ينبش معناوى بحيرة إدكو بمجداف طويل كأنه يفتش فى القاع عن نفسه، فالصيد هو طريقته الوحيدة لفتح البيت. هو يخرج بالنيابة عن 5 أفواه، 4 أبناء وزوجة، متعشما أن يلبى جوعهم.. أن يدخل عليهم بشىء يتقافز داخل الشبكة.
قضى معناوى عروس، 45 سنة، حياته كلها فى (...)
لكى تقترب عليك أن تسجد..أن تضع كبرياءك.. أن تكوّر نفسك على الأرض، تحت قدميه، كأنك ضراعة تنتظر القبول أو نصف دائرة تنتظر الاكتمال.
وأنت تدخل على الملك فى بيته، وأنت تخلع حذاءك وتخلع الدنيا معه، كما يقول أحد الصالحين، لا بد أيضًا أن تنسى مقامك. انس (...)
عندما سألته عن الكمنجة قال: «هى ابنتى»، قالها بتأثر كأنه يتحدث فعلاً عن ضناه. ثم راح يعزف لى فتكدست، فوق عينيه، أربعة خطوط من التجاعيد بعدد أوتار الكمنجة.. كأنها مكتوبة على جبينه.
حين يعزف يستدعى «عصام باخ»، كما يلقبونه فى منطقة الحسين، كل ما فقده.. (...)
لم يكن الطربوش، حتى ثورة يوليو 1952، مجرد غطاء للرأس، بل رتبة، وقد دلفت بالأمس القريب إلى أقدم محل، تأسس منذ مائتى عام، لأعرف كيف تُفصَل المقامات والرتب، وكيف أن الطربوش ما زال يقاوم الانهيار. ما زال فيه رمق.. لقد أعرب الطربوش عن نفسه فى لقطة تلخص (...)
بين كل جملتين يتبادلهما معك الحاج شكرى عبد الرحمن لا بد أن يردد «يا فرج الله». يقولها بأداء خاص كأنها هى الكلام والباقى يلفظه بسرعة كأنه مضمضة أوغسل فم. ليس فقط شحّ الكلام هو ما يجعل منه حالة بل تمسّكه بعمله، رغم قلة الزبائن، فمهنته كتاجر أقطان على (...)
يسمع هانى ويتكلم بعينيه. لذلك كنت أسأله وأنظر إليهما لأعرف إجابته، لألمس هذا الشغف الذى يأخذ شكل بريق ثم يتحول إلى شكة إبرة.
شىء ما، لا أعرفه، ندهنى فى جلسته، وهو ملتفُّ على نفسه أمام دكانه بشارع المعز.. أهو آية «ألا بذكر الله تطمئن القلوب» المعلقة (...)
وأنا صغير كنت أستغرق فى مراقبة "الحفل المتنقل" الذى تقيمه السحب بتكويناتها الفذة، فهذه نعجة وهذا وجه عمى فلان وتلك السحابة الجامحة حصان..إلخ أدمنت النظر إلى الأشياء الطافية التى تركض من غير أن تخضع لأى قهر أو قواعد صارمة, وتتصادم بلا دوىّ ، مختزلة (...)
قبل 5 سنوات لم تكن حياة أحمد بحاجة لمن يسندها، لكن كانت المأساة تُولد وتقترب.
سيقانه التى كان يعدو بها فى المسابقات الرياضية لم تعد تقوى على حمله. أصابت ركبتيه خشونة عنيدة تطورت إلى رباط صليبى ولم يكن هناك بديل عن مفصل صناعى لكل ركبة، وإن اكتفى (...)
يمشى عم كمال بتؤدة، كأنه يدخر خطواته لوقت «عوزة «. أراقبه منذ سنوات.. انحناءة الظهر، والجلابية الوحيدة، والقلب الممتلئ بالرضا ، كما هى. لم أسمعه يشكو قط، هو الذى يحمل على ظهره 73عاماً ويعول همّ ابنة مطلقة وحفيدة منها، وهمّ ولد معوق وآخر عاق، (...)
لا شىء ينعش»أبوعبدالله» ويحرك ملكاته سوى القراءة والكرة.
سقطت منه،فى السكة،عادات وهوايات كثيرة وظل الأهلى والكتاب يتقاسمان قلبه.وفاة والدته، التى لم يرها وليست لها صورة،تركتْ فى طفولته تجويفًا كان يتسع ويضغط كلما سمع طفلاً من أقرانه ينادى على أمه. (...)
* أنا خجول وأدفن تناقضاتى فى أصابع البيانو
أصابع عمر خيرت قادرة على أن تهدهد روحك. ما إن ينحنى الرجل لجمهوره على المسرح، ويقعد إلى البيانو، وهالة الضوء تطوق قامته، حتى تأخذ أصابعه طريقها إلى أعماقك مباشرة، وبعد جملة أو جملتين تجد نفسك وقد اعتراك (...)
يبحث برهان شاوى، الروائى العراقى المقيم فى ألمانيا، عن ضالته بالسرد. يبحث عنها فى الجنس وفى التصوف.. فى الطين وفى السماء، ويعلن النتيجة دون مواربة. هو لا يفعل شيئاً أكثر من أنه يحدق دون وجل فى بئره وآبار الآخرين، ليحصى ما يخفيه القاع من ظلمة (...)
لا بد من عاهة
أو عداوة
كى لا تسرف فى الكسل
الأعداء ضروريون
كالملح
ضرورة أن تفتح النوافذ
بلا تذمر من التراب
بلا رغبة حتى فى أن تكنس البيت.
