نشرنا في العدد السابق من أخبار الأدب تحقيقاً عن "تيار هوية" وأجرينا حواراً مع أمين الأعلي للثقافة تناولنا في جانب منه لقاءه بهذا التيار، وكان الهدف منه التنبيه لمحاولة اختراق تيار ثقافي إسلامي السلطةَ الثقافية في مصر. واحتراماً لحرية الاختلاف نكتفي بنشر هذه الردود. طالعت تحقيقا صحفيا موسعا نشرته صحيفة "أخبار الأدب"( بتاريخ 4 مارس 2012 ) حول "تيار هوية" وكان التحقيق معنونا ب( "تيار هوية" الإسلامي يسعي لاحتلال الثقافة ), حيث أجري كاتب التحقيق حوارا معي ومع بعض رموز الحركة الأدبية وهم تحديدا الأصدقاء الأعزاء سيد الوكيل وأحمد أبو خنيجر وسعيد الكفراوي . وقد أردف الأستاذ أحمد عبد اللطيف معد التحقيق ذلك بحوار مع د سعيد توفيق الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة علي صفحتين تعرض فيه , مجددا لأطروحات تيار هوية . وقد وجدت في التحقيق (أو بمعني أدق التحقيق والحوار) أمورا تستوجب التعليق والسجال والتفنيد أوجزها فيما يأتي . أولا : جاء هذا العدد من "أخبار الأدب" في ظل ظرف استقطابي بالغ الضراوة يعانيه المشهد السياسي والفكري . ومن ثم تأثر الطرح الصحفي والفكري للصحيفة بهذا الظرف العام ولم ينج - في تقديري- من آثاره وعدواه . وهو ما بدا للوهلة الأولي في عنواني الغلاف : " غزوة إسلامية علي المجلس الأعلي للثقافة " ثم تصريح د سعيد توفيق" لن أسمح بتديين الإبداع " فضلا عن العناوين الداخلية : " تيار هوية الإسلامي يسعي لاحتلال الثقافة " ثم إعادة صياغة لتصريح د سعيد توفيق : " لن أسمح بأسلمة الإبداع ولا بتديين الفنون " . والسؤال الجذري : من من تيار هوية طالب بتديين الفنون أو استخدم مصطلح أسلمة الإبداع , وما علاقة التيار في بيانه التأسيسي وأنشطته وحواراته بهذه القضية ابتداء ؟ ! وما دخل أعضاء هوية في صراع الليبراليين والإسلاميين في أروقة العمل السياسي ؟ وكيف انجرف التحقيق الصحفي إلي إنطاق التيار بما لم يقل والزج به في خيارات لم يشارك في التأسيس لها منذ البداية ؟ فقد لوحظ تغذية العناوين( مجرد العناوين ؟!) بروح تحريضي تأثرا فيما يبدو بخيال كافكاوي شاطح وليس استجابة لحقائق واقع ميداني حي أمكن تقصيه بدقة ! ثم مضي التحقيق ينفخ بوق الحرب بلا هوادة ويرسم معالم "هولوكوست" افتراضي في غيبة الوثائق والأدلة الميدانية تماما ! ثانيا : يقودنا ما مضي إلي أخطر عيوب هذا التحقيق الصحفي من الوجهة المهنية : - حين تعرض معد التحقيق لقائمة المؤسسين للتيار اختار ستة فقط (من جملة ستين اسما شاركوا في التأسيس !! ) فهل من مهنية الأداء الصحفي أن نختار الأسماء التي تروق لنا وتخدم التكريس لتصور إيديولوجي خاص بمعد التحقيق وحده ؟! وهل يمكن أن تكون ستة أسماء ممثلة لستين اسما( وقد تضاعف عدد المنضمين للتيار لاحقا واقترب من المائتين ! ) وقد تسربت هذه الانتقائية من قبل معد التحقيق إلي كل شيء بدءا من اختيار ضيوفه وقد جعلهم جميعا من الروائيين (تأثرا بولائه لفن القص وحده ! ) وصولا إلي مصطلحاته الخاصة التي عممها وفرضها فرضا وخصوصا صفة الإسلامي التي ألصقها بكل شيء تيار هوية الإسلامي - جماعة ثقافية إسلامية غزوة إسلامية .. إلخ وهذه الملصقات من صياغة