منذ فترة قريبة، تكوّن تيار "هوية" الثقافي الإسلامي، بمبادرة من الناقد حسام عقل والشاعر ياسر أنور ومحمود خليل، مدير إذاعة القرآن الكريم وعضو حزب الحرية والعدالة أيضاً، بالإضافة للشاعر محمود الأزهري وسعيد عبد الكريم والدكتور خالد فهمي أستاذ اللسانيات بجامعة المنوفية. يقول التيار الثقافي الجديد إن قناعاته تقوم علي :"قداسة واحترام الوحي والنبوة وما ينبني عليهما من نصوص وقيم" ومن أهدافه:"تعزيز روح الإبداع والمبادرات الجمعية التي تعزز الذات القومية في جميع أوجه الإنتاج المعرفي والفني والمادي انطلاقاً من روح وأسس حضارتنا العربية الإسلامية العالمية" أو بمعني آخر: بما لا يخالف شرع الله. هو بالطبع التيار المواجه لليسار والليبرالية، ويعمل علي مزاحمتهما في الثقافة، ويريد أن يسن القوانين التي تضمن عدم مساس التابو الديني، ويمنح الجوائز للكُتّاب التابعين للأدب "الإسلامي". تحدثتُ مع الدكتور حسام عقل، الناقد الأدبي، الذي التقي منذ أسبوعين تقريباً بصحبة أعضاء آخرين في "هوية" بالدكتور سعيد توفيق، الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة. قال عقل إن مطالبهم الرئيسية "عدم إقصاء أي تيار" وإن تيار هوية "يهدف للمصالحة مع كافة التيارات الأيديولوجية بمصر، أسوة بما حدث في تونس". وقال عن "هوية":"هو تيار يريد إضاءة الحركة الأدبية الجديدة وخصوصاً الأجيال المعتم عليها، سواء لأنها خارج القاهرة أو لأنها تمثل أيديولوجيا بعينها". لا نختلف مع عقل في الإضاءة، الاختلاف تحديداً في "أسلمة الإبداع" وفي المطالبة بالوجود داخل لجان الأعلي للثقافة، فيرد:"وما الضرر في وجود الإسلاميين في اللجان إذا كانوا مؤهلين لذلك؟" الضرر يكمن في الرقابة، في القيود علي الإبداع وفي التكريس لأدب إسلامي لا يمكنه أن يتحاور مع تابو الدين والجنس. عقل يري أن ذلك لن يحدث، لكنه يؤكد في نفس الوقت أن كل ثقافة لها أطرها الأخلاقية، ويضيف:"علي التيار اليساري والليبرالي أن يتحاور مع الإسلامي للوصول لحلول، لا فائدة من إقصاء الآخر، لأن البديل أن يكوّن التيار المُقصي ائتلافات". يواصل عقل:"تيار هوية اتخذ موقفاً قوياً من هجوم الشحات علي نجيب محفوظ، وتحاورنا مع السلفيين في موضوع التماثيل، وفتحنا معهم حوارات في الفن والحب في الإسلام ونحضر الآن قافلة ثقافية واقتصادية لبورسعيد". سألته: ومن يدفع الإمدادات؟ قال: "أعضاء التيار وصل عددهم الآن لستين عضواً وفي تزايد وهم يساهمون". تبدو لي الإجابة غريبة، لكنني أواصل: وعلي مستوي الثقافة، ماذا يريد تيار هوية تحديداً؟ أجاب عقل:"في لقائنا بوزير الثقافة طالبنا بتنوع الأجيال داخل لجان المجلس والانفتاح علي الأقاليم. نريد معايير عادلة". المشكلة في وجود الإسلاميين في لجان المجلس أنها ستفرض نوعاً آخر من الرقابة، الرقابة الدينية. أسأل عقل: في حالة تعارض النص الأدبي مع النص الديني، هل سيقبل الإسلاميون مرور النص؟ يجيب: "سيتم الحوار حينها!" ونحن نعلم جيداً أين ينتهي الحوار. يقول عقل إن البيان التأسيسي هدفه "عدم إقصاء أحد" رغم أن البيان نفسه قائم علي "استرداد الهوية الإسلامية" لمصر، وأن نعود كما كنا في بدايات القرن العشرين، حيث تجاور التيارات الأيديولوجية". رداً علي تيار هوية، تحدث مثقفون. الكاتب سيد الوكيل، رئيس سلسلة "حروف" بهيئة قصور الثقافة، كان متحمساً في البداية لتيار هوية، بفكرة أنه سيضيء من جديد كما أنه يتوافق مع ما عرضه علي الدكتور عماد أبو غازي (عندما كان وزيراً) وخلاصته أن علي سياسات وزارة الثقافة أن تراعي موضوع الهوية، وقدم مفهوماً للهوية نشر في أكثر من مكان. يقول الوكيل:" فرحت وقلت إن الإفكار الصادقة تتلاقي وتثمر، وسريعاً ما سمعت عن لقائهم بوزير الثقافة وأمين الأعلي للثقافة، ووجدت كلاماً خطيراً وضيقاً ربما يعيدنا إلي أسوأ ما كنا عليه". وأوضح الوكيل:"أقصد بذلك كلام محمود خليل الذي طالب بنصيب للتيار الإسلامي في لجان المجلس واستبعاد بعض الاسماء التي يعتقد أنها تمثل التيار الشيوعي". وذكر رئيس سلسلة حروف نص كلامه:"حذر محمود خليل من أن تستقل أسماء قانونية بعينها، وبينهم الدكتور محمد نور فرحات وحسام عيسي وأحمد مرسي بتشكيل مستقبل مصر الثقافي عبر كتابة لائحة الأعلي للثقافة الجديدة، في حين تستبعد التيار الإسلامي رغم هيمنته علي أرض الواقع وتحولنا تدريجياً لمصر حمراء" في إشارة لهيمنة اليسار علي النخب الثقافية". يقول الوكيل:" فهمت حينها أن الهدف ليس ترسيخ معني الهوية وبحثه علي أسس علمية وموضوعية بقدر ما هو سعي وراء أنصبة في العمل الثقافي وفق توزيعات مؤدلجة ومسيسة، وهو ما يعني مزيد من التمزق". ويختم الوكيل بتوجيه كلامه لوزير الثقافة وأمين الأعلي للثقافة "ألا يخضعا لأساليب الابتزاز مهما كانت". كما طالب المثقفين بأن ينتبهوا لهذا المنعطف الخطير". الروائي أحمد أبو خنيجر كان مندهشاً من طموح تيار ثقافي إسلامي في السيطرة علي وزارة الثقافة بلجانها، وقال:"أنا ضد فكرة وجود تيار ديني في الثقافة، فما معني وجوده سواء كان إسلامياً أو مسيحياً! وما معني أن يكونوا جزءً من لجان! ما هي معاييرهم التي سيحكمون بها علي الإبداع! فالإسلاميون ضد الأدب والفن". وأضاف:" أنا مع وجود الاسلاميين في الحياة، لكن في نفس الوقت ضد أن يكونوا في السلطة لأنهم سيجعلونها دينية. عليهم أن يبدأوا بصنع فن أولاً ثم يطالبون بعدها بالدخول في اللجان. أنا مع أن نري المختلفين معهم لنتحاور، أما فكرة وجودهم في المؤسسات فالموضوع في حاجة إلي مواجهة. إنهم يكافحون للوصول للثقافة كما يفعلون في التعليم، وهي معركة لا يجب تأجيلها وعلي المثقفين مواجهتها بشكل حاد، وليس هناك وقت للمهادنات". وختم أبو خنيجر:" هي معركة حياة أو موت وعلينا أن نقاوم أسلمة الفنون". الكاتب سعيد الكفراوي نظر للقضية بشكل أرحب، قال:" لا شك أن الإسلام السياسي بعد ما حقق نجاحاً في الانتخابات أعطته شرعية الوجود، أصبح ينظر للمستقبل باعتبار ما يجري علي ارض الواقع كامتداد لحركته الدينية، وأول مجال يختبر به وجوده هو الثقافة". لكن كيف تري مشاركة الإسلاميين في العمل الثقافي؟ يجيب الكفراوي:" لست ضد أن يشاركوا في نشاط ثقافي يعين العقل المصري علي تجاوز واقعه الراهن، لكنني ضد أن تصادر كل الرؤي الأدبية والنقدية والإبداعية لصالح تيار واحد. أنا أنظر للمستقبل بترقب، أخشي استيلاء ثقافة أحادية الجانب علي واقع التفكير وأخشي تغلب الأغلبية البرلمانية علي المشهد الثقافي العام". وكيف تري المشهد حال وصولهم للسلطة الثقافية؟ يقول الكفراوي:" مشهداً كئيباً، حيث مقص الرقيب يمر علي الابداع الأدبي والسينمائي". يضيف:"دعني أخبرك أنني مع أن يأخذ الإسلام السياسي دورته حتي نستطيع أن نراه كيف يجيب علي مشاكل الوطن عبر مستوياتها المتعددة. أري أنه قبل نهاية الدورة البرلمانية الحالية سيعلن إفلاسه ويتحول لتيار من اثنين: إما لجماعة فاشيست أو يترك الساحة ويمضي". ويضيف:" أما ما يخص الثقافة، فعلي المثقفين المستنيرين الممارسين للإبداع والتفكير التصدي فعلاً لما يحاك للعقل المصري". أسأل الكفراوي: أتعتقد أنه يمكن الوصول لحلول وسط بين اليسار والإسلاميين؟ يجيبني بوضوح:" ليس هناك أرض مشتركة بينهما ليتم الحوار، الإسلاميون في الحقيقة تيار رافض للتيارات الأخري، وقد ظهرت بشائره في الحجاب وعذاب القبر وموقفهم من نجيب محفوظ. الإبداع يغير الواقع ويطرح اسئلة جديدة، والإسلاميون لا يحبون تغيير الواقع ولا طرح أسئلة جديدة. في ظل الأغلبية أنت طول الوقت ظهرك للحائط، وعلي الثقافة أن تقاوم وتفتح الطريق أمام كل الاحتمالات. علينا أن نسعي لمجابهة هذا التيار والتيارات الشبيهة به". في ظنك، هل بوسعهم صنع ثقافة حقيقية لو تسلموها؟ يجيب الكفراوي:"ربما حققوا أغلبية برلمانية، لكن رهاني أنهم لن يصنعوا ثقافة حقيقية يشارك بها تيارات جادة. فالإسلام السياسي لن يكون علي مستوي اللحظة، حتي لا أقول إنه سيفشل، ولن يقدم إجابة حقيقية لأسئلة الوطن. بالمناسبة، أنا لا أري فروقاً كبيرة بين السلفيين والإخوان، كلهم متشابهون. إنهم يحلمون بالخلافة، ولا يمكن ان يصنعوها بالتنوير وسيادة القانون والديمقراطية. إنها معركة المثقفين". وأخيراً، ورداً علي الأسماء التي قدمتها جماعة "تيار هوية" إلي المجلس الأعلي للثقافة للمشاركة في تعديلات قانون المجلس، قال سعيد توفيق:" لقد وافقت أن يقدموا اسمين أو ثلاثة بعد أن اقترحوا ذلك، لكنني سأنظر في هذه الاسماء، ولن يجبرني أحد علي فعل ما لا أرغب.. كما أنني لستُ خاضعاً للتهديد". وبخصوص الفساد في وزارة الثقافة التي اشارت إليه هوية، قال أمين الأعلي للثقافة:"نحن من نتصدي للفساد وليس هم، وأنا بدأت في فعل ذلك بالطبع".