ليس الحزب الوطني من يحكم مصر فحسب بل يحكمها قوتان " الحكومة وجماعة الإخوان المسلمين " تلك كانت كلمات أحد أصدقائي من الكتاب المصريين والتي ما زال يتردد صداها في أذناي عند متابعتي لتطورات الوضع السياسي في مصر ولا أنكر أنني اعتبرت وقتها هذه الكلمات شكلا من أشكال المبالغة في إصدار الأحكام التي ربما يخالطها موقف شخصي لصاحب الكلمات من جماعة الإخوان حيث عانى منهم – بحسب تعبيره - الكثير من الويلات .. كما خشيت وقتها أن تصادف لدي هذه الكلمات هوى في نفسي بعد تجربة أليمة عشتها وأنا طالب بالجامعة مع إخواني من أبناء جماعة الإخوان الذين كانوا يتعاملون معي ومع التنظيم الذي أنتمي إليه – برغم إسلاميته- بأقصى استعلاء في الوقت الذي كان يقدم فيه تنظيمي كل ما لديه من أجل عيون الإخوان . غير أنني أرى في نفسي شئ من الموضوعية فموقفي من الإخوان ليس وليدا لتجربتي معهم بالجامعة والتي تحتاج إلى تفصيل أكثر ليس مقامه الآن ولكنه موقف كان سابقا على التحاقي بالدراسة الجامعية ثم كانت هذه التجربة الجامعية التي أكدت مواقفي . وعلى الرغم من هذا الصراع الذي ينتابني كلما رغبت في الكتابة في أي من الموضوعات التي ربما تمس الإخوان من قريب أو بعيد خشية أن أتعرض لإخوة لنا في خندق الدعوة والجهاد بشيء يسبب لهم ألما أو ضيقا تكن نتيجته دعوة لأحد الصالحين منهم فتصيبني بسوء أو توقع علي غضب من الله وبين أمانة القول والشهادة التي ربما أحاسب عليها حسابا شديدا إن أنا أنكرتها خاصة وأن الله مطلع على ما في قلبي من حقيقة إيماني وحسن نيتي إلا أنني أجدني أنحاز إلى القول بما أراه صوابا ..وهو ما يدفعني إلى أن أستحضر دائما أن اللوم أو العتاب أو حتى النقد الذي أقدمه لجماعة الإخوان يأتي من منطلقين : أولهما : أن الجماعة تنظيم وتكتل له منهجه ووسائله التي نختلف أو نتفق عليه .. فما تطرحه لا يعدو عن كونه اجتهادا لا يمثل الحق المطلق أو القول المقدس لذا فإن مواقف الرفض أو النقد إزاء الطرح يعد رفضا أو نقدا لاجتهاد وليس لثابت من ثوابت الإسلام . ثانيهما : هو حرصي الشديد على نقاء ووضوح الرؤية الإسلامية التي تحملها وتجسدها الحركة الإسلامية باتجاهاتها المتعددة حيث إن الجماهير شئنا أم أبينا تحدث عملية ربط بين السلوك الفعلي والعلمي بل وحتى على مستوى الأدبيات التي تطرحها الحركة وبين الفكر الإسلامي ذاته ... وهو ما يجعل البعض من المتربصين والحاقدين يتخذ أداء هذه الحركة سلبا أو إيجابا كأداة للحكم والتقييم للفكرة الإسلامية ذاتها .. وفي ذلك نماذج كثيرة .أنظر مثلا رفعت السعيد وفرج فودة وفؤاد زكريا وآخرين . الجماعة إذن ليست مقدس أو ثابت بل هي كيان أي كان جوهره وكنهه قابل للتطور وللمراجعة كما هو قابل للنقد والإشادة ... والتطور والمراجعة يحدثان بحركة من النقد الذاتي داخل الجماعة وعتاب المحبين فضلا عن الهجوم الذي يشنه المخالفون . فليس إذن كل نقد أو عتاب يضر بالجماعة بل ربما يكون في صالحها لو أخذ باعتباره نصحا أو كشفا لعيب " رحم الله رجلا أهدى إلي عيوبي " . كانت تلك مقدمة أردت بها وعلى غير عادتي أن أبدأ بها مقالي حول الانتخابات البرلمانية ومستقبل الحياة السياسية في مصر فقد انتهت الانتخابات بمراحلها الثلاثة وتكشفت واتضحت للجميع ملامح الصورة