أكدت دراسة حديثة أن الحكومة المصرية تستخدم ترسانة من القوانين القمعية سابقة التجهيز لعقاب أولئك الذين لديهم الشجاعة لانتقادها، وأن العديد من الإجراءات الإصلاحية التي اتخذتها الحكومة في السنوات القليلة الماضية مثل التعديلات الدستورية والانتخابات الرئاسية لم تتجاوز كونها "تدابير تجميلية" ، في حين استمر قمع الصحفيين الناقدين والمدونين، والتضييق على بعض منظمات حقوق الإنسان الجادة. جاء ذلك في الدراسة التي أعدتها الباحثة أميرة عبدالفتاح ونالت عنها درجة الماجستير في القانون الدولي لحقوق الإنسان بالجامعة الأمريكية بالقاهرة ونشرتها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان تحت عنوان" حرية الصحافة في مصر". وتعمقت الدراسة في طبيعة الظروف السياسية والاجتماعية التي يعيشها الصحفيون المصريون بقوة، وتناولت القيود على الحق في حرية التعبير بما فيها حرية الصحافة من منظور دولي، ثم توغلت في الواقع العملي لحالة حرية التعبير وحرية الصحافة في مصر، علاوة على القوانين التي تقيد هذه الحريت ، وتسلطها الدولة كل يوم على رقاب الصحفيين والمدونين، في نفس الوقت الذي يتم فيه إهدار المواد الدستورية والقانونية التي تؤكد على حرية الصحافة. وأشارت الباحثة في مقدمة الدراسة إلي فشل الرئيس مبارك في الوفاء بوعوده التي أطلقها عام 2004 بخصوص حرية الصحافة ومنع حبس الصحفيين وفي الوقت الحالي تعد مصر واحدة من الثلاث عشرة دولة الوحيدة في العالم التي لا يزال يسجن فيها الصحفيون بسبب آرائهم. وأكدت أنه يمكن العثور على أكثر من 35 مادة قانونية متناثرة في عدد من التشريعات، يمكن بواسطتها سجن الصحفيين. ونتيجة لذلك، فإن سَجن الصحفيين في مصر هو أحد الآليات المستخدمة على نحو منتظم لمعاقبة الذين دأبوا على انتقاد الحكومة. وتضمنت الدراسة ثلاثة فصول، الأول فيها بعنوان " الحدود والقيود على الحق في حرية التعبير بما فيها حرية الصحافة من منظور دولي " وذكرت الدراسة فى هذا الفصل أن القانون الدولي بشكل عام يسمح بوضع بعض القيود على الحق في حرية التعبير لحماية المصالح المختلفة، إلا أن مدى شرعية أي تقييد لهذا الحق الأساسي ينبغي تقييمها وفقًا للمعايير الدولية. فجميع المواثيق الدولية مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والاتفاقية الأوروبية والاتفاقية الأمريكية، والميثاق الأفريقي تقدم "اختبارًا مكون من ثلاثة أجزاء" لتحديد مدى مشروعية أية قيود يتم فرضها على حرية التعبير. وفى الفصل الثانى والذى حمل عنوان " الصحافة والنشر في مصر تقييد الحريات من خلال التشريعات " وتضمن هذا الفصل مقولة فاتح عزام : " إن حرية الرأى والتعبير ربما تكون أقل حقوق الإنسان احترامًا في العالم العربي اليوم، بغض النظر عن الأحكام الدستورية ذات الصلة في كل بلد". إن حرية التعبير، بما في ذلك حرية الصحافة، مكفولة في الدستور المصري في المادتين 47 و 48. ومع ذلك، فإن المادة 48 تسمح للدولة ب"مساحة" دستورية لتقييد حرية الصحافة في حالة الطوارئ. ويمكن للمرء أن يتصور خطورة هذا الشرط في حالة مصر، التي عاشت باستمرار في ظل حالة الطوارئ منذ تولي الرئيس حسني مبارك السلطة في عام 1981، أكثر من 25 عاما . كما أن حرية الصحافة مكفولة في المواد 206، 207، و 208 وفقا للتعديلات الدستورية في 22مايو 1981 . ونقلت الدراسة عن الكاتبة ليلى عبد المجيد في كتابها "تشريعات الصحافة في مصر" أن الإطار القانوني الذي يحكم الصحافة وصناعة النشر في مصر يتكون من مواد الدستور وقوانين الصحافة مثل القانون 148 والقانون 96، وقانون العقوبات، وقوانين النقابات، ومواثيق الشرف . وبرغم ما يبدو من قوة الإطار القانوني، وفقا للدراسة التي أجرتها نقابة الصحفيين المصرية عام 2004، فإن 57٪ من الصحفيين المصريين يعتبرون أن تشريعات الصحافة في مصر غير ملائمة . أما الفصل الثالث من الدراسة والذى حمل عنوان " أدوات جديدة للإكراه.. ترويع الصحفيين من خلال التقاضي " فقد أوضح أنه يمكن للمرء بسهولة الاتفاق مع "جويل كامبانيا" عندما يقول: إن الدول العربية- ومنها مصر- وضعت استراتيجيات جديدة لإسكات الصحافة والسيطرة على وسائل الإعلام. "وإدراكًا منها لكون القمع الصريح المباشر قد يكلفهم مكانتهم الدولية، والمساعدات