وأنا صغير كنت أستغرق فى مراقبة "الحفل المتنقل" الذى تقيمه السحب بتكويناتها الفذة، فهذه نعجة وهذا وجه عمى فلان وتلك السحابة الجامحة حصان..إلخ أدمنت النظر إلى الأشياء الطافية التى تركض من غير أن تخضع لأى قهر أو قواعد صارمة, وتتصادم بلا دوىّ ، مختزلة عالماً كاملاً ، إذ كانت السحب تتبادل الأشكال بسهولة من دون أن تتهشم ! واليوم أراقب السماء كأننى أستأنف التأريخ للسحب، وأردم الفجوات التى فاتتنى من سيرتها. كأننى أبحث عن القسمات المشتركة بيننا.. أية هشاشة تجمعنا. فى أى شىء يشبه الشيب الذى انتابنى بياضها المزمن. هل كبرتْ معى تلك السحابة. هل تبعتنى من طفولتى إلى هنا. على كل.. لطالما اعتقدت أن عمل السحابة يشبه عمل الأم، فهى الأخرى تحمى وتُظلّ. لكن هل أصبحت لها ذرية مثلى. وإلى أى حد نحن عابرون ككل سحابة. ما الذى يدفع السحب لأن تتقمص هيئاتنا من شجر وبشر وحجر.. كأن السماء نهر يعكس صورنا. وما الذى يحدث فينا، عقب المطر، حين تبزغ الشمس وتغيب خلف سحابة فتومض الحافة وشريط ضوء أصفر يزوقها. ووليمة ألوان أخرى، كل الألوان، تحوم حولها. ما الذى يحدث؟.. قولوا أنتم .