قُبُور

هذا قبر صلاح...
رُبَّما يكون الأفُقُ احْتِمَال عِطرٍ
رُبّمَا تكون الشَّهْوَة
آخِر مَا يَنْجُو بِهِ مَنْ أزَلِهِ.
كانَ كُلّ صَباح
قبْلَ أنْ يُوقِظ أصَابِعَهُ
يُدْلِي
بِوَصِيَّتِهِ
ثمّ يَنْصَرِفُ.
الحِبْرُ الذي كانَ مِرْآة رُوحِهِ
لمْ يَزَلْ يَحِنُّ لاشْتِعَالِهِ.
لمْ يَأنَسْ لِشَجَرٍ وَارَي ظِلَّهُ
وَاكْتفَي
بِظِلالِ غَيْمَةٍ كَسَتِ العُشْبَ بِخُضْرَتِها.
يَدُهُ
لم تَجْرَحْ وَتَراً
ولا
أطْفَأتْ رواء ماءٍ
حُرّاً كان يَسِيرُ
يَدُهُ
كانتْ تنْحَني
كُلَّمَا طَافَ بِها حِبْرُها
أو
رَمَتْها نِدَاءاتُها
في جِراحِ غَيْمَةٍ عابِرَهْ.
قبر السِّياب...
لَمْ تَكُنْ جَيْكُورُ نَامَتْ مَسَاءَ ذَلِكَ اليَوْم
ولا بُوَيْبُ غَيَّرَ مَجْرَي لِسَانِكَ.
وَفِيقَةُ، هي وَحْدَها مَنْ أدْرَكَتْ
أنَّ شُبَّاكَها مَفْتُوحٌ علي قَمَرٍ
بَدَّدَ أزْهَارَهُ
بين أشْجَارٍ ذابِلَهْ.
أَلِهَذا
أنْتَ كُنْتَ وَاثِقاً
مِنْ مَسَائِكَ
أَمْ
أنَّكَ
كُنْتَ قَرِيباً مِنْ سَمَائِكَ.
لِمَ غَيَّرَتْ كُلُّ الفَرَاشَات رِيحَها
وَأصَابَتْ تُرَابَكَ
بِرَفِيفِ غُبَارِها
ما الذي بَقِيَ مِنْ كلامٍ
بِهِ كَتَبْتَ آلامَكَ
غَيْر هذا الكلام الذي صَارَ
لِفَرْطِ رَهَافَتِهِ
سَرِيراً لِسَمَائِكَ.
بَجَعَات رامبو...
مَا حَجْمُ المَسَافَة التي تَفْصِلُ بينَ دَمِكَ
وَبينَ هذهِ الصَّحراء.
وَلِمَنْ تَرَكْتَ أشياءَكَ الصَّغِيرَة
حِدَاءُكَ مَثلاً...
أَكُنْتَ علي صِلَةٍ بِما يَجْرِي في الأُفُقِ
وَدَنَوْتَ بِما يَكْفِي مِنْ قَمَرٍ
كانَ يَشْرَبُ أنْفَاسَك
أمْ أنَّ يَدَكَ شَبَّتْ في اشْتِعَالِها
وَ
بَدا ما تَكْتُبُهُ
تَحِيَّةً لِلْقَادِمِينَ
لَيْسَ يَهُمُّنِي أنْ تَكُونَ أَهَنْتَ أحَداً
بَلْ أنْتَ
وَقَبْلَ أنْ تَتَّقِدَ جَمْرَةُ اللُّغَةِ
كُنْتَ وَضَعْتَ يَدَيْكَ علي أنْفَاسِ الكَلِماتِ
وَحَوَّلْتَ المعني إلي سِرْبِ بَجَعٍ
لا
أَحَدَ قَبْلَكَ
أتَاحَ لِلْكَلامِ كُلّ هذا الهواء.
السَّماءُ لمْ تَكْتُبْ كَلامَكَ
الصَّحْرَاء كانتْ أُفُقاً لِرُعُونَتِكَ
مِنْ دَمِكَ
خَرَجَتْ سُلالاتٌ أشْعَلَتْ في اللُّغَةِ
فِتَنَ جَمَرَاتِها.
عَسَلُ المعرّي...
قُدْ
قَطِيعَكَ أيُّها الأعْمَي
لا تَلْتَفِتْ للِظَّلامِ
فالْعُشْبُ كَامِنٌ
في
كَلامِك
ليلُ المُتنبّي...
