عندما اعتلى الدكتور محمد عمارة منصة الملتقى السنوى لخريجى الأزهر منذ عامين، مردداً أن مصر تشهد أكبر موجة لتحول المسيحيين إلى الإسلام ثارت الأقلام والأقوال لتؤكد وتنفى، مر العامان وجاء المتنصر محمد حجازى خلال مؤتمر القاهرة الأول لمناهضة التمييز مهاجماً بعض الآيات القرآنية، معتبراً أنها ممسوخة، لينبه هو الآخر عن موجة أخرى ربما تشهدها مصر لتحول المسلمين للمسيحية، وما بين الطرفين نتساءل عن "المتحولين دينياً" ومشاكلهم الدينية وحقيقة أعدادهم؛ بل وكيف تراهم الكنيسة ويراهم الأزهر؟؟ تتعدد أسباب التحول الدينى ما بين عدم الاقتناع بالديانة والعقيدة الحالية لاستبدالها بالأخرى، أو قصص حب جمعت بين قلبين مختلفى العقيدة، فكثيراً ما كانت قصص الحب دافعاً وخطوة أولية لفتنة طائفية بعدها يكون التحول دينياً، فقصة الحب التى جمعت بين فتاة ملوى "عبير" وهى فى مرحلتها الثانوية والشاب المسلم أحمد "بائع الكشرى"، والتى اشتعلت نيران الفتنة حولها بعد تجمهر بعض الأقباط أمام مطرانية الأقباط الأرثوذكس، مناديين بعودة الفتاة لأهلها متهمين الشاب بمساعدتها على الهروب والاختفاء، وهنا تثار الشائعات بمجرد اختفاء أى فتاة مسيحية بأن هناك محاولات لإشهار إسلامها، وهذا ما حدث بالفعل فى قصة "عبير وأحمد"، حيث أثير اتفاقهما على الزواج بعد أن تعلن الفتاة إسلامها، ولكن عادت الفتاة لأهلها بعد ما أثير بمدينة ملوى بالمنيا بعدما وجدت بمنزل الشاب. قصص الحب والتحول الدينى من وجهة نظر الدكتور عبد المعطى بيومى عضو مجمع البحوث الإسلامية وعميد كلية الشريعة السابق، والذى رفض التعليق حتى نستبدل كلمة "المتحولين" ب "المرتدين"، تأتى لوجود فئة لا شأن وقيمة لها، فهم يهدفون للتلاعب بالدين والأديان الأخرى ولا يقدسون الدين حق تقديسه، قائلاً "من يقدس دينه لا يرتد عنه". بيومى شن هجوماً وانفعالاً على "المرتدين" كما وصفهم، وأضاف أن أغلبهم هاربون من حياتهم الدنيوية ومشكلاتها، فيخرجون منها ليقعوا فى مشكلات الارتداد عن الدين. لم يقف الدكتور عبد المعطى بيومى عند هذا الحد، بل أكد أن التحول الدينى سواء للمسيحية أو الإسلام هو نوع من بيع النفس لقاء رشوة أو دعم من جهات، رفض الإفصاح عنها، ليتحولوا من الدين للجحيم". على الرغم من أن الكثير من المفكرين الإسلاميين والأقباط اعتبروا أن التحول الدينى لا يمثل ظاهرة مجتمعية، إلا أنهم أكدوا أن التحول طبيعة مجتمعية لابد وأن يتقبلها المجتمع المصرى بضرورة الحال، وبحديث المفكر الإسلامى جمال البنا نجده يرى أن الإعلام هو الذى يضخم من تلك الأحداث، بل هناك نوع من الإسراف الإعلامى فى تناولها، مضيفاً أن التحول الدينى مسألة ليس لها أى قيمة لأنها عملية طبيعية فى حياة الشعوب والمجتمعات بشكل عام، ولا تستدعى إثارة القلق وانتشاره فى المجتمع المصرى؛ فإذا تحول البعض من أفراده للمسيحية أو البهائية، مؤخراً، فهذه حرية شخصية ولا يمكن إجبار شخص على اعتناق ديانة ورفض أخرى؛ ولكن فى مصر الوضع يختلف، فهناك تعمد واضح لإخفاء أعداد المتحولين دينياً. "حرية الاعتقاد ربما تأخذ حقها فى مجتمع آخر غير المجتمع المصرى، الذى لا يكفل حرية العقيدة لأفراده، ولكن فى حال تقدم المجتمع سنجد الكثير من المتحولين للديانات الأخرى"، تلك فحوى آراء كمال زاخر المفكر القبطى ومنسق التيار العلمانى، الذى أكد "أن المجتمع لا شأن له باختيار الإنسان لما يعتقده، فالتحول شىء طبيعى موجود منذ زمن مضى، ولكن كان الإعلام غائباً عنه، ولكن بعد الإعلان عنه إعلامياً، شعر البعض بضخامة الحدث". وأشار إلى أن الوضع ازداد سخونته بعدما ظهر اتجاه تحول المسلمين للمسيحية، لأن المجتمع قديماً كان قد استقر على تحول المسيحيين للإسلام فقط ليواجه المتحول دينياً عدداً من المشكلات، فيقابل باتهامات بازدراء الأديان ويتهمه البعض بالكفر، ويأتى هذا حسب الثقافة الشعبية السائدة فى المجتمع، لذلك سألنا زاخر عن إمكانية تقبل المجتمع لفكرة التحول الدينى فقال "لا يمكن أن نتصور أن ذلك يتم بين ليلة وضحاها، ولكن سيأخذ وقتاً طويلاً حتى نندرج ومجتمعنا تحت حرية الاعتقاد". السرية الشديدة فى إعلان أعداد المتحولين دينياً وتناقض المعلن عنها، يراه كمال زاخر بأن هناك عوائق كثيرة تقف أمام الإعلان عن أعدادهم، فكلما كان المجتمع متشدداً كلما كانت هناك سرية شديدة فى الإعلان عنهم، كما أن الإحصاء فى هذه الحالة سيشهد نوعاً من المزايدة بين الطرفين طبقاً لثقافة "أخدتوا مننا كذا وأخدنا منكم كذا". فى ظل هذا التكتم الشديد والصراعات المتبادلة بشأن المتحولين دينياً، فكيف سيكون موقف الكنيسة والأزهر مع الطرفين، وهنا جاء الأمر متقارباً بينهما ربما لخشية الصدام مع المجتمع، حيث قال المفكر القبطى كمال زاخر إن الكنيسة تكاد لا تتعامل مع المتحولين من الإسلام للمسيحية، لأنها تخشى الدخول فى مصادمات مع المجتمع، على الرغم من أن الواقع يقول إن من يخرج من عضوية الكنيسة فهو لا يتبعها ومن يدخلها فهو من رعاياها، ولكن فى مصر هناك خلط بين ما هو اجتماعى ودينى. وبالعودة لحديث الدكتور عبد المعطى بيومى، قال "الأزهر لن يشق قلوب الناس ليبحث فيها، لأنها ليست من اختصاصاته، كما أن الأمر ذاته لا يستدعى ذلك فهم يعبثون بالأديان ولا قيمة لهم". وما بين الظهور الإعلامى والأهداف الدفينة وراء التحول الدينى، لا يرى زاخر أن تحول البعض قد يكون بهدف الشهرة لأنه يعرض نفسه لتهم كالكفر وازدراء الأديان، ولكن هذا ما تردده المؤسسات الدينية للطرفين لتجد منها مبررات فشلها فى القيام بدورها، والذى ساعد على تحول رعاياها لديانات أخرى.