بين كل جملتين يتبادلهما معك الحاج شكرى عبد الرحمن لا بد أن يردد «يا فرج الله». يقولها بأداء خاص كأنها هى الكلام والباقى يلفظه بسرعة كأنه مضمضة أوغسل فم. ليس فقط شحّ الكلام هو ما يجعل منه حالة بل تمسّكه بعمله، رغم قلة الزبائن، فمهنته كتاجر أقطان على وشك الانقراض. تقلصت تجارته إلى النصف رغم أنها، كما يقول: « أساس الفرح».. يقصد تنجيد العرايس. وسوف تجد فى يد الحاج، الحاصل على دبلوم تجارة، سبحة من مائة حبة.. أى ضعف عمره، ترافقه منذ 30 عاماً كأنها وحمة، وبجواره كيس بلاستيك ممتلئ بالنقود فئة 5 جنيهات. هذا الكيس هو الوجهة اليومية التى يقصدها فقراء شارع المعز فى طوابير. حين سألته: هل تسمع الأغانى، أشاح بيده نافيًا كأنه يسهم بذلك فى تقليص رقعة الذنوب، ثم قال، بعد أن استرخى: «أسمع عبد الباسط والنقشبندى ونصر الدين طوبار.» أما قلبه فمعلق كله بمسجد الحسين. هو يذهب إلى هناك حتى إن لم يرد، كأن أحداً يسوقه أو كأن مقام الإمام يسحبه من حبله السّريّ، لأنه مربوط أصلاً به. الحاج ورث المهنة والمحل والتصوف عن أبيه، لكنه لم يقل لى إن كان ورث عنه رقرقة الدمعة فى العين كلما جاء ذكر الرسول، أو تلك النظرة التى يودع فيها روحه ويرسلها ترفرف فوق مئذنة الحسين كأنها حمامة بيضاء أو نتفة غمام.