الدمُ الذي سالَ فوق أرصفةِ الميدانِ، حين سألَه الإسفلتُ عن لونِه قال: لوني خمريّ.. الفَتي الذي أينعَ الرصاصُ في صدره العاري، حين سألتْه الملائكةُ عن ديانتِه أجابَ: ديانتي مصري/ ثم عبرَ خطَّه الهمايوني إلي الجهةِ الأخري من الموت.. ذلك الفتي الذي حملَ جلجثَته إلي ماسبيرو، رأي الموتي الذين يزدحمون به أن الدمَ الذي يضيءُ الذاكرةَ، يمضي ولايعودُ/ بينما الأحلامُ قد تآمرتْ عليه وقتلتْه، دونما ديكريتو آخر.. وحدَه كان يقفُ بإزاء دمِه، تحت غيمة تشبهه (ربما لأنها تشبُه كلَّ ما نحُبه)، هكذا ظلَّ ينتظرُ عرسَه السماوي.. وحينما أغمضوا عينيه استيقظَ بغتةٌ، فأدركُوا أنهم ما قتلوه ولكنْ شُبه لنا.. في ربيع مباغتٍ -رغم أن له حضوراً جنائزياً- ظلَّ ينتظرُ نفسَه (حتي التقاها)، وحين التقاها كانتِ الروحُ تنادي أسلافَها.. القديسون الذين كانوا يسكنونها -في خفةٍ خالصةٍ- سكنوا إليها، ثم أسلموا جسدَه لأحلامه.. حاشية ذلك الولدُ الذي منحَه (العجايبي) اسمَه، اندهشَ- من قبل- حين عرفَ أنّ (سمعانَ الخرَّازَ) قد حرَّكَ المقطمَ عن موضعِه بصلاتِه، لكنه لم يدركْ أنّ دمَه الذي سالَ قد حرّكَ كلَّ جبالِ مصرَ عن مواضعها دون أنْ يصلي.. من المؤكدِ أنه لن يدخلَ »تاريخَ البطاركِة« ولن يدوِّنوا اسَمه في »كتابِ السنكسارِ«، لكنه يسندُ رأسَه الآن- دون أن ندري- إلي الصخرةِ المقدسةِ بديرِ المحرَّقِ، وربما يكون معتكفاً في ديرِ الأنبا أبشوُي، أو متنسكاً في ديرِ مار مينا.. ولأنّ الأحمرَ لونُ دمِه الأبيضَ لونُ حلمِه الأسودَ لونُ عينيه لذا يصبحُ غيابُه - في حدِّ ذاتِه- جريمةَ قتلٍ جماعيٍ لهذه الألوانِ الثلاثة..