العبادة قال أبن عباس رضي الله عنهما لا يقبل الله صلاة امرئ في جوفه حرام. ومن أعظم أضرار أكل المال الحرام عدم قبول الدعاء فقال عليه الصلاة والسلام يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا. وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وقال يا أيها الذين امنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلي السماء يا رب! يا رب! ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فإني يستجاب لذلك.
