فى السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر والسنوات الأولى من القرن العشرين لم يكن غريباً أن يولد هذا العدد من المطربين والملحنين المصريين الكبار سيد درويش، والقصبجى، ومحمد عبدالوهاب، وأم كلثوم، وزكريا أحمد، ورياض السنباطى، كلهم ولدوا بين سنة 1892 وسنة 1906 وهى السنوات التى ولد فيها أو قريباً منها طه حسين، وعباس العقاد، والمازنى، وتوفيق الحكيم، وأحمد رامى، وإبراهيم ناجى، ففى تلك السنوات كانت بذور النهضة المصرية قد اختمرت وأصبحت مهيأة للنمو والعطاء. وفى هذه الأيام بالذات تحل الذكرى السابعة عشرة بعد المائة لميلاد محمد القصبجى، الذى ولد فى الخامس عشر من أبريل سنة 1892 بعد سيد درويش بأقل من شهر، وكان والده على إبراهيم القصبجى منشداً وملحناً وعازفاً على العود، دخل القصبجى الصغير الكتاب حيث حفظ القرآن الكريم ثم التحق بالمدرسة الابتدائية وارتدى القفطان ولف العمامة، ثم التحق بمدرسة المعلمين وتخرج فيها مدرساً، لكنه كان قد برع فى العزف على العود وأداء الألحان المشهورة، فاحترف الغناء فى المقاهى والحفلات الخاصة. ثم تعلم العزف على القانون والكمان وقراءة النوتة الموسيقية وكتابتها فترك التدريس واشتغل بالغناء فى المقاهى والحفلات الخاصة وانضم إلى تخت العقاد الكبير عازفاً على العود، وفى أوائل العشرينيات حين أصبح فى الثلاثين من عمره بدأ اشتغاله بالتلحين وكان من الملحنين القلائل الذين يدونون ألحانهم بأنفسهم، لحن لمنيرة المهدية بعض الأغانى ومنها «بعد العشا» و«يا قلبى أصبر على الأسية» ثم لحن بعض الاستعراضات والأوبريتات لفرقة منيرة المهدية وفرقة «نجيب الريحانى». وفى سنة 1924 لحن القصبجى أول أغنية لأم كلثوم فكانت هذه الأغنية نقطة فاصلة فى حياته، فقد ارتبط بأم كلثوم ولم يفارقها حتى رحل سنة 1966، قبلها بتسع سنوات وخلال تلك الرحلة الطويلة لحن لها ستين أغنية من ضمنها مونولوج «إن كنت أسامح» الذى حقق نجاحاً هائلاً وبيع منه بعد تسجيله على اسطوانات ربع مليون نسخة، ومونولوج «رق الحبيب» الذى لا نزال نسمعه بإعجاب شديد حتى الآن، لكن القصبجى الذى ارتبط بأم كلثوم لحن لمعظم المطربات وخصوصاً نجوم السينما أسمهان، وليلى مراد، ونور الهدى، وسعاد محمد، وصباح، وشادية، وهدى سلطان، وعقيلة راتب، وللقصبجى ثلاثمائة وستون لحناً عدا ألحانه المسرحية ومؤلفاته الموسيقية. وتتميز ألحان القصبجى ببنائها المتين وطاقتها التعبيرية ومع حرص القصبجى على روح الموسيقى العربية والشرقية عامة فقد استفاد فى ألحانه من بعض الأساليب والإيقاعات الغربية وخصوصاً إيقاع الفالس الذى تفنن فى استخدامه فى «رق الحبيب» وفى «قلبى دليلى» الذى تغنيه ليلى مراد.