بحجم غرفة كاملة احتلت منحوتة الفنان العراقي أنس الألوسي التي قدمها علي شكل رأس كبير مساحة ضخمة بجاليري الفن بالزمالك ضمن مجموعة أخري من المنحوتات البرونزية البديعة التي تضمنها معرض "مجسمات خيال" .. ذلك الرأس الذي يدور بداخله عشرات الأفكار.. والذي ما إن تلف حوله حتي تجد كثيرا من المنحوتات الصغيرة التي تعيش بداخل هذا الرأس الضخم ... تماما كما تتجول الأفكار حرة في رأس كل منا . هو بورتريه شخصي - يقول الألوسي - إنه رأس الفنان الذي تدور داخله أفكار كثيرة وعواطف وهواجس وتخيلات .. صراع الإنسان وتلك الفترات التي يمر بها في تطوره .. وربما كان لهذه الفكرة علاقة وثيقة بالاسم الذي اختاره الفنان عنوانا لمعرضه "مجسمات خيال" حيث يقول: أتخيل نحتاً وأنحت أملاً ... ذلك هو الرابط بين كل منحوتاتي.. وهو ما يدور في أروقة رأسي من جماليات وانفعالات وعواطف وهواجس وتراكمات.. أحببت أن أنحت، لتولد مجسمات خيال.. فكرة المعرض الأساسية تدور حول تحويل ما أتخيله في رأسي إلي مجسم.. هو تحد يستحق أن يكون عنوانا . ولكن ليس هذا هو التحدي الوحيد .. بل إن خامة البرونز التي اختارها الفنان لتكون رفيقته علي مدار عشرين عاما تشكل كذلك تحديا من نوع آخر .. حيث يراها الفنان جوادا جامحا يجد متعة في ترويضه ، ويستطرد الألوسي عن علاقته بخامة البرونز: خامتي الحبيبة، لمسات البرونز وتكويناته تمنحني شعورا بالسعادة .. بل إنني أتخيل نفسي أحيانا مصنوعا من البرونز .. وعندما كنت أذهب لمتحف أو جاليري كنت أشعر بها تجذبني أكثر من أي خامة أخري.. ويضيف الفنان: البرونز خامة نبيلة، تصنيعها فيه تحد عملاق يجلب سعادة للمصنع. وبالرغم من عشقه لخامة البرونز إلا أنه دائم التطوير والبحث عن الجديد فيها ، فقد مزج في بعض أعمال معرضه الجديد بين البرونز وخامة الاستانلس ستيل. ويبدو أن علاقة الرجل بالمرأة هي أكثر الموضوعات التي فرضت وجودها علي معرض"مجسمات خيال" .. حيث يقول الفنان : إن المرأة هي سكن الرجل .. أراه وهو يضع رأسه علي رجل أمه أو زوجته .. أو ربما تستند المرأة إلي الرجل ليكون هو سندها أو تتدلل عليه ..ربما معا يقودان قارب الحياة ويبحران فيها .. هي حالات متنوعة أقدمها في أعمالي. وليس هذا فحسب بل يقدم الفنان المرأة في كثير من أعماله، عن علاقتها بالحياة ، وإحساس المرأة عندما تتخيل نفسها طائراً .. حيث يقول الألوسي : المرأة أكثر من نصف المجتمع .. وهي الدافع الأساسي لكل الأعمال الجميلة.. هي أجمل من الطائر في وجهة نظري .. وهي مقياس للجمال ، وهي مصدر السعادة للرجل والعائلة .. أما الأعمال التي بها خشونة فأتخيلها رجلا. وقد اكتفي الفنان بأعماله لتتحدث عن نفسها .. ولم يضع أسماء فردية للوحاته. حيث يقول: سأترك أعمالي تتحدث عن نفسها لأنها تجيد كل لغات العالم.. ومع ذلك كان لكل عمل حكاية .. ففي عمله وشوشة .. قدم الفنان أذنا كبيرة تجلس بها امرأة .. فسألته : بماذا تهمس تلك المرأة في الأذن الضخمة ، فضحك وقال: قد تهمس بأشياء جميلة وإيجابية فتدفع برجلها إلي الأمام ، أو تهمس بأشياء سلبية فتدفعه أن يترك لها أذنه ويهرب . وقد تطرق الفنان أيضا في معرضه إلي كثير من الأفكار الفلسفية ، عن علاقة الإنسان بالزمن ، وعن صراع الإنسان مع أيام الأسبوع ، والشهر، وعن نظرة كل إنسان للعمل حسب ما يعتمل في ذاته.. فعندما تكون سلبيا ، تجد أن كل الأشياء مرشوقة بك كأنها سهام مغروزة بك ، أو تكون إيجابيا فتتحول تلك السهام إلي أشعة تنير طريقك . والفنان أنس الألوسي يعيش بالقاهرة منذ عدة أعوام، حيث يتحسر علي ما حدث للعراق قائلا : العراق صار تربة غير خصبة للفن .. لأن الفن محتاج للأمان وسكينة النفس الداخلية ، ولم يكن من الممكن أن أركز في فني ونحن نشعر بالخوف علي أولادنا . وعن وجوده في مصر يقول : الحركة التشكيلية في مصر مزدهرة .. الفن بمصر يقود الحركة التشكيلية بالوطن العربي ومن يأت مصر ولا ينتج إبداعاً فليس له جذور فنية .. وهناك عدد كبير من الأسماء البارزة في النحت مثل الوشاحي والسجيني ومختار وآدم حنين ، وليس هذا فحسب بل إنني معجب بأعمال طلاب الكليات الفنية .. ويبقي أن السمة المشتركة بين الفنان المصري والعراقي هي استمرارية الحضارة ، فلدينا تراكمات حضارية عميقة.