مصر حقا بلد المتناقضات، ففى الوقت الذى نفتخر فيه بآثارنا المصرية والتماثيل والمنحوتات العظيمة التى تركتها الحضارة الفرعونية الخالدة نجد شبه تجاهل لفن النحت فى الوقت الحالى ونجد مياديننا العامة مشوهة - أغلبها - بتماثيل ما أنزل الله بها من سلطان، فلا النسب سليمة ولا اختيار النحاتين الذين قاموا بتنفيذ تلك التماثيل وفقوا فى أعمالهم، ومن هنا كانت أهمية المعرض الذى استهل به جاليرى مصر نشاطه فى الموسم الجديد بعنوان «التمثال» ليرد بعض الاعتبار لفن النحت المعاصر. مله لأنه جزء من تاريخنا العتيد.ويعتبر الجاليرى هو أحدث قاعة فن تشكيلى موجودة فى مصر ويديرها الفنان محمد طلعت مدير قصر الفنون السابق والذى لعب على تلك الفكرة، والتأكيد على فن النحت الذى له علاقة بتاريخ مصر وإعادة الاعتبار له، ومن هنا عكف الجاليرى طيلة الشهور الثلاثة الماضية على الإعداد لهذا المعرض الذى يشارك فيه عشرة نحاتين من جيل الوسط والشباب الذين عكفوا على تنفيذ تماثيلهم خلال الأشهر الماضية، وهو ما جعل أكثر من عمل نحتى يعبر بشكل غير مباشر عن مصر الثورة بناسها وأماكنها وملامح الحياة فيها فنجد النحات الشاب أحمد عسقلانى يقدم عملا نحتيا عن بائع العيش. وعملا آخر عن حيواناته المميز بها وهنا يقدم الحمار بخامة البرونز بشكل متميز. ويفاجئنا الفنان الكبير أحمد نوار بقطعتى نحت عن جبل أبوغنيم فى تشكيل هندسى مختلف عن الأعمال النحتية المعتادة، أما النحات خالد زكى فيقدم عملين نحتيين الأول لرجل وطنى جالس والآخر لرجل مشتعل والعملان يوحيان للثورة المصرية فى 25 يناير، لكن بشكل غير مباشر، أما النحات محمد الفيومى فيمارس هوايته مع الطيور والحيوانات فنجده يقوم بتشكيلات نحتية مختلفة عن العصفور والسمكة وسيد قشطة، ويغوص النحات محمد رضوان فى تاريخ مصر ليقدم عروس النيل بخامة البرونز فى ثلاثة تشكيلات مختلفة، وعلى نفس وتيرة المرأة يقدم النحات ناجى فريد المرأة المصرية فى ثلاثة تشكيلات نحتية بخامة البرونز المطلى بالنيكل، ويقدم النحات عمر طوسون بورتريهات متعددة لرجال، وكذلك يفعل النحات صلاح حماد وإن كان يزيد على طوسون عمله النحتى بعنوان صعود، أما النحاتان سعيد بدر وشمس القرنفلى فقد قررا العودة للتاريخ الأول بعملين نحتيين يصوران تاريخ المدينة فى شكل بناء رأسى متعدد الدرجات، بينما شمس يقدم بورتريهين للملك والملكة بملامح مصرية واضحة. ويجمع بين الأعمال النحتية المعروضة الرغبة فى البحث عن نحت مصرى معاصر يستلهم أفكاره من التاريخ ومن المعاصرة، ولكن بشكل متنوع يوضح قدرة كل نحات على حدة وتعبيره عن اللحظة الراهنة التى تمر بها مصر. ونعود لمحمد طلعت الذى يؤكد أن الفن ومن ضمنه النحت يتأثر بالتغيرات الاجتماعية والسياسية وهو ما شهدناه فى أعمال الفنانين النحاتين الذين تأثروا بالتغيرات التى تشهدها مصر وكانوا مصممين على التعبير عن تلك التغيرات وانعكاساتها على أعمالهم التى جمع بينها كونها مصرية خالصة وتحاول أن تعيد الاعتبار لفن النحت العظيم الذي يحتاج منا ألا نهعن الثورة والمرأة والإنسان والمكان