السياسية ببعض تفاصيلها وطرحت السيناريوهات المستقبلية للحياة البرلمانية وقد وذهب البعض إلى أن النظام المصري ربما لا يطيق وجود ما يقرب من 20 % من أعضاء البرلمان من النواب المنتمين إلى الإخوان وهو ما سيعجل بصدور قرار بحل البرلمان بعد شهور من انعقاده .. في الوقت الذي استبعد فيه آخرون ومنهم من ينتمي إلى التيار الإسلامي من غير الإخوان صدور مثل هذا القرار في الوقت الذي يتردد فيه أن ثمة صفقة تم عقدها بين النظام والجماعة يتم بموجبها إعطاء عدد من مقاعد البرلمان للجماعة مقابل أن تقبل الجماعة بتمرير عدد من القوانين التي تعتزم الحكومة إصدارها خلال السنوات القادمة . بل إن آخرين يصلوا بتحليلاتهم إلى أن الإخوان ربما يقبلوا بفكرة التوريث الديمقراطي لجمال مبارك نجل الرئيس المصري ليتولى منصب رئيس الجمهورية خلفا لأبيه الذي تتزايد التكهنات يوما بعد يوم حول عدم استمراره إما لموت أو لظروف صحية متدهورة . ويمكن القول بأن أغلب هذه التحليلات لا يخرج عن كونه تكهنات واستنتاجات لا يمكن الحكم بصحتها أو خطأها فهي تستند إلى مواقف وتصريحات صادرة من قيادات الإخوان وهو ما لا يمكن اعتباره والأخذ به – في حالة الإخوان بالذات – للتعرف على حقيقة الموقف السياسي للإخوان . فقد عودتنا الجماعة وعلى مدار سنوات طويلة أن تتبنى العديد من الخيارات والاجتهادات والآراء في الوقت الواحد حيث تخرج منه ما تشاء بحسب ما تقتضيه الظروف والأحوال على ألسنة قياداتها المتعددين ليكون ما قاله فلان تحسينا لما قاله علان إن هو قوبل برفض أو هجوم فضلا عن المواءمة التي تتبعها الجماعة في التعامل مع الزخم الجماهيري الذي ربما لا يصادف هواها لكنها في حاجة إلى أن تعلن من خلاله عن وجودها أو تسقط عن كاهلها عتاب الآخرين بالتخلي . والنماذج متعددة ومتكررة بل كثيرا ما تكون متوقعة أيضا لدى البعض .. فخلال حالة السخونة والحركة التي انتابت الحركات السياسية - خلال الشهور السابقة على الانتخابات البرلمانية- في إطار رفض التمديد لمرة خامسة للرئيس المصري وطرح فكرة التوريث لنجله جمال لم يشارك الإخوان إلا في المظاهرات التي خرجوا فيها بمفردهم - على المستوى التنظيمي - للمطالبة بالإصلاح السياسي في حين لم يرفعوا نفس الشعارات التي رفعتها الحركات السياسية ووصلت بها إلى سقف سياسي اعتبر وقتها أنه مكتسبا سياسيا وكسرا لحاجز فرض لسنوات طويلة وقد اعتبر البعض أن الإخوان أرادوا بذلك فقط إرسال رسالة إلى النظام فضلا عن اعتبارها فرصة لاستعراض عضلاتهم وقوتهم التنظيمية والحركية . ومع قرب الانتخابات الرئاسية التي أجريت في شهر سبتمبر من عام 2005 خرج الإخوان في مظاهرات أمام نقابة المحامين بالتنسيق مع الجبهة الوطنية التي تم تشكيلها بالتعاون مع بعض الكيانات والأحزاب السياسية غير أنهم رفضوا وخلال اجتماعات أطراف الجبهة للتنسيق ترديد شعارات لا لمبارك على غير رغبة بقية أطراف الجبهة كما تلقت عناصرهم تعليمات خلال هذه التجمعات بعدم الرد على أية هتافات تمس الرئيس مبارك .. كما جاء موقفهم من الانتخابات الرئاسية غريبا ومثيرا للتساؤلات حيث صرح الأستاذ مهدي عاكف المرشد العام للإخوان عن أن الجماعة لا تقاطع الانتخابات الرئاسية غير أن أمر اختيار المرشح متروك لكل عضو بالإخوان بحسب ما يرضي