لا أظن أن هناك اختلاف علي ضرورة وجود رقابة علي عمل الجمعيات الأهلية، خاصة إذا كان التمويل الذي تعتمد عليه تلك الجمعيات واردا من الخارج. إلا أن الحملة التي تقودها فايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولي في إحكام الرقابة علي تمويل تلك المنظمات يثير الكثير من الشكوك حول الأهداف الحقيقة لهذه الحملة. أول هذه التساؤلات يتعلق بآلية الرقابة وبأحقية الدولة، والدولة وحدها، في فرض تلك الرقابة وتفعيلها. فقانون الجمعيات الأهلية الحالي لا يعطي للمجتمع وأفراده دورا حقيقيا في مراقبة عمل تلك الجمعيات ومصادر تمويلها، بل يحصر أساليب الرقابة في أجهزة الدولة، وأهمها وزارتي الشؤون الاجتماعية والتعاون الدولي. وكلنا يعرف أن صاحب القرار الأساسي في هذا الأمر لم يكن وزيرة الشؤون الاجتماعية أو وزيرة التعاون الدولي بل الأجهزة الأمنية، وأهمها جهاز أمن الدولة. وأنا أري أن مجتمعا ديمقراطيا حقيقيا يتمتع فيه المواطنون بحقوقهم كاملة ويمارسون مسؤولياتهم السياسية والاجتماعية بوعي وشفافية هي الوسيلة المثلي لإحكام رقابة المجتمع علي هذه الجمعيات، وإن كان للدولة وللقانون دور فيجب أن يقتصر هذا الدور علي إجبار الجمعيات علي الإفصاح عن مصادر التمويل وأوجه صرفها. ثانيا، يحار المرء في فهم الانتقائية التي تتبعها الحكومة الآن في حملتها علي الجمعيات الأهلية، فمن ناحية وجهت فايزة أبو النجا جام غضبها علي الجمعيات الأمريكية التي تقوم بنشر مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، بينما صرفت النظر عن الملايين التي وردت من السعودية والخليج لتمويل الانتخابات البرلمانية في انتهاك خطير ليس فقط لقانون الجمعيات بل أيضا لقانون الانتخابات والأحزاب السياسية. ومن ناحية أخري، وإذا كنا نتحدث عن التمويل الأمريكي تحديدا، فمن اللافت للنظر عدم اكتراث فايزة أبو النجا بمعرفة المصير الذي تؤول إليه مليارات الدولارات التي يتلقاها المجلس العسكري، أكبر متلقي للتمويل الأمريكي في مصر. ثالثا، هناك شكوك حقيقية وراء الغرض من هذه الحملة الشعواء. ففي شهادتها في التحقيقات التي يجريها المستشاران سامي أبو زيد وأشرف العشماوي في قضية التمويل الأجنبي تقول فايزة أبو النجا إن التمويل الأمريكي لبعض المنظمات الأمريكية العاملة في مصر بعد الثورة كان بقصد "إيجاد حالة من الفوضي لإجهاض فرصة حقيقية أمام مصر تمكنها من استعادة مكانتها إقليمي ودوليا." أما سبب ارتيابي في هذا الادعاء فهي أولا: إنها تأتي متزامنة مع الإعلان عن عزم الحكومة إعادة تقديم قانون الجمعيات الأهلية القديم الذي يحكم الرقابة علي كل الجمعيات الأهلية وليس فقط الجمعيات الأجنبية، الأمر الذي يجعلني أشك أن حملة فايزة أبو النجا تستهدف جمعيات حقوق الإنسان تحديدا عقابا لها علي الدور الهام الذي قامت به بعد الثورة، فجمعيات حقوق الإنسان هي التي طالبت بمحاسبة المسؤولين علي قطع الإنرنت أيام الثورة، وهي التي شنت حملة ناجحة لوقف إحالة المدنيين علي المحاكم العسكرية، وهي التي رفعت قضايا ضد الجيش لقيامه بالكشف علي عذرية المتظاهرات، وهي التي طالبت بفتح التحقيق في واقعة فتح السجون وتوزيع الأسلحة وقتل السجناء، وهي التي تبنت الدعوة لإعادة هيكلة قطاع الأمن. ثانيا، شهادة فايزة أبو النجا في التحقيقات يراد بها خلط الأوراق عن المتسبب الحقيقي في إشاعة الفوضي بعد الثورة، فكما أوضحت التحقيقات في قضية مذبحة بور سعيد، فإن المتسبب الحقيقي في حالة الفوضي التي نعيشها الآن ليست أمريكا ومنظماتها العاملة في مصر بل جهاز الأمن المصري والمجلس العسكري العسكري الحاكم. ثالثا، أري أن فايزة أبو النجا بكلامها هذا تحاول أن تطمس تاريخها في الدفاع عن نظام مبارك الذي لم يسقط، ففايزة أبو النجا هي التي كانت تدافع عن نظام مبارك في كل المحافل الدولية أثناء عملها في وزارة الخارجية، وهي التي خدمت في أكثر من حكومة أثناء عهد مبارك، وهي التي فازت بمقعد في مجلس الشعب عن الحزب الوطني الديمقراطي في انتخابات 2010 المزورة. صحيح اللي اختشوا ماتوا.