حينما يكون لك قلب ينبض فحتما أنت بحاجة إلى قراءة الأحداث، وحينما يكون لك عقل يفكر فأنت بحاجة إلى القراءة، وحينما يكون لك عَين ترى فأنت بحاجة إلى القراءة، وعندما يكون لك عُمر يمضى فأنت بحاجة إلى القراءة، وحينما تُكتب وتكون فى تعداد الموتى أو الشهداء فسيقرأ الآخرون ما قرأت وما دونت وما استنتجت.... هذه هى مملكة القراءة. وحينما نمتثل لقول المولى عز وجل ( اقرأ باسم ربك الذى خلق) نكون قد تفادينا العديد من النقاشات حول مفهوم القراءة خلقا وعلما، وحقا قد اختصر إدوارد ليتّونكثير من العناء لتوصيل مفهوم ومكانة القراءة بقوله كن سيد الكتب لا عبدها، اقرأ لتعيش ولا تعش لتقرأ. فالكتاب هو المعلم الذى يعلم بلا عصا ولا كلمات ولا غضب.. بلا خبز ولا ماء، إن دنوَت منه لا تجده نائما، وإن قصدته لا يختبئ منك، وإن أخطأت لا يوبخك. وإن أظهرت جهلك لا يسخرمنك. فقط ما عليك هو أن تمتلك فنون ومهارة القراءة ولتعلم أن القراءة لها العديد من الأشكال، فتختلف القراءة الاستكشافية التى تسعى من خلالها لمعرفة معلومة واحدة فى وقت قصير عن تلك القراءة الدراسية التى تحاول أن تتفهم وتتمعن فى حروفها قبل كلماتها وصفحاتها مرورا بجملها، لأنها جزء أصيل من مدرستك أو دراستك. ففن القراءة حب وموهبة، يمكن أن تجعل صاحبها محلقا بين الأدباء والمثقفين حالِ تميز فى قراءة ما هو مفيد ونافع وفعال لعقله ووجدانه، كما أنها سلاح قوى للقضاء على صاحبها حال استسلامه لقراءة كل ما يضر ولا ينفع ويبسط فكر ضال لصاحبه، وهذا ما قصده هنرى فيلدينغ بقوله يمكن للكتب أن تفسدنا كما يفسدنا الصاحب، والكتاب الجيد يقرأ مرة فى سن الشباب ومرة فى سن النضج ومرة فى سن الشيخوخة، كالبناء الجميل يجب أن يشاهد فجرا وظهرا وتحت ضوء القمر. إننا حقا أمام فرصة عظيمة قد لا تلوح فى الخلد لاحقا إن لم نستغلها إيجابيا لما فيه نفع لعقولنا، وهى إيمان مصرنا بمملكة القراءة والتثقيف ودورها فى تعزيز مفهوم القراءة والكتابة والعلم بشكل عام، وقد لا يختلف كثيرا أحد على أننا نملك الآن أكبر وأوسع موسوعة قرائية كتابا ومعجما، والقراءة منبر شامخ يحتاج منا إلى إعادة نظر فى تطبيقها فمن لا يقرأ شيئاً على الإطلاق أكثر ثقافة ممن يقرأ الصحف فقط. وحتى لا تمر الأيام وتمر الساعات ويشيب الرأس والعقل معا دون أن تلامس عقلك بكلمات وثقافات هادفة ومحفزة، فعليك أن تعيد ترتيب أولوياتك التثقيفية، وأن تتخلى ولو بِعٌشر وقتك الإلكترونى اليومى لصالح كتاب أو مقال جديد، حتما فى ذلك الوقت ستشعر بهذا الجمال الأخلاقى الذى ملأ قلبك وعقلك ووجدانك وآثرت به من حولك وكنت خير من قرأ ( اقرأ باسم ربك الذى خلق).