عن دار العين للنشر صدر مؤخرا كتاب الناقد المغربي محمد مشبال الأخير تحت عنوان "البلاغة والأدب.. من صور اللغة إلي صور الخطاب"، الكتاب يضم عددا من الفصول مثل "عن تحولات البلاغة"، "عن البلاغية: بين بلاغة الأدب وبلاغة الحجاج"، "البلاغة العربية وصور الخطاب"، "نحو بلاغة أدبية" و"في نقد مقاربات بلاغية""، بالإضافة إلي الخلاصة، ويحدد فيها الكاتب غرضه من الكتاب: "لا يمتلك لفظ "البلاغة" دلالة مطلقة. وقد كانت إحدي غايات هذه الدراسة السعي إلي تحديد مبدأ عام يسوغ استخدامه علي نحو محدد يردم الانشطار الذي قصم النظرية البلاغية إلي اتجاهين متعارضين، يُعنَي أحدها بصور الأسلوب، بينما يعني الثاني بمظاهر الحجاج. وجد الاتجاه الأول في الأدب ما ساعده علي الاستقلال بذاته والظهور بأشكال مختلفة، ولم تكن "الأسلوبية" سوي أحد هذه الأشكال. ووجد الاتجاه الثاني في الخطاب الإقناعي ما دفعه إلي الظهور في صيغ جديدة، لعل أهمها ما يسمي اليوم بالبلاغة الجديدة أو نظرية الحجاج." يبدأ الكاتب من المفاهيم القديمة للبلاغة من مفاهيم أمين الخولي للبلاغة حتي ريفاتير وجيرار جينيت والأسلوبيين وغيرهم. وعن طريق الاستشهاد بأفكار النقاد الأدبيين والفلاسفة يتمكن من عرض بانورما واسعة لمفهوم البلاغة، كما يعرض لخلاف العقاد الشهير مع أحمد شوقي، وعدم إعجاب العقاد بالمفاهيم القديمة للبلاغة، هو الذي كان يسخر من ابن المعتز الذي يجعل الهلال منجلا صنع من الفضة وهو يحصد النجوم."، والمحنة الأكبر كما يحدد التي حدثت للبلاغة في التاريخ الغربي كانت في القرن التاسع عشر، هي المحنة التي شهدتها في أواخر القرن التاسع عشر عند انسحابها من برامج التعليم في فرنسا، وهو ما كان يعني انسحابها من الحياة أو موتها، قد تتعدد أسباب هذه النهاية الحزينة لأقدم حقل معرفي في تاريخ الفكر الإنساني، ولكنني أريد أن أثبت هنا أن ازدهار البلاغة مرتبط باتساعها ورحابة موضوعها. فالقول باختزال البلاغة وانحسارها من نظرية في الخطابي إلي نظرية في الاستعارة، هو إقرار بتحول موضوع البلاغة من النص إلي الكلمة، ومن التواصل إلي التحسين، أي منن بلاغة كلية إلي بلاغة جزئية." بلاغة القرآن استأثرت بأجزاء كبيرة من الدراسة. وعنها يقول الكاتب: "لقد شكل النظر في القرآن من حيث هو نص أدبي أو نص بليغ مناسبة لإعادة النقاش حول موضوع البلاغة وحدودها وأدواتها وإمكاناتها وغاياتها. فالسياق الأدبي الذي انطلق منه هذا النظر سياق مغاير يحتفي بالأدب من حيث هو نشاط جمالي منزه عن الأغراض العملية والنفعية، نشاط يعبر عن الإحساس الجمالي عند الإنسان، فهل تملك البلاغة القدرة علي وصف هذا الإحساس وتفسيره علي نحو ما تمت ترجمته أو تسجيله في صور قرآنية بليغة؟ لقد حرك مثل هذا السؤال التفكير البلاغي الحديث الذي انخرط في مشروع نقد البلاغة القديمة وتجديدها. ولقد كان الأساس النظري الذي أقيم عليه هذا المشروع التجديد هو تحويل البلاغة من علم وصفي تصنيفي إلي علم تفسيري تأويلي. فالنصوص الأدبية والبليغة العظيمة لا يجدي معها المنهج المنطقي النظري الذي يعني بالأدوات والقواعد علي حساب التجربة الإنسانية المصورة. من هنا قامت الحاجة إلي منهج أدبي قادر علي تفسير هذه التجربة وتوصيلها."