:
مع الأعداء
تكون على أهبة نفسك
قد تواتيك الشجاعة للنظر فى بئر
قد تعرف قوة اليأس التى يتحلى بها القاعُ
السنوات (...)
لا بد من عاهة
أو عداوة
كى لا تسرف فى الكسل
الأعداء ضروريون
كالملح
ضرورة أن تفتح النوافذ
بلا تذمر من التراب
بلا رغبة حتى فى أن تكنس البيت.
:
مع الأعداء
تكون على أهبة نفسك
قد تواتيك الشجاعة للنظر فى بئر
قد تعرف قوة اليأس التى يتحلى بها القاعُ
السنوات (...)
هو نفسه مثل السبحة.. يبطل عملها حين تكفّ عن الدوران. سنواته ال 76 يلضمها خيط واحد.. الحركة. تحرر الحدينى، الحاصل على دبلوم غزل ونسيج، من وظيفته فى شركة « محرم بك»، لأنه لا يجيد الاستيقاظ مبكراً من النوم، ولا يطيق أن يظل مسمّراً خلف مكتب .
حتى ابنته (...)
لا تعرف «عيدة» إلا الجرى. تستيقظ ، هى وأولادها والتروسيكل، مع الفجر ولا همّ لها إلا الجرى بسرعة فى الطرق والشوارع. لا شىء يمكن أن يوقفها سوى العلب الفارغة أو قطع الحديد..أى خردة يمكن أن تأتى بقوت للأفواه السبعة التى تطعمها. أى شىء يضمن لزوجها (...)
تسربت كلمات الله إلى حياة حمادة سلّام (40عاماً ) وملأت زواياها. كأنها قد بادلته الحراسة.. هى كانت مصفاة له.. دليلاً قاده إلى نفسه، وهو راح ينزّهها عن النسيان.. ترك الهواء الطلق يحملها إلى جوف الأطفال، حتى إذا ذكروا التراب كان تحتهم وإذا ذكروا السماء (...)
تتكلم أحلام، مسحراتية سودانية، بجسمها كله.. بأعوامها الخمسين، وإذا دعتْ لك تدعو بجمل سريعة لاهثة، كتلك النقرات التى تنادى بها على الناس وقت السحور، كأن صوتها هو قطعة الخرطوم الذى تطرق به الطبلة.
كلماتها، المفتوحة الآخر دائماً، لا تخرج، ككل مسحراتى، (...)
ما زال سمير سمك ( ترزى، 67عاما ) يحتفظ برقم محمد عبد الوهاب، كدليل على العلاقة التليفونية التى جمعته به. ودكانه ، فى شارع ممتاز بالسيدة زينب، ما زال يحتفظ برائحة سماوية، فقد كان غرفة الشيخ محمد رفعت، قبل أن يهدم أبناؤه البيت. أما الفاترينة فلا قماش (...)
منذ 30 عاماً وأم عبير تقعد فى نفس المكان، بالتوفيقية، ومعها أكياس البلاستيك وأعواد البخور وحياة قاسية لا تسردها الدموع. وهى تحكى لى قصتها حاولتْ أن تبكى، لكنّ حزنها استعصى على أن يسيل، تجمد فى عينيها كما لو كان حداداً ثابتاً يعلن عن نفسه فى كل نظرة. (...)
لا يمكنك أن تبيع الترمس من غير أن تتألم كل يوم، فالريح والحرّ والذباب وقلة البيع والبلدية كلها منغصات محتملة. وفى حالة « فتح الله» هناك منغص إضافى مؤكد.. أنه لن يسمعك ما لم تزعق بالقرب من رأسه. أى أن طبلة أذنه هى الأخرى تعمل ضده.
جرب فتح الله (...)
الأحذية، التى لا تحظى منا بأىّ امتنان، هى بطلة حياة أبو ياسر. منها يكسب رزقه، ومن أضيق ثقب فيها، عرف نفسه وعرف الناس.
منذ تسرّب من المدرسة، فى الصف الخامس الابتدائى، أدرك، بالفطرة، أنه لا بد من استعمال عاطفته فى تصليح الأحذية. لقد ورث الشغف بها عن (...)
«أنا موجود» هى جملة كيمو المفضلة. يقولها ويؤمِّن عليها بقبضة يده، ربما ليتأكد من أنه ليس زائدة دودية وأن أحلامه ليست نفايات. منذ وُلد، قبل 40 عاماً، وهو يحاول أن يتنفس. مات أبوه وهو فى سن ال13 تاركاً له 8 إخوة. ويوسف والى،ابن قرية كيمو بالفيوم، لم (...)
أصعب شىء أن يحدّق فيك حشد من الناس بكل حواسه. أصعب من الموت نفسه. وماذا يكون الموت أكثر من قلب خائف، ومفاصل ترتجف وشفاه لا يبلغها الكلام ؟ كأنك تهوى فى بئر بلا قاع. غير أننى مدين لهذا الخوف، لأنى، فى كل مرة واجهت فيها الجمهور، كنت أظن أننى لن أعود (...)
يمكن للمصور أن يرتِّب، مع الإنسان، وضعاً ما، لكن كيف يمكنه أن يرتب، مع الطائر، تلك المسافة التى تفصله عن الأرض ، إلا أن يكون هو نفسه الطائر وخفق الجناح والعدسة . ما كان لتلك الطيور، والسحب التى تشبه سرب حمام، وذلك الفأس وهو يهمّ بشق الأرض، ما كان (...)