البركان النشط بالقرب من معرض مصر جدل واسع واتهامات كثيرة يثيرها معرض عصر بناة الأهرام الذي حاول بعض الغيورين دون جدوي وقفه بإبلاغ الرقابة الإدارية، المعرض الذي افتتحه الدكتور ممدوح الدماطي مساء الخميس 15 أكتوبر الجاري- والجريدة ماثلة للطبع يمتد حتي سبتمبر 2017، ولم تنجح اعتراضات الرافضين للمعرض في منع إخراج قطع فريدة أو نادرة للعرض المتحفي خارج مصر كما ينص القانون، فضلا عن المبلغ الزهيد الذي تم التعاقد عليه بمقارنته بالدخل الشهري للمتاحف المحلية، وهو ما يثبت أن التساؤلات المثيرة التي تتجدد عند الموافقة علي كل معرض للآثار المصرية خارج الحدود لن تفلح في الإجابة عنها حملات وزارة الآثار الدعائية التي تؤكد أن تلك المعارضت تساهم في إنعاش السياحة أو تحقق دخلا قوميا في ظل حالة الركود السياحي، ويظل التساؤل قائما حول تعريض الآثار النادرة لخطر التدمير والفقد والاستبدال خلال رحلة طويلة من التغليف والنقل وأخيرا العرض المتحفي الذي لا ينطوي فقط علي مخاطر الاستبدال بل ينطوي علي مخاطر التدمير وخاصة في بلد مشهور بالزلازل الكوارث الطبيعية، وهي قطع لا يمكن تعويضها بأي قيمة تأمينية كما انه لا يمكن في كثير من الأحيان اكتشاف تقليد القطع العائدة بعد انتهاء أي معرض في ظل التقنيات الحديثة وهو ما يرفع نسبة المخاطر ويجعل من فكرة التأمين فكرة عبثية . يضم المعرض 120 قطعة أثرية مصرية قال البيان الصادر عن وزارة الآثار بشأنها أنها قطع مكررة ترجع إلي عصر الدولة القديمة، تجوب خلالها ثماني مدن يابانية رئيسية هي طوكيو، ماتسوياما، سنداي، كاجوشيما، كيوتو، توياما، فوكوكا، شيزوكا، وذلك لمدة 25 شهرا مقابل 2 مليون دولار فقط لا غير، وبقيمة تأمينية تقدر بحوالي 138 مليوناً و 570 ألف دولار أمريكي، وقد أطلق النشطاء والمهتمون بالآثار تحذيرات تمنطقية من المخاطر المحتملة، وتقدم عدد من القيادات بوزارة الآثار الرافضين لسفر المعرض ببلاغ إلي هيئة الرقابة الإدارية التي بدأت تحقيقا في موافقة وزير الآثار ممدوح الدماطي علي خروج آثار المعرض علي الرغم من التحذيرات بأنها قد تتعرض لخطر الدمار بسبب الزلازل والكوارث الطبيعية باليابان، ويكفي أن نقول إن من المدن التي ستمر عليها أثارنا مدينة "سنداي" اليابانية وهي المدينة التي شهدت اعنف زلزال وتوسونامي في تاريخ اليابان عام 2011 والذي بلغ 8.9 علي مقياس ريختر، ونجم عنه موجات تسونامي في المحيط الهادي، تسببت في وفاة أكثر من 1000 شخص ومفقود، وتدمير مطار سنداي في اليابان، وتسجيل أعلي نسبة من الخسائر في الممتلكات، وتحطيم البنية التحتية والمحطات النفطية، وحدوث كارثة المحطة الكهروذرية في فوكوشيما وتسرب الشائعات منها وهي نفس المدينة التي وصلتها في سبتمبر الماضي موجات طفيفة من تسونامي بعد ان ضرب زلزال بقوة 8.3 ريختر المناطق القريبة من سواحل تشيلي، وتقترب كثيرا مدينة فوكوشيما من بركان بجزيرة ساكوراجيما