أبدى سياسيون ومحللون استهجانا شديدا لقيام البعض بوصف الانتخابات الرئاسية الأخيرة ، التي حقق فيها الرئيس مبارك فوزا كاسحا بنسبة 88% ، بأنها بمثابة تأسيس ل "الجمهورية الثانية" في مصر ، مؤكدين أن ذلك لا يعدو كونه " مزايدة صحفية " غير مقبولة ، فلا سبيل للحديث عن تأسيس شرعية جديدة بأصوات 19 % من الناخبين وفي انتخابات لم يشارك فيها سوى 23 % من إجمالي الناخبين المقيدين في جداول الانتخاب . وأوضح هؤلاء المحللون أن مصر لم تشهد تغييرات سياسية على شاكلة ما أحدثه شارل ديجول في فرنسا أو سنجور في السنغال أو الرئيس نيلسون منديلا في جنوب أفريقيا حتى يتحدث الإعلام الحكومي عن جمهورية ثانية ، فالفترة ما بين فترة رئاسة مبارك الأولى ورئاسته الخامسة لم تشهد سوى تعديل دستوري وحيد شكك الكثيرون في نزاهته . وكان العديد من السياسيين والكتاب المؤيدين للحكومة قد وصفوا فوز الرئيس مبارك في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بأنه تدشين للجمهورية الثانية في مصر ، على اعتبار أن الجمهورية الأولى أسستها ثورة يوليو في عام 1954 ، عندما قررت تحويل نظام الحكم في مصر من الملكية إلى النظام الجمهورية . وأكد الدكتور عاطف البنا أستاذ القانون الدستوري أن إطلاق لفظ جمهورية ثانية ينم عن مبالغات شديدة فتعبير الجمهورية يطلق عندما يحدث تعديل جوهري من الناحيتين السياسية والدستورية ، كأن تنتقل الدولة من دستور قديم إلى دستور جديد أو حدوث تغييرات كبيرة في الدستور القديم وهو ما تفتقده مصر جملة وتفصيلا فالتعديل الذي تم في المادة 76 شابه عوارا شديدا على حسب قوله . وتساءل البنا : " كيف يتحدثون عن جمهورية ثانية باستفتاء لم يحضره سوى من 2 إلى 3% من الشعب المصري وشابه التزوير كما أكدت عدة جهات قضائية ، مشددا على أن الجمهورية الثانية لا تحدث بحصول مرشح الوطني على 19% من أصوات الشعب وفي انتخابات شابها كثير من أوجه القصور والتلاعب وتزوير إرادة الناخبين . وأوضح البنا أنه كان على الرئيس مبارك إذا أراد تأسيس جمهورية ثانية - كما يدعي الإعلام الحكومي - أن ينقل مصر نقلة دستورية وقانونية وإجراء تعديل دستوري جذري وأن يقود مصر نحو قاطرة التعددية السياسية ، أما بدون هذا فشرعية النظام نفسه محل تساؤل ، فكيف يتحدث عن جمهورية ثانية ؟ . من جانبه ، أوضح الدكتور عبد الله الأشعل المحلل السياسي أن النظام يفتقد إلى أبسط درجات الشرعية ، فكيف يتحدث عن جمهورية ثانية وهو لم يحظ إلا بدعم 19% فقط من شعب مصر ، لافتا إلى أن إطلاق لفظ جمهورية ثانية يشير إلى ضرورة تأييد الأغلبية الساحقة من الشعب للتعديلات الدستورية الجذرية التي أقرها ، ثم توافر تجربة تعددية قوية ونقلة دستورية نوعية كي يتحول الشعب من نظام رئاسي إلى نظام برلماني أو أن يجرى الرئيس كتلة إصلاحات سياسية ودستورية وهو ما تفتقده في حياتنا تماما. وتساءل الأشعل قائلا : هل تنازل الرئيس عن صلاحياته اللا محدودة أو أجرى إصلاحات سياسية جذرية تكرس مبدأ الفصل بين السلطات وهل أجرى تغييرا في طريقة انتخاب البرلمان الذي يسيطر عليه الحزب الوطني ، كل ذلك لم يتم ، ومن ثم فإن إطلاق لفظ جمهورية ثانية هو نوع من المزايدة الصحفية غير مقبولة جملة وتفصيلا. وتساءل الأشعل عن التغيير الذي حدث بين ولاية