معد التحقيق الصحفي ولا علاقة لها ببيانات التيار ومشاركاته وحواراته التي لم تستخدم هذه الملصقات ولو مرة واحدة ! وإنما تحدثت عن احترام العقائد والأديان " (كل الأديان) - من أخطر عيوب هذا التحقيق أن صاحبه لم يقرأ كما هو واضح البيان التأسيسي للتيار كاملا ومن ثم ضم إلي عدم معرفة الأسماء المؤسسة تيارا جديدا من الإعاقة وهو عدم المعرفة بمضمون نشاط التيار نفسه وأهدافه واستراتيجياته وبالتالي مضي التحقيق ذاته ينشط في البحث عن فيل أسود في حجرة مظلمة ليلا!! وهو ما نجم عنه أن تورط الضيوف الذين أدير معهم الحوار في خوض الرقعة المغلوطة التي نسجها معد التحقيق حين دفع التحقيق برمته إلي الوجهة التي أرادها هو ! - يضم إلي هذه العيوب المركبة قصور المعد الشديد في تتبع نشاط التيارأو تغطية ندواته في الفترة الماضية ليتعرف - عن كثب إلي وجهة التيار وبنيته التأسيسية ومضمون نشاطه العام . فالعبرة دائما بمآلات الأمور ومردودها الميداني وليس بتنظير فارغ يسبح في الفراغ أو تفتيش ضحل عن النيات أو بحث محموم عن (خبطة صحفية) تدير الظهر للحقائق وتزل إلي منطقة الإثارة في وقت تغدو فيه (التوافقية ) مطلبا عزيزا ! وكان يكفي هنا الإطلاع علي كتاب الرائد سلامة موسي : " الصحافة حرفة ورسالة " / الفصل الثامن عشر المعنون " الحملات الصحفية بالمستندات " (ص 137- 142) (مطبعة مصر 1958) . إذ الحملة الصحفية لها أصول وأعراف مهنية لا يمكن تجاوزها ! ثالثا : تكررت تدخلات معد التحقيق بتأويل شخصي محض للي ذراع النصوص الأصلية واستنطاقها باعتساف وهو ما أسماه " إيكو " بالتأويل المفرط " ! ) فقد استهل التحقيق بقوله : " منذ فترة قريبة تكون تيار هوية الثقافي الإسلامي ... " وهذه الصفة الأخيرة كانت من صنع معد التحقيق وتعبيرا عن رأيه الخاص في جهد التيار (من واقع ثقب الإبرة الذي أطل منه ! ) ثم عاد ليقول : " بما لا يخالف شرع الله .؟.. " وهذه العبارة من بنات أفكاره وابتكاراته فلا وجود لها في أدبيات هوية ولا بياناتها ولا خطابها التأسيسي . ولكنها ما استخلصه هو تعليقا ويا للعجب ! علي بيان لم يقرأه غالبا ! ثم عاد ليضع " هوية " في الجزء " المواجه لليسار والليبرالية ..." بينما نص البيان التأسيسي لهوية يعرف الثقافة بكونها " أرضية حضارية ثقافية مشتركة لا اختزالية " ثم يتحدث البيان بوضوح قائلا : " لا يمكن الخضوع لفكرة فرض نموذج مستحضر من الماضي التاريخي أو الغرب الجغرافي ليصير نموذجا واحدا وحيدا للنهضة .." وبالتالي يتكرس الهدف الاكبر ل "هوية " في صورة (مصالحة تاريخية ) بين التيارات والأطياف تصنع عقدا اجتماعيا جديدا بعيدا عن الانعزالية والتشنج والاستقطابية . ولا علاقة لذلك بما فهمه معد التحقيق , وقد خلط , بوضوح , بين العمود الصحفي والتحقيق الصحفي !! وسرب قناعاته الخاصة في كل سطر تقريبا ! رابعا : اعتمد الصديق العزيز الأستاذ سيد الوكيل (الذي أحترم منجزه القصصي والنقدي الرصين ) وشايعه في ذلك معد التحقيق علي استثمار حوار طرفي دار بين د. محمود خليل أحد مؤسسي التيار وبين د . سعيد توفيق . وجري تضخيمه بصورة فانتازية ! وهو حوار استغرق بضع ثوان في اللقاء الأخير لتيار هوية مع الامين العام