تم رصد 690 حالة ثوران لفوهته منذ بداية هذا العام، وثار عدة مرات وتسبب بقتل 63 شخصا منذ عامين وكانت آخر ثوراته في أغسطس الماضي وبسبب ثورته أوقفت اليابان مفاعل سنداي النووي بعد أسبوع واحد من تشغيله حيث يقع علي بعد 50 كيلو مترا من جبل ساكوراجيما، وهو قليل من كثير عن المدن اليابانية التي سافرت إليها قطع الآثار المصرية. ومع اعتراضنا علي كلمة "مكررة" التي استخدمتها وزارة الآثار في بيانها حول القطع المسافرة حيث لم يصنع أي فنان في العالم قطعا متطابقة مهما بلغ من القدرة، وهو ما يجعل من كل قطعة أثرية قطعة ذات قيمة لا تقدر مهما تكررت نسخها، كما لم يفرق الذين اختاروا القطع للسفر بين معنيين هامين هما "النادر" و "المكرر" وقد أعلنت الوزارة عن بعض القطع التي يضمها المعرض ومنها أحد تماثيل الملك خفرع ومجموعة من تماثيل الخدم والعمال وصانعي الجعة والخبز، تمثال لأحد الكتبة، نموذج للعبة "السنت"، نموذج لمركب الشمس وتمثال للملك "ني وسر رع". وقد كشف أمير جمال منسق حركة "سرقات لا تنقطع" عن عدد من القطع المسافرة مؤكدا أنها من القطع النادرة بالمخالفة لما أعلنته الوزارة مشيرا إلي أن من بين القطع المسافرة تمثال للكاهن كاي "الذي قالت الوزارة انه تمثال لأحد الكتبة " ويعود اكتشافه لعام 1999 وهو مشابه لتمثال سخم كا من حيث اللون والشكل والقيمة التاريخية بل هو أقدم من تمثال سخم كا الذي يعود إلي الأسرة الخامسة بينما تمثال الكاهن كاي يعود إلي الأسرة الرابعة وأشار أمير جمال إلي أن تمثال سخم كا بيع في لندن بحوالي 16 مليون استرليني بما يعني نظريا- أن تمثال الكاهن كاي يساوي أضعاف هذا المبلغ مؤكدا أن من بين القطع المسافرة تقطعة "ثالوث الملك منكاورع التي اكتشفت سنة 1908 مع ست لوحات أخري في معبد الوادي لمنكاورع بالمجموعة الهرمية الخاصة به، مشيرا إلي أن هذا الثالوث تم نحته علي حجر الشست وهو من أصلد الصخور التي يصعب النحت عليها، ويضيف جمال أن قناع الملك" أمون إم اوپه "وهو قطعة لا تنتمي إلي عصر بناة الأهرامات وتقرر سفرها في المعرض وهو عبارة عن قناع لملك من الأسرة 21 التي حكمت مصر من صان الحجر أي أن تلك القطعة تعود إلي الدولة الحديثة وتمثل قناعا ملكياتقد تتساوي قيمته مع قيمة قناع توت عنخ آمون تلأنه ينتمي لملك مثله، متسائلا تكيف يتم السماح بخروجه وهو يخضع للمادة العاشرة من قانون الآثار التي تجرم خروج القطع النادرة . وعلي الرغم من أن المعرض بقيمة 2 مليون دولار، إلا أن تلك القيمة الزهيدة لا تساوي شيئا إذا قارناها علي سبيل المثال بتحقيق معارض توت عنخ آمون في الخارج في عهد الدكتور زاهي حواس لمبلغ 120 مليون دولار علي مدار ست سنوات بواقع 20 مليون دولار سنويا وهو رقم قديم ينبغي الآن أن يضاعف علي أقل تقدير، لكن العجيب أن مبلغ ال2 مليون دولار سيسدد للوزارة علي ثلاثة أقساط، القسط الأول 750 ألف دولار عند توقيع التعاقد و500 