لا يمكنك أن تبيع الترمس من غير أن تتألم كل يوم، فالريح والحرّ والذباب وقلة البيع والبلدية كلها منغصات محتملة. وفى حالة « فتح الله» هناك منغص إضافى مؤكد.. أنه لن يسمعك ما لم تزعق بالقرب من رأسه. أى أن طبلة أذنه هى الأخرى تعمل ضده. جرب فتح الله (40عاماً ) كل شىء، بحثاً عن رغيف الخبز له ولوالديه ول 5 إخوة هو أكبرهم. عمل فى المعمار وبائعاً متجولاً ولما ضاقت به شوارع القاهرة توجه إلى ليبيا، غير أنه عاد منها بنفس الحسرة. إن شيئاً ما يطارده، ليس هو سوء الحظ ، بل سوء السمع الذى أصابه نتيجة حادثة جعلت طريق الكلام إلى مخه مسدوداً، وجعلته هو نفسه هدفاً للجهامة. حين سألتُه : ماذا تريد، لتشعر أنك بخير. قال، وقد لمعت عيناه ببريق مفاجىء، كأنه تخطى عقبته: « السماعة والستر.» عربة الترمس، التى يجرها منذ 22عاماً ويقف بها على مدخل التوفيقية، أشبه بحصالة متنقلة يدّخر فيها أيامه، والواقع أن هذه الحصالة زوّجت أخواته الثلاثة وتعول الآن 6 أفواه هم أولاده، وأخاه الأصغر وأبويه. أى أن عربته تجرّ خلفها 3 بيوت.. واحداً فى بولاق أبو العلا، حيث يسكن بالإيجار واثنين فى سوهاج بالصعيد، حيث أسرته وعائلته. لذلك لا شىء يسعد فتح الله، دبلوم صنايع، سوى أن يعود، آخر النهار، وجيبه مذخّر بالنقود. ساعتها يمكنه أن يبتسم، يمكنه حتى أن يسمعك، من دون أن تصرخ.. أن يسمع عربته وهى تتحرك ببطء كأنها تحصى، معه، ما تمّ اجتيازه، وما بقى لهما، من مطبات.