أكَلْتَ مِنْ وَقْتِكَ الكَثِيرَ
لمْ تَكْتَئِبْ
ولا تَرَكْتَ الفَراغ يَخْلو بِكَ.
علي قَلَقٍ
كُنْتَ تَطْوِي الرِّيحَ
وكانَتْ يَدُكَ
تَمْسَحُ عَنْ رَسَنِ الخَيْلِ
مَاءَ شُرُفَاتِهَا
هَلْ
كانَتْ رائِحَةُ الحِبْرِ لازَوَرْدِيّةً
أمْ
كَانَتْ
تُشْبِهُ لَوْنَ الغُبَارِ.
جَاءَ الفَجْرُ إلي بَيْتِكَ
لمْ تَسْألْهُ عَنْ أوَّلِ الكَلامِ
بَلْ
نَاوَلْتَهُ
جَمَرَاتِ آخِرِ اللّيْلِ
أهذا هو اللّيْلُ الذي يَعْرِفُكَ..
جَمَرات أبي القاسم الشَّابي...
نِدَاؤُكَ أيْقَظَنِي
وَبِفَرَحٍ تَوَالَتِ العَصَافِيرُ
تُحَلِّقُ في دَمِي.
لَيْسَ في النَّافِذَةِ ما يَكْفِي مِنَ الضَّوْءِ
لِفَضْحِ هذا السَّوَاد النَّائِم في كَسَلِي.
لَزِجًا، كانَ يَأتِي صَوْتُكَ. هادِئاً،
يَرُجُّ أنْفَاسِي، وَيَأخُذُنِي إلي أقْصَي
البَيَاضِ
أيَدُكَ
تِلكَ الّتِي بَلّلَتْنِي بِحِبْرِهَا
وَأزَاحَتْ عَنِّي كُلّ هذا الّذي
بَدَّدَنِي
أمْ هَسِيسُ صَوْتِكَ
ما هَجَّجَ رُوحِي، وَأشْعَلَ جَمَرَاتِكَ في دَمِي
جحيمُ دانتي...
خِلْسَة ً
كانتِ الرِّيحُ تَشْرَبُ أنْفَاسَكَ.
لمْ تكنْ فْلُورُنْسَة بَعْدُ قد فَتَحَتْ نَوَافِذَهَا علي ريحِكَ
لا
أحَد
كانَ يَعْرِفُ أنَّكَ أنْتَ أليغْييري
وأنّ دانتي
هو حِبْرُكَ المُشتَعِل بحَرارَة المَوْجِ.
كَأسُكَ
مازَالتْ في نَفْسِ المَكانِ
ومَازَالَ غليُونُكَ، في انتظارِ مَنْ يُشْعِلْ فَسَائِلَهُ
مَنْ فَتَحَ النَّافِذَة َ مَنْ سَمَحَ لِلْغُبَارِ أنْ
يَمْسَحَ عَنِ الضَّوْءِ بَعْضَ ظِلالِهِ. كُنْتَ،
حينَ وَصَلْتَ إلي المَطْهَرِ مَسَحْتَ
شَعْرَكَ بِزَيْتٍ بارِدٍ وَتَرَكْتَ خَلْفَكَ
نَبيذاً؛ كًنْتَ أجّلْتَهُ لِلْجَحِيم ِ.
لا أحَد كانَ
يَظُنُّ أنَّكَ أنْتَ مَنْ سَيَفْتَحُ في أفُق ِ
الجَنَّةِ مَمَرّاً منه سَتَعْبُرُ الالِهَةُ
لِتَرَي كَيْفَ كانَ الشِّعْر
يُؤَجِّجُ فَرَحَ
الجَحِيم ِ.
يَدُكَ يا أليغْييري؛
لمْ تَكُنْ تَكْتُبْ فقط، بلْ كانت تُحِبُّ أيضاً
لا
تَنْسَ، وأنْتَ في مُفْتَرَقِ الجَمْرِ
أنَّ بْيَاتْرِيسَ، هي أوّل امْرَأة
فَتَحَتْ في وَجْهِك
جَسَداً
كانَ
أوَّل المَوْج
و َأوَّل ضَوْءٍ
كانَ يَقُودُكَ
نَحْوَ شُرُفَاتِكَ المُطْفَأهْ.