ألف دولار بعد 6 أشهر من افتتاح المعرض بمدينة اطوكيو»، والقسط الثالث 750 ألف دولار يسدد بعد 6 أشهر من سداد القسط الثاني كما وافق الدماطي علي زيادة مدة العرض بمدينتي اشيزوكاب وافوكوكاب لمدة شهر لكل مدينة، دون احتساب القيمة الإضافية للشهرين، ويعني مبلغ ال2 مليون دولار عائدا شهريا للمعرض يبلغ ما يقرب من 630 ألف جنيه مصري وهو عائد لا يمثل اي قيمة مقارنة بعوائد المتاحف المصرية داخل مصر والتي نرصد منها وفقا لتقارير الوزارة عائد المتحف المصري خلال شهر سبتمبر 2015 الذي بلغ ما يزيد علي 950 ألف جنيه بينما بلغت إيرادات متحف المومياوات ما زاد علي ثمانمائة ألف، وحقق متحف رشيد مازاد علي نصف مليون جنيه، وهي أرباح تأتي في ظل ما يقال عن الركود السياحي بما يعني أن إقامة معارض في مناطق الجذب السياحي وسياحة اليوم الواحد قد تجلب أضعاف أضعاف ما تم دفعه نظير معرض اليابان. ويؤكد الدكتور حسن السعدي، رئيس قسم التاريخ والآثار المصرية والإسلامية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية أن الترويج السياحي ليس من مهام وزارة الآثار وأن الذين يتعللون بأن هذه المعارض تحقق الترويج السياحي وتتسبب في زيادة الموارد عليهم أن يعلموا أنهم في الوقت الذي يخرجون فيه أثرا نادرات فإنهم يحرمون الزائرين لمصر من سياح الدول الأخري من رؤية هذا الأثر في موطنه الطبيعي بينما تنتشر القطع الأثرية في متاحف العالم بما لا يدع مجالا لمزيد من الترويج. ويقول السعدي إنه بعد استبعاد مسألة الترويج علينا أن نتساءل عن الفلسفة العامة من المعارض الخارجية، فلا يمكن القول بأنها تتعلق بتنمية الكوادر البشرية فيما يخص المعارض الخارجية حيث يقتصر دور المسافرين مع القطع علي متابعتها فقط كما ان تنمية الكوادر تتم عن طريق الدورات التدريبية وليس بتعريض آثارنا الفريدة للخطر، ويضيف: لم يحدث أن تم استغلال هذه المعارض لتكون إحدي مفردات القرار السياسي فلم تستغل الثقافة والآثار يوما كورقة ضغط علي الدول الغربية، ويؤكد السعدي أنه بفرض الموافقة علي المبدأ لن نقبل بسفر قطع لا تعوض مهما كانت القيمة التأمينية فهذه الأخطاء تفضي إلي اغتيال تراث وطن، مشيرا إلي المبلغ الزهيد الذي تم تأجير المعرض نظيره ومؤكدا أن المتحف المصري في أوج نشاطه يحقق من 7 ل11 مليون جنيه في الشهر وأن اللجنة الدائمة للآثار لا يفترض بها اختراق القواعد، معتبرا أن موافقة اللجنة علي سفر القطع الفريدة أو النادرة هي موافقة غير قانونية، ويتساءل السعدي في النهاية إن كانت الوزارة قد اتفقت علي مبلغ آخر خارج مبلغ ال2 مليون دولار ليذهب إلي صندوق العاملين بالوزارة كما كان يحدث قبل ثورة يناير ويقول: هذا المبلغ الذي كان يقتطع من تعاقد اي معرض لو كان جزءاً من مبلغ ال2 مليون دولار ففي ذلك تضليل وتعمية لأن التعاقد الفعلي للمعرض سيكون في تلك الحالة أقل بكثير من ال2 مليون دولار الهزيلة من الأساس!