أسعار الذهب في مصر اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    استعدوا ل قطع المياه غدًا.. تنويه هام لسكان هذه المناطق    استقبال الشرع بواشنطن يقلق إسرائيل بسبب جبل الشيخ    شاهد البث المباشر.. مباراة منتخب مصر ضد الجزائر الودية استعدادًا لبطولة كأس العرب 2025    اليوم.. مهرجان القاهرة السينمائي يعرض 26 فيلما    مؤتمر السكان والتنمية.. «الصحة» تنظم جلسة حول مقومات مصر التنافسية في خدمات السياحة الصحية    ضربة روسية عنيفة بصواريخ كينجال على مواقع عسكرية حساسة فى أوكرانيا    رئيس كوريا الجنوبية يعلن زيارته لمصر والإمارات الأسبوع المقبل    يوفر أكثر من 5 آلاف فرصة عمل.. أبرز المعلومات عن المركز الزراعي المتكامل    وداع موجع لأيقونة الزمالك.. محمد صبري يرحل قبل أن يفي بوعده لجمهوره    الداخلية: ضبط أكثر من 6 أطنان دقيق خلال حملات مكافحة التلاعب بأسعار الخبز    الداخلية تضبط آلاف المخالفات في النقل والكهرباء والضرائب خلال 24 ساعة    ضبط مصنع غير مرخص لإنتاج أعلاف مغشوشة داخل الخانكة    تعرف على الحوافز المقدمة لمصنعي السيارات ضمن البرنامج الوطني لتنمية المجال    عالم أثار إسبانى: المتحف المصرى الكبير مبهر وفخم وكل زائر سيشعر بعظمة الحضارة    دار الكتب والوثائق تعيد إحياء تراث مجلات الأطفال في احتفالية الطفولة    إسرائيل ترفض منح رئيس وزراء النرويج تصريح دخول لهذا السبب    رئيسة نايل تى فى: مقترح تغيير شعار القناة قدمه فريق التطوير والقرار للهيئة    الهام شاهين للمخرج محمد عبدالعزيز: "عندك خلطة النجاح ولك يد كبيرة في صنع الهام شاهين "    العثور على جثمان غريق داخل ترعة مياه فى جنوب الأقصر    نشاط الرئيس الأسبوعي.. قرار جمهوري مهم وتوجيهات حاسمة من السيسي للحكومة وكبار رجال الدولة    الحماية المدنية الجزائرية: اندلاع 22 حريقا في عدة ولايات واستمرار عمليات الإخماد    أحمد سليمان ينعى محمد صبري: «فقدنا أكبر مدافع عن نادي الزمالك»    رحيل زيزو المجاني يدفع الزمالك للتحرك لحماية نجومه    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : سابق بالخيرات باذن الله ?!    حصن يومك.. أذكار الصباح والمساء ترفع الطمأنينة وتزيد البركة    وفاة نجم الزمالك ومنتخب مصر السابق محمد صبري إثر حادث سير    مؤتمر السكان والتنمية.. «الصحة» تناقش النظام الغذائي ونمط الحياة الصحي    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 14 نوفمبر في سوق العبور للجملة    وفقا للقانون.. 4 موارد صندوق الضمان الاجتماعي وآليات محددة لتوزيع الاعتمادات    خطا بورسعيد والصعيد الأعلى في تأخر قطارات السكة الحديد    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    توافد الأعضاء فى الساعة الأولى من التصويت بانتخابات نادي هليوبوليس    زيارة الشرع لواشنطن ورسالة من الباب الخلفي    موعد مباراة جورجيا ضد إسبانيا فى تصفيات كأس العالم 2026    صندوق "قادرون باختلاف" يشارك في مؤتمر السياحة الميسرة للأشخاص ذوي الإعاقة    الثلاثاء.. إعلان نتائج المرحلة الأولى وبدء الدعاية الامنخابية لجولة الإعادة    الصحة: فحص أكثر من نصف مليون طفل للكشف عن الأمراض الوراثية    طريقة عمل المكرونة بالسي فود والكريمة بمذاق أحلى من الجاهزة    هطول أمطار وتوقف الملاحة بكفر الشيخ.. والمحافظة ترفع حالة الطوارىء    براتب يصل ل45 ألف جنيه.. 6200 فرصة عمل في مشروع الضبعة النووي    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة في شمال سيناء    اليوم العالمي