للمجلس الأعلي للثقافة ضمن لقاء استغرق نحوا من ساعتين تحدث فيه فضلا عن د محمود خليل د إيهاب عبد السلام ورضا العربي وياسر أنور ومسعود حامد وكاتب هذه السطور حيث تطرقت مداخلاتهم المعبرة عن تيار هوية " إلي قضايا لا علاقة لها بالمنحي الإيديولوجي أو الانصبة (بتعبير البعض !) من قبيل عدالة التمثيل الإقليمي في لجان المجلس وتنوع الأعمار والأجيال والاهتمام بالبعد العربي وتكريس المؤسسات الثقافية باعتبارها منابر للاعتدال وليست بؤرا ضيقة للإقصاء والفلترة والتربيط فضلا عن وجوب تمتع الأعضاء المختارين بأوزان علمية ثقيلة ترشحها وتزكيها الدراسات والجهود والجوائز . وكذلك النسب المثلي في اختيار الأعضاء بين فكرتي "الانتخاب " و" الاختيار الحر " إلي غير ذلك من جزئيات عملية إعادة الهيكلة فأين حوار د. محمود خليل العابر من هذه المداخلات والقضايا وكيف جري تضخيم تعليق جزئي في حوار استغرق ساعتين بحيث أمكن تعميم هذا التعليق الجزئي علي خطاب تيار بتمامه ؟! وهو ما سوغ أن يقول الأستاذ "سيد الوكيل" : "وجدت كلاما خطيرا وضيقا " والسؤال الجوهري : كلام من ؟ وهل هو خطاب فردي أم جمعي للتيار ؟ وما سياقاته من حوار استغرق ساعتين تطرق لأمور أخري كثيرة ؟ وبالمناسبة لم يطلب أعضاء التيار أن يكونوا أعضاء في اللجان كما أشار معد التحقيق ( الذي لم يحضر لقاء الأمين العام أصلا! في حواره مع الامين العام حين قارن ( هوية ) ب"بجبهة الإبداع " . فقد كان لقاء هوية مع الأمين العام منصبا علي صياغة لائحة المجلس أساسا . وكيف يعرض الساعون للعضوية أنفسهم لخطر الاستبعاد حين يتحدثون عن الانتخاب في اللجان بينما نتائج الانتخاب الذي يدعون إليه غير مضمونة لأحد ؟ ! معركتنا أيها الصديقان معركة معايير لا أشخاص . ويعرف الجميع أنني رفضت هذا العام عضوية لجنة الدراسات الأدبية . وهو أمر يمكن التحقق منه بسهولة ولم أشأ أن أحرج أحدا بفرقعات إعلامية فارغة ! خامسا : تيار هوية مظلة جامعة تحتضن في قائمة مؤسسسيها عناصر من رموز اليسار وليبراليين من كل الأطياف وحشدا من(القوميين الناصرييين ) غير أن التيار اختار خلافا للائتلافات الثقافية الأخري أن يشرع الأبواب للطيف الإسلامي المعتدل , وأن يسعي لإدماجه في المشهد الفكري العام في حوار مجتمعي خلاق انتصارا لقضية الثقافة , وعزلا للأصوات المتشددة . وبقي التيار مزدانا برموز باذخة فاعلة في المشهد من قبيل د..أسامة أبو طالب الأكاديمي والمسرحي المعروف ( وهو الرئيس الشرفي للتيار ) فضلا عن أسماء كثيرة من قبيل د. أيمن تعيلب ود. عبد الحكم العالمي والإذاعي هشام علوان والمبدعة نجلاء علام وأحمد حسن محمد (الحاصل علي البابطين ) وحمدي عبد الرازق وممدوح الشيخ وأشرف الخمايسي و د . مصطفي عراقي ... وغيرهم حيث تطول القائمة ! ولم ندع للحظة أننا نمثل كل المشهد وإنما طرحنا حلمنا الكبير للوطن لان حلمنا العريض الطافر يتجاوز شرنقة المؤسسة الثقافية بأشواط واسعة وهذا ما لم يفهمه كثيرون. ما دخل أعضاء هوية في صراع الليبراليين والإسلاميين في أروقة العمل السياسي ؟ وكيف انجرف التحقيق الصحفي إلي إنطاق التيار بما لم يقل والزج به في خيارات لم يشارك في التأسيس لها منذ البداية ؟