الرئيس مبارك الأولى وولايته الخامسة سوى إجراء تعديل معيب على المادة 76 ، أبقى مصر أسيرة القمع والفساد. ولم يختلف رأي الدكتور ضياء رشوان الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ، عن الآراء السابقة حيث أكد أن مصر ومنذ عام 1952 لم تجر تعديلات ذات قيمة على النظام السياسي ، فنظام الاستفتاء ظل قائما في اختيار رئيس الجمهورية منذ دستور 1954 ، حتى أخر تعديل للمادة 76 جاء بصورة مفصلة تخدم مرشح الحزب الوطني وتبقى مصر أسيرة نظام الحزب الواحد. ولفت رشوان إلى أنه لم يحدث في مصر تغيير سياسي على شاكلة ما أحدثه شارل ديجول في فرنسا أو سنجور في السنغال أو الرئيس نيلسون منديلا في جنوب أفريقيا حتى يتحدث الإعلام الحكومي عن جمهورية ثانية ، فما يحدث لن يزيد عن كونه تعديل طريق اختيار الرئيس الجمهوري بأسلوب هزلي متهافت لا ينم عن حدوث تطور سياسي. وتساءل رشوان كيف يتحدث البعض عن جمهورية ثانية قائمة على تزوير استفتاء المادة 76 ومقاطعة أكثر من 95% من الشعب لهذا الاستفتاء ثم تلي ذلك إجراء انتخابات رئاسية مصداقيتها محل شبهة كبيرة فالنظام يفتقد الشرعية والشفافية فمن أين له بجمهورية ثانية. من جهته ، قال الدكتور عبد الحليم قنديل المتحدث الرسمي باسم الحركة المصرية من أجل التغيير"كفاية" أن الاستفتاء الأخير على رئيس الجمهورية ليس انتخابات بالمعنى المعروف ، لا يمكن أن يؤسس جمهورية ثانية لأن خيار التوريث مازال قائما والأجواء السياسية لم تتغير . واعتبر قنديل أن الساحة السياسية في مصر تشهد احترابا داخليا ، يدور حول إما تأسيس جمهورية ثانية من خلال تزايد دفعة التغيير وتطور حركة الشعب التي أصبحت مصدر تهديد حقيقي للنظام ، وإما تطوير سيناريو التوريث من خلال تحويل الحكم القائم إلى ملكية مقنعة عن طريق طرح جمال مبارك مرشحا للرئاسة قبل أن تنتهي ولاية مبارك الخامسة وهو ما يشكل خطرا على الوضع القائم . ولفت المتحدث باسم كفاية إلى أن تفاقم الظروف الحالية ، والتي تتمثل في أزمة اقتصادية وحراك سياسي وحركة متزايدة للقوى السياسية والوطنية ، تنذر بتدهور الوضع الداخلي مما يهدد سيناريو توريث الحكم . واعتبر قنديل أن انخفاض نسبة التصويت إلى 23% هي من مظاهر تأكل شرعية النظام في مصر فانخفاض نسبة الناخبين من 53% في الاستفتاء على تعديل المادة 76 إلى 23% في الاستفتاء الأخير على رئيس الجمهورية يعني أن شرعية النظام انخفضت إلى النصف خلال 3 شهور فقط . في السياق ذاته ، اعتبر حمدين صباحي وكيل مؤسسي حزب الكرامة العربية "تحت التأسيس" أن الجمهورية الثانية تبدأ بالفعل عندما يكون هناك انتخابات رئاسية حقيقية تسمح بتداول سلمي بين أكثر من متنافس حقيقي ولكن الانتخابات الأخيرة كانت مجرد استفتاء في شكل انتخاب لتثبيت مبارك على كرسي الحكم . وحدد صباحي معالم الجمهورية الثانية وهي أن يكون هناك تعديلا حقيقيا للدستور يسمح بانتخابات حقيقية وإطلاق حرية تكوين الأحزاب وتنشيط حركة مؤسسات المجتمع المدني وإصدار الصحف وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية وتحديد فترة الحكم بولايتين فقط من خلال تعديل المادة 77 من الدستور وإلغاء القوانين سيئة السمعة وعلى رأسها قانون الطوارئ وإجراء انتخابات طلابية نزيهة في ظل لائحة طلابية جديدة .