لمرضى السكري محور فعالية توعوية بكلية تمريض «الأزهر» بدمياط    خالد الغندور: اجتماع منتظر في الزمالك لحل أزمة مستحقات جوميز ويانيك فيريرا    بعد حلقة أمنية حجازي .. ياسمين الخطيب تعتذر ل عبدالله رشدي    وداع موجع في شبين القناطر.. جنازة فني كهرباء رحل في لحظة مأساوية أمام ابنته    الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية تشارك في احتفالية يوم الوثيقة العربية بجامعة الدول العربية    هل ثواب الصدقة يصل للمتوفى؟.. دار الإفتاء توضح    المجلس الأعلى للتعليم التكنولوجي يوافق على إنشاء جامعة دمياط التكنولوجية    جامعة المنيا تنظم ورشة عمل لأعضاء هيئة التدريس حول طرق التدريس الدامجة    سنن التطيب وأثرها على تطهير النفس    سرّ الصلاة على النبي يوم الجمعة    كيف بدأت النجمة نانسي عجرم حياتها الفنية؟    مصرع شقيقتين في انهيار منزل بقنا بعد قدومهما من حفل زفاف في رأس غارب    التفاصيل الكاملة لمشروع جنة مصر وسكن مصر.. فيديو    إيران تطالب الأمم المتحدة بمحاسبة واشنطن وتل أبيب على ضرباتها النووية في يونيو    السيطرة على حريق شب في مخزن للمساعدات الإنسانية جنوب العريش    «الصحة»: التطعيم ضد الإنفلونزا يمنع الإصابة بنسبة تزيد على 70%    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



»فيزيك« حسن داوود:
مرثية الزمان والمكان
نشر في أخبار الأدب يوم 11 - 09 - 2011

»فيزيك« هي الأحجار الصلدة التي تتكوم قرب المنشآت الحديثة. هي هذا الرصيف المُبلط في طريقك إلي كافيه »دو ليتوال« أو »بنكو دو روما«. الأبنية التي ترتفع في الساحة كالأعلام. أو هي تارةً أخري الشوارع التي تصعد بك إلي مدنٍ جديدة، مثلما تنزل بك إلي أزمنة سحيقة. في الصعود بشر من كل حدب ينسلون، وفي النزول بشر هم السابقون السابقون. »فيزيك« هي خليط التراب، الحديد والأسمنت الذي يستقر في قاع الذاكرة كما يستقر الخاتم علي صفحة الشمع. كما الطبيعة الأم الفنانة التي تنحت الكهوف، وتشق الوديان والصخور تشق »فيزيك« - دار الساقي 2011 طريقاً متميزاً في الكتابة يصعده »حسن داوود« بلا شريك!.
تستقر »الأرض« من تحت الكتل المصبوبة فوق أديمها صباً، تتقاسم بطولة المكان مع حمولتها الثقيلة التي تشق سطحها السميك. لكن الأرض من حيث هي كذلك صمت مطبق. أو قل هي إنغلاق لا يفض أختامه إلا البشر الذين يحاورون صمتها، ويزيلون الخرس الذي يكمم شوارعها، أفنيتها وأبراجها. فتنطلق هذه المناجاة التي تجعل من الأبنية أبنية »أناس سابقون« صعدوا طوابقها، وارتادوا مقاهيها، وخلفوا وراءهم عالماً مضي. هي كذلك وأكثر عندما تقرأ قصصاً مثل »وسط بيروت« أو »منازل بناية ماتيلد« أو »ليزا الباقية وحدها في وادي أبو جميل«. حيث الأبنية، الطرق، المحلات والأفنية تحدد وعي الإنسان وتبنيه، مثلما يحددها ويبنيها. طالما أنها شريك معاناته، آلامه وأفراحه. فوق هذه الأرض الممهدة تأخذ الأبراج الجديدة في الصعود علي أنقاض أخري كانت هنا يوماً ما. يبدأ مقهي جديد في نشر صداقات ربما سترتبط باسمه لوقت طويل. تبدأ، أيضاً، صداقات مماثلة تعقدها نسوة من شرفات المنازل، أو تطل منها علي الساحة المبسوطة للناظرين. علي هذه الأرض كان يقوم »عالم« تختزن معالمه، سياجاته ونوافذه المعاناة اليومية لقوم كانوا هنا. تختزن تجربة الأيام، الشهور والسنين. بالضبط مثلما يبدو هذا العالم الآن، وكأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة عالم جديد يوشك أن يبدأ: »هنا كان محل الخياط الذي خاط لي بدلة وأنا صغير، أو يقول هنا كان المحل الذي يبيع ليموناضة مثلجة!«.
