تعتبر حرية التعبير والإبداع إرثًا ثقافيًّا، وتلك المهنة - مهنة الصحافة - هى التى تقوم على جمع وتحليل الأخبار والتحقق من مصداقيتها وتقديمها للجمهور، وغالبًا ما تكون هذه الأخبار متعلقة بمستجدات الأحداث على الساحات السياسية أو المحلية أوالثقافية أو الرياضية أو الاجتماعية.. وغيرها. الصحافة قديمة قدم العصور، ويرجع تاريخها إلى زمن البابليين، حيث استخدموا كاتبًا لتسجيل أهم الأحداث اليومية ليتعرَّفها الناس. أما فى روما فقد كانت القوانين وقرارات مجلس الشيوخ والعقود والأحكام القضائية والأحداث ذات الأهمية التى تحدث فوق أراضى الإمبراطورية تسجل لتصل إلى الشعب ويطلع عليها. ولكن هذا التاريخ من الإرث توقف بعد سقوط روما، وتوقف حتى القرن الخامس عشر، وفى أوائل القرن السادس عشر، وبعد اختراع الطباعة من قبل "غوتنبيرغ"، فى مدينة ماينز بألمانيا، ولدت صناعة الأخبار من جديد، والتى كانت تضم معلومات عمَّا يدور فى الأوساط الرسمية. إن حرية الصحافة ضمن الحريات الأساسية لحماية الأفراد فى مواجهة سلطة الدولة، وهناك ضمانات لحرية الصحافة فى جميع الدساتير، والدول تكفل تلك الحرية.. حرية القول وحرية الكتابة وحرية التصوير وحرية سائر وسائط التعبير.. ولا يجوز تعطيل الصحف ولا إلغاء امتيازها، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه. حرية الرأى والبحث العلمى مكفولة لكل أفراد المجتمع، وهناك مواد للميثاق الدولى لاحترام حرية الصحفى، وذلك لتعميق دور الديمقراطية فى المجتمع. إن التزام الصحفيين بمساندة عدالة الحرية والتعبير لهو أمرٌ واجب أكدت عليه سيادة القانون. أيضًا أكد القانون على حق الصحفى فى الوصول إلى المعلومات والأخبار وحماية مصدر معلوماته. ولكن أن يقوم مجموعة من البلطجية بالاعتداء السافر، وفى وسط النهار، على تلك الحرية؛ فهذا يُعتبر انتهاكًا للقانون وللحرية. إننا نُدين - وبشدة - ما حدث لرئيس تحرير جريدة "اليوم السابع" والموقع الإليكترونى التابع لها الأستاذ "خالد صلاح" من اعتداء عليه وتحطيم سيارته. إن ما فعله هؤلاء يمثل جريمة اعتداء على حرية الرأى والعمل المهنى، وعلى المرشد العام وجماعة الإخوان المسلمين أن يتقوا الله فيما يفعلونه فى هذا الوطن وأبنائه. وإنى أُؤكد أن ما حدث هو اعتداء على حرية الفكر والتعبير، وكذلك اعتداء على حرية الإبداع، فلا يجوز تحت أى ظرف من الظروف التعدى على أى صحفى أو إعلامى لمجرد أنه نشر أو أذاع أخبارًا - حتى ولو كان بدعوى أنها أخبار كاذبة - فحرية الصحافة مكفولة بموجب كل المواثيق والاتفاقات الدولية، هذا بالإضافة إلى أنه من حق أى مواطن أو صحفى انتقاد الشخصيات العامة دون التدخل فى حياتهم الشخصية، فمادامت تلك الشخصيات وافقت على أن تصبح شخصيات عامة فعليها أن تتحمل عمليات المراقبة والمحاسبة والنقد التى يمارسها الرأى العام، ومنها الإعلام المقروء والإعلام المسموع والإعلام المُشاهد، نظرًا لأن أى فعل يقومون به أو قول يتفوهون به يكونان مؤثرَيْن على حياة المواطن العادى، لذا فمن الواجب مراقبة أفعالهم وانتقادها بأى طريقة. كما نُعرب عن دهشتنا البالغة من السهولة التى استباحت بها جماعة الإخوان المسلمين اللجوء للعنف والبلطجة مع الفكر والرأى! ومن هذا المنطلق نؤكد أن ما حدث هو اعتداء سافر وبلطجة على فكرٍ، وإننى أُطالب بسرعة استصدار قانون يتيح تداول المعلومات للمواطنين بشكل عام، وللإعلاميين بشكل خاص، حتى نبتعد عن أعمال البلطجة، لأن الشائعات والأخبار الكاذبة التى يمكن أن يتم تناقلها هى نتيجة طبيعية لعدم وجود قوانين تنظم الحصول على المعلومات، ما يفتح الباب علىمصراعيه للشائعات والأكاذيب، ويسهل تغلغلها فى المجتمع، وعندها يصبح من حق أى شخص قول أى شىء دون الاستناد إلى مصادر موثوق بها، كما أؤكد على ضرورة اتخاذ اللازم بما يحول دون ذهاب الصحفيين والإعلاميين إلى ساحات المحاكم، حماية لحرية الإبداع والفكر.