الخارجية والاستثمارات الخارجية، تلجأ الحكومات العربية إلى أشكال خفية من السيطرة على وسائل الإعلام. و في تقرير لجنة حماية الصحفيين السنوي لعام 2007، احتلت مصر المركز السابع في قائمة أسوأ عشر دول تدهورت فيها حرية الصحافة. وأشار إلى أنه في سنة 2007 وحدها، كان هناك أكثر من 1000 استدعاء، ونحو 500 محاكمة للصحفيين، وفقًا للسيد سعيد أبو زيد المستشار القانوني لنقابة الصحفيين. غير أن هذا الرقم لا يشمل المحاكمات والاستدعاءات للصحفيين الذين ليسوا أعضاء في النقابة، وبالتالي دون حماية. ونقلت الدراسة عن إبراهيم عيسى أحد الصحفيين المصريين الذين يواجهون عقوبة السجن قوله : "إذا كان سبتمبر 1981 شهرًا أسود فإن أكتوبر 2007 كان شهرًا أحمر" ، مقارنا بين ما حدث في عام 1981 عندما سجن السادات عددًا كبيرًا من الصحفيين من مختلف الانتماءات لأسباب سياسية ، في حين أنه في أكتوبر 2007 وحده كان هناك 11 حكما بالسجن ضد الصحفيين ، بالإضافة إلى وجود عدد كبير من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في السجن. وتكمل الدراسة أنه نتيجة للمحاكمات المتكررة والأحكام بالسجن التي تصدر ضد الصحفيين، قررت 22 صحيفة مستقلة ومعارضة في مصر الاحتجاب يوم 7 أكتوبر 2007، لمدة يوم واحد احتجاجًا على الأحكام بالحبس، وعلى اعتداء الحكومة على حرية الصحافة وكان الإضراب نتيجة قرار اتخذه رؤساء تحرير الصحف بعد اجتماع انعقد في مقر الحزب الناصري. و رغم عدم وجود توافق في الآراء بشأن الاحتجاب إلا أن الإضراب تم للتأكيد على أن غالبية الصحفيين في مصر على استعداد للكفاح من أجل حرية الصحافة. واكتفت الدراسة فى هذا الفصل بنقل عدد من القضايا التى رفعت ضد صحفيين المعارضة في مصر وكان اشهرها قضايا الحسبة السياسية والتى كان من بينها قضية رؤساء التحرير الاربعة الشهيرة، والقضية المعروفة بقضية الشائعات حول صحة الرئيس. واختتمت الدراسة بالتأكيد على أن الحق في حرية الرأي والتعبير والحصول على المعلومات ليس ترفًا، بل هو حق من حقوق الإنسان الأساسية اللازمة لإدراك كافة الحقوق والحريات الأخرى. وهذا ما أكدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عندما أعلنت في دورتها الأولى والتى تضمنت حرية المعلومات كحق أساسي من حقوق الإنسان وأنها حجر الزاوية لجميع الحريات التي تعمل عليها الأممالمتحدة. وتشمل حرية المعلومات الحق في جمع ونقل ونشر الأخبار في أي مكان ودون أية أغلال. ولذلك، فهي عامل أساسي في أي جهد جاد لتعزيز السلام والتقدم في العالم. وأكدت الباحثة أنه في مصر لا يمكن للمرء الحديث عن حرية الصحافة دون التعامل مع مسألة الإصلاح الديمقراطي الشامل الذي يشمل إجراء انتخابات نزيهة، والفصل الحقيقي بين السلطات التنفيذية والتشريعية، والقضائية. وأكدت الدراسة على أنه يمكن القول إن الصحافة المصرية لعبت دورًا رائدًا عندما كانت حرة ولكنها فقدت هذا الدور عندما قيدتها القوانين الاستثنائية والإجراءات التي تتخذها المنظمات والهيئات الحكومية اليوم. حيث تحتل مصر المرتبة 146 في المؤشر العالمي لحرية الصحافة لعام 2007 انخفاضًا من المرتبة 133 في عام 2006. وتعتبر مصر واحدة من ال 13 التي تسجن الصحفيين. وتناولت الدراسة بالتحليل كيف استبدل المجلس الأعلى للصحافة دوره من مدافع عن حرية الصحافة وحماية الصحفيين من القيود المفروضة من الدولة إلى لعب دور المدافع عن الحكومة وتعزيز سيطرتها في مواجهة الصحافة والصحفيين. وقد رصدت الباحثة ودللت في دراستها على أن أغلب القوانين الأساسية في مصر باتت تعكس اهتمام الحكومة المصرية بالصحافة وإن كان بشكل سلبي ، حيث تضمنت هذه القوانين في العديد من موادها مزيدًا من القيود والتجريم لحرية الصحافة بدءا من قانون الصحافة وحتى قانون الطوارئ وقد شددت الدراسة في الخاتمة على أن الحق في حرية الرأي والتعبير وحق الحصول على المعلومات وتداولها ليس ترفًا، بل هما حجر الزاوية لجميع الحريات الأساسية في مصر، كما شددت على أهمية ربط حرية الصحافة بمسألة الإصلاح الديمقراطي، خاصة وأنه أصبح من الصعب التفرقة بين الصحفيين المستقلين والنشطاء السياسيين والديمقراطيين، وأن الصحفيين ونشطاء المجتمع المدني الجادين باتوا يقودون النضال من أجل الإصلاحات الديمقراطية في مصر.