لكن »فيزيك« أيضاً هي الفجيعة والحسرة التي تخلفها البنايات التي هجرها سكانها هرباً من موت محقق، أو خراب أو دمار. هنا في هذا المكان كانت تقوم بناية »ماتيلد«: »فقط بنايتنا بناية ماتيلد، أزيلت كلها، بطبقاتها الخمس وحديقتيها الصغيرتين عند مدخلها وسطحها أيضاً الذي أقمنا عليه عرس عمي في 1962«. بالضبط مثلما كانت بناية »بيت الأسود« عامرة بأصحابها في الأيام الخوالي. أو حتي وادي أبو جميل الذي تسكنه »ليزا« اليهودية وحيدة بعد موت أمها، وبعد أن تفرق ذويها في مشارق الأرض ومغاربها. ومن ثم يظل المكان، مدينة، شارع أو شرفة هو الخلفية التي لا يكتمل وجود الإنسان إلا بوجودها. فكأن السارد يريد أن يتذكر، وكأنه يريد أن يسجل. ولسان حاله يقول لا يجب أن ننسي أبداً هذه الأرض، وهؤلاء الناس!. ربما تأسيساً لذاكرة مدن أصبحت خاوية علي عروشها في بلد ذاق ويلات الحروب لسنواتٍ طوال.
وقد يُقلب السارد بصره في أحوال الناس، فيعطف مفارقاتهم بعضها علي بعض، ويجلو صورهم في مرآة السرد. فتنقلب فيزيك - المكان إلي فيزيك الزمان بقدرة قادر. فنغدو في حضرة فلان الذي فعل، وفلان الذي قُتل. أو حتي في حضرة هؤلاء الذين جمعتهم كاميرا سميح الشيخ محمود، وفرقهم الزمن: »أخي يقول إن الصور التي مع سميح تساوي ثروة، وسميح يجيب: إي والله مضبوط بتسوي سروي«. مثلما كانت صورة »مرحة« و»فرحة« مناسبة تتمدد بها الذاكرة في أكثر من اتجاه، في الاتجاه الذي يوّتر حاضرنا باتجاه ماضينا. أو ماضينا باتجاه حاضرنا. حتي تصبح الصورة الفوتوغرافية لقطة أُخذت لزمن، وكاميرا صورت النفوس!. ولا تبتعد كاميرا سميح الشيخ محمود عن كاميرا السارد نفسه التي لا تغادر شاردةٍ ولا واردةٍ إلا أحصتها في قصص مبين. فتصور لنا ما تصور عن مهابيل الضيعة: »لماذا، إذن، يظل أولئك الثلاثة، الذين يسمونهم مهابيل الضيعة متفرقين هكذا، لا يسلم أحدهم علي الآخر حين يراه؟«. هكذا يتساءل السارد عن محمد وطفا، إبراهيم بوصالح وحسين بوجعفر المهابيل الثلاثة الذين لا يشبه بعضهم بعض، ولم يصاحبوا بعضهم البعض، أو يتزوجوا من البنات الشبيهات بهم. أو تصور لنا ما تصور من أمر الإنجليز الذين نثروا الخوف بين أهالي »الشومرا«، ومثّلوا بأبنائها واحداً تلو الآخر.
هذا الجدل بين أرض وعالم هو كما أري ما يصنع خصوصية هذه المجموعة القصصية. علي النحو الذي يمكن القول معه أن السارد قد استطاع أن يغمر وعينا بضوء جديد لا يفارق فيه المكان حضور الزمان، ولا تتوقف فيه الأبنية عن تغذية ذاكرتنا بالصور الحية النابضة بالألوان، الزوايا والذكريات. هذا بالإضافة إلي تخليص المكان بطريقة مخصوصة من وطأة التمثلات الإنسانية التي تدنو به إلي حال من الاتحاد مع فوضاها العاطفية. صحيح أن السارد قد قرن بين أقانيم المكان، وبين الذاكرة البصرية في نهاية المطاف. غير أنه استطاع أن يصور فيسجل، مثلما استطاع أن يصور فيخيّل. طالما أن التسجيل يلتفت إلي الصورة في بعدها التوثيقي، مثلما يلتفت الحكي إلي الصورة في بعدها الشعري. فتصبح حكاية الشرفات التي تقوم بدور النوافذ حكاية لضيق الذات الإنسانية، بالضبط مثلما هي حكاية لضيق المكان. وتصبح المنازل الخاوية، أو الأبنية التي تنتظر التجديد أو حتي الأبنية المهدمة رثاء وندب من طرف خفي للحوائط والنوافذ والسلالم التي شكلت حينا أو مدينتنا الغائبة تحت الأنقاض. أو حتي شكلت ملعب الطفولة المدفونة في أعمق أعماق الذاكرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.