الله ويراه هو شخصيا أصلح .. وقد أثار ذلك الموقف دهشة الكثيرين حيث إن هذه الانتخابات اعتبرت مهزلة في ظل القصور الذي شاب تعديل المادة 76 من الدستور والذي قوبل برفض شعبي عام .. واعتبر موقف الإخوان انتصار ضمنيا للرئيس مبارك برغم التصريحات التي تناثرت هنا وهناك حول رفض الإخوان لمبارك أو دعمهم وتأييدهم لأيمن نور. وكانت نتيجة الانتخابات وحجم المشاركة أكبر دليل على أنهم لم يعطوا أصواتهم لنور كما أنهم لم يعطوا أوامرهم بانتخاب مبارك أو عدم انتخابه . وقد خالطت الكثير من تصريحات الإخوان في تلك الفترة هذه الأحداث وتراوحت بين فتح الباب وغلقه بين رفض مبارك على لسان الدكتور محمد حبيب ووجوب طاعة ولي الأمر على لسان الأستاذ محمد مهدي عاكف . فلا يمكن إذن الأخذ بتصريحات الإخوان للكشف عن نوايا الجماعة والتنظيم ولا يمكن الاعتبار بهذه التصريحات إلا في الحوار مع الجماعة والتنسيق معها . والعلاقة وثيقة للغاية بين هذا المنهج السياسي الذي تتبعه جماعة الإخوان وبين مستقبل الحياة السياسية في مصر حيث حالة الغموض وعدم الشفافية التي تتميز بها مواقف الجماعة تنعكس بشكل كامل على الغموض الذي سيكتنف هذا المستقبل وهو ما يدفع إلى القول بجواز وقوع كل الاحتمالات المطروحة سواء كانت حل البرلمان أو عدم حله والأقرب منطقيا – وإن كانت المعايير المنطقية غير منضبطة تماما عند الحديث عن الإخوان – أن جماعة الإخوان ستحاول استغلال هذه الدورة البرلمانية لإرسال عدة رسائل تطمينية لكل المتخوفين من وصول الإخوان إلى الحكم سواء كان هؤلاء في الخارج أو في الداخل . فالأداء البرلماني وطبيعة الاستجوابات والاستفسارات التي ستتقدم بها الجماعة يجب أن تراعي أن هناك لاعبا قويا في السياسية المصرية هو الولاياتالمتحدةالأمريكية التي يجب أن تتأكد من أن وجود الإخوان لن يزيد من عداء الجماهير لها بل على العكس سيكون ذلك امتصاصا لحالة الاحتقان السائدة في الشارع العربي عامة والمصري بصفة خاصة . كما يجب أن يحسن الإخوان الفرصة لمخاطبة المثقفين عبر التأكيد على إيمان الإخوان بحرية الرأي والتعبير والإبداع الذي ليس له حدود . وهو الدور الذي سيحدد سقف الأداء البرلماني ل 88 عضوا من المنتمين للجماعة بما يصنع كذلك حالة من حالات الهدوء النسبي فيما بين الجماعة والنظام لتبادل المصلحة . وقد بدأ الإخوان مبكرا في القيام بدورهم حيث تزايدت تصريحات التطمين الموجهة للخارج والتي لا تستبعد الحوار مع الآخر والموقف من الحضارات المختلفة ..في حين قام الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح عضو مكتب إرشاد الجماعة بزيارة الكاتب والروائي العالمي نجيب محفوظ ويقدم له قلما كهدية باسم الجماعة مؤكدا أن الإخوان مع الإبداع حتى وإن وصل إلى درجة الإلحاد وأنهم ضد مصادرة الأزهر لبعض الكتب بحجة أنها تسئ للإسلام فالفكر يجب أن يواجه بفكر مثله كما أن ما طرحه الأستاذ سيد قطب خلاله كتابه " في ظلال القرآن " لا يعبر إلا عن حالة مرضية مر بها الكاتب . " أخبار الأدب عدد 18 / 12 / 2005 " ولكن وفي ظل هذه الأجواء هلي ستستمر تلك الحملة الإعلامية الهجومية التي يشنها النظام المصري على جماعة الإخوان أم أنها ستتلاشى بانقضاء مهمتها في إعطاء الغطاء الشرعي للممارسات الأمنية التي مورست ضد مرشحي الإخوان للحد من سقف أطماعهم في الحصول على عدد أكبر من مقاعد البرلمان ؟ . الدلائل كلها تشير إلى أن السيناريو المقبول هو أن هذه الحملة ستنتهي إلا من آثار بسيطة تتردد بين الحين والآخر حتى لا ينسحب البساط من تحت أقدام النظام بل ربما يصل الأمر إلى أن يصبح قيادات الإخوان ضيوف دائمين على التلفاز كمقدمة للقيام بالدور الأهم والأخطر فيما بعد . وقد يدفع ذلك أيضا النظام السياسي إلى تمرير الموافقة على حزب الوسط الذي يقوم على تأسيسه مجموعة من المنشقين على الإخوان كأحد أدوات التصدي إلى تغلغل الجماعة على المستويين الفكري والتنظيمي وإن كان النظام يدرك حقيقة قوة حزب الوسط . وتأتي الأحزاب السياسية الغائب الحاضر في المشهد السياسي المصري ككومبارس يتلعثم في أداء دوره الذي لا يتعدى بضع كلمات فأغلب الأحزاب التي خاضت الانتخابات الرئاسية الماضية لم تجرؤ على خوض معركة الانتخابات البرلمانية بما يستحق وهو ما يضع العديد من علامات الاستفهام .. فهل يرغب النظام في فضح نفسه عندما يؤكد أن رؤساء الأحزاب الذي سمح لهم بالترشح في الانتخابات الرئاسية ليست أحزابهم أحزاب حقيقية وأن ترشحهم جاء بإيعاز من النظام ذاته ؟ أم يريد أن يلفت نظرنا إلى أن نزول هؤلاء كان أكبر دليل على أن كل من يرغب في منافسة مبارك ليس له وجود حقيقي والأمر لا يزيد عن رغبة في الظهور ومناطحة الرئيس ؟ غير أن ذلك لا يؤثر سلبا على هذه الأحزاب التي تعاني من عدم وجود في الأساس وكان خوضها للانتخابات الرئاسية فرصة لن تعوض للإعلان عن ذاتها المختصرة في رؤساؤها... والمتوقع ألا يطرأ جديد على أداء هذه الأحزاب وأنها ستظل كما هي عليه الآن . يضاف إلى ذلك الأداء الهزيل لما يسمى بأحزاب المعارضة "الرئيسية" - مع تحفظنا على هذه الاسم - فمع تلك الحرية التي أتيحت لهذه الأحزاب وذلك التلميع الإعلامي الذي حظي به قياداتها عبر وسائل الإعلام المختلفة إلا أن ما حصلت عليه هذه الأحزاب مجتمعة من مقاعد البرلمان لا يزيد عن عدد أصابع اليد وهو ما أدخل هذه الأحزاب سواء على مستوى أداءها السياسي أو قياداتها أو برامجها في مقارنة صريحة مع جماعة الإخوان بمفردها ومع ذلك فقد كانت كفة المقارنة في صالح الإخوان وأعتقد أن الأمر لا يقتصر على الخطاب الديني والشعارات الدينية التي تبنتها الجماعة في دعاياتها الانتخابية فمرشحي حزب العمل مثلا وقد بلغوا 12 مرشحا حملوا نفس الشعارات وطرحوا برنامج يتشابه مع برنامج الإخوان ومع ذلك لم يفز أحدهم بمقعد واحد في البرلمان برغم التأييد العلني من الإخوان لبعض هؤلاء المرشحين في دوائرهم .. ولا يقال هنا أن انتهاكات منعت من فوز أحد هؤلاء .. فقد تعرض الإخوان كذلك لانتهاكات شديدة أدت إلى مقتل العديد من الناخبين . المسألة إذن ليست شعارات دينية أو تعاطف الناس مع الخطاب الديني فحسب بل قوة تنظيم وتغلغل كوادر في كل مكان وكل المؤسسات وهو ما يغيب عن الأحزاب السياسية التي لا تنطلق في عملها على أساس فلسفة العمل الحزبي الهادف إلى الوصول للسلطة وهو أمر ربما لا تتحمل الأحزاب وحدها وزره . كان يعتقد البعض أن الانتخابات البرلمانية ستكون نقطة انطلاق جديدة لأحزاب المعارضة التي بلغت 21 حزبا وقد خاب هذا المعتقد فقد أبقت الانتخابات على هذه الأحزاب في نقطتها المكانية ... والإيجابية الوحيدة التي نتجت عن هذه الانتخابات أنها أطلقت صفارة إنذار حقيقية لهذه الأحزاب وكوادرها بأن ثمة مراجعة لابد أن تحدث لمن أراد أن يعي الدرس وأن دفن الرؤوس في الرمال كفيل بأن يقضي على ما تبقى من هذا الحزب أو ذاك .. وهذا لو حدث فإن حالة من الصراع والاحتدام الفكري والتنظيمي ستشمل عددا من الأحزاب من أجل التخلص من السلبيات المتراكمة وقد بدت بوادر ذلك داخل حزب الوفد مثلا ويتوقع أن تكون قريبا في حزب "التجمع" كما ستشمل الحزب "الناصري" والذي بدأت بعض عناصره بالفعل تذهب إلى حزب الكرامة " تحت التأسيس " .. وهي حالة برغم مظهرها السئ إلا أنها إيجابية في حد ذاتها حيث ستفرز بعد فترة قيادات جديدة ربما تنجح في انتشال هذه الأحزاب من الضياع النهائي . والأمر يتوقف هنا على قدرة النظام على تحمل هذه المراجعة التي ستمر بها الأحزاب المعارضة إذ أنه يدرك تماما أن هذه الحالة في غير صالحه وأنها كفيلة بإحداث حراك سياسي عام سيشمل بطبيعة الأمر الحزب الوطني الحاكم ذاته . ويظل اللاعب القوي مقارنة بأحزاب المعارضة في الساحة السياسية هي الحركات التغيرية الجديدة ومنها حركة " كفاية " التي استطاعت أن تحدث حالة من حالات اندماج وتقارب بين المئات من العناصر الحزبية والناشطين المستقلين في بوتقة واحدة تجمعهم مشتركات وطنية محددة وتبقي فيما بينهم فواصل أيدلوجية وفكرية كثيرة قابلة للانفجار في أي وقت حيث تحاول الحركة أن ترد وبشكل سريع على تأكيد استمرارها في السعي من أجل تحقيق أهدافها المعلنة على الرغم من نجاح النظام في التمديد للرئيس مبارك وذلك عن طريق الإعلان مجددا عن سلسلة من المسيرات الشعبية لفضح انتهاكات النظام خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة .. وكان في ذلك أبلغ رد على القائلين بأن الحركة حركة وقتية .. لكن يبقى أن مستقبل الحركة متوقفا ومرهونا على تجاوب الجماهير مع الحركة وهل تنظر إليها الجماهير الآن كما كانت تنظر إليها قبل انتخابات الرئاسة أم أنها فقدت إزاءها الكثير من المصداقية والآمال المعلقة بعد فشلها في تحقيق هدفها الرئيسي ؟. ينتظر كذلك أن تبذل الحركة الكثير من الجهد وخاصة جناحها الشبابي " شباب من أجل التغيير " الذي هو قلب الحركة النابض من أجل ضخ دماء جديدة داخل قيادة " كفاية " فضلا عن توسيع دائرة العضوية والمشاركة .. غير أن ما يمكن أن يعوق الحركة في المرحلة القادمة تلك الفوارق الأيدلوجية التي تظهر كلما اقتربت الحركة من تبنيها لقضايا هي بمثابة المحكات لدى الأطراف الفاعلة في الحركة - مثلما حدث مع المظاهرات التي خرجت من أجل دعم الوحدة الوطنية ورفعت خلالها شعارات أثارت غضب البعض - والأفضل والأبقى ألا تحاول الحركة الانجرار أو الانخراط في مثل هذه القضايا حتى لا تكن النتيجة انفضاض المولد وذهابها هباء منثورا . أما أمريكا فإنها تعتبر أن ما شهدته مصر خلال الشهور الأخيرة بمثابة خطوات حقيقية على طريق الديمقراطية وأن استجابة النظام المصري لمطالبها يعد تجديدا لثقتها في هذا النظام الذي يستطيع وبجدارة تحقيق المعادلة الصعبة المتمثلة في الموازنة بين ضغوط الخارج ومتطلبات الداخل . واستطاع بذلك النظام المصري أن يحدد سقف الضغوط التي يمكن أن تمارس عليه والتي