منذ بدء الثورة المصرية فى 25 يناير2011، وانقسام التيارات السياسية إلى فريقين تيار ذو مرجعية إسلامية وآخر يسمى نفسه تيارا مدنيا صاحب رؤى ليبرالية. بدأ الصراع السياسى بين هذه التيارات وأصبح كل تيار ينتهج أساليب وسياسات عديدة لتحقيق أهدافه والتأثير على الجماهير ومحاولة إقناعها واستقطابها ببرامجه وأطروحاته فى كافة المجالات وقد اختلفت هذه التيارات فى كل شىء ماعدا استخدامها خطابا سياسيا خطيرا وهو ما أشار إليه المرشح الرئاسى السابق للرئاسة الأمريكية (آل جور) فى كتابه (الهجوم على العقل) وأفرد له فصلا كاملا بعنوان (سياسة الخوف). فما يمارسه بعض المنتسبين لهذه التيارات من إثارة قلق الناس وبث الخوف فى نفوسهم بنشر أخبارا وتسريب معلومات على لسان قياداتها وكوادرها تتعلق بمؤامرات وتهديدات تهدد مسيرة الثورة والوطن وتهدد أمن المواطن نفسه، حال نجاح تيار بعينه فى انتخابات برلمانية أو رئاسية أو سيطرة، تيار آخر على مؤسسات الدولة حسب آليات الديمقراطية أصبح أمرا خطيرا وله عواقب وخيمة على مستقبل وأمن الوطن. ففريق يحذر من (مؤمرات داخلية وخارجية، القضاء على الشرعية والشريعة، شيوع الفوضى وانحلال الأخلاق، ضياع القيم وهدم أركان الدين، عمالة وخيانة، مخططات لتنفيذ جرائم كبرى، هجوم مسلح على التحرير، مقرات الهيئات السياسية، ماسبيرو، مدينة الإنتاج الإعلامى، قطع الطرق، تعطيل العمل فى بعض المصالح الخدمية....إلخ). والفريق الآخر يبنى خطابه التخويفى على (التخويف من ديكتاتورية متوقعة واستبداد سياسى، سيطرة التيار الدينى، حكم الدولة الدينية وعهود الظلام، اضطهاد الأقليات والمرأة والطفل، المصير الدامى لكل مخالف فى الفكر والعقيدة ....إلخ). اتهامات مرسلة تختلط فيها الحقائق بالأكاذيب والادعاءات، نزعة تشويه من الجميع إزاء الجميع، ولا يكاد غالب الناس يعرف عما إذا كان ما يحدث حقيقى أم أننا إزاء "واقع افتراضى" وأمام "هلوسات" أو إحدى روايات الرعب والخيال العلمى. والجميع يعمل جاهدين على تكريس هذه المخاطر لدى جمهور الشعب وتعبئتهم بها مستغلين ذلك الشعور بالخوف الذى قد ينجم عن الإحساس بفداحة الخطر كى يوجهوا الناس فى اتجاهات ربما لا يختارونها فى ظروف أخرى. وذلك لأن الدراسات النفسية والاجتماعية والسياسية كلها تشير إلى أن الإنسان بالإمكان السيطرة عليه وإخضاعه بسهولة ويُسر بمجرد أن نجعله يعيش فى واقع حقيقى أو وهمى ملىء بالخوف على أمنه ومصالحه ومستقبله وعلى من يهمه أمرهم من الزوجة والأبناء والأهل، وأن الإنسان كلما خاف عمت بصيرته، وكلما ازداد خوفه زاد استسلامه لمن ينزع عنه هذا الخوف ويحرره منه، وإلى حقيقة أن الخائف على استعداد للتنازل عن كل ما يملك ثمناً لشعور الأمان. فقد كتب الفيلسوف ومعلم فن الخطابة الرومانى (لاكتانتيوس): الخوف والحكمة لا يجتمعان فى مكان واحد. وقال أدموند بيرك الكاتب الإنجليزى: ليس هناك شعور يسلب العقل كل قوى التصرف والتفكير بصورة مؤثرة مثل الخوف، فعندما يحل الخوف محل العقل تكون النتيجة دوما بغضا وخلافا يفتقران إلى العقلانية والمنطق. فبكل بساطة عندما يقوم الخوف والقلق بدور كبير فى المجتمع يكون دور كل من المنطق والعقل ضئيلا فى عملية اتخاذ القرار الجماعى ويظهر الارتباك فيما يخص الخيارات الأساسية التى يجب على كل أمة تحديدها واختيارها لمستقبلها. والسؤال الآن: ألا يعى هؤلاء أنهم يهددون مستقبل هذا الوطن حتى ولو انتصر تيار على تيار مرحليا أو كسب معركة حالية، لأنهم باتباعهم هذه السياسة قد خلقوا مواطنا خائفا مترددا غير واثق فى نفسه هان على نفسه، فكلما ازداد خوفه زاد استسلامه وخنوعه وخضوعه، فالإنسان الخائف مستسلم للواقع، يستمد تفكيره من الواقع، فخوفه أو رعبه يجعله عاجزاً عن التفكير وتغيير الواقع، فهو لا يحب تغيير الواقع، لأن ذلك يخيفه ويستفزه ويستثير أعصابه، بل ويهدده ويهدد شعوره بالأمان، فلا يصلح لاستقرار وطن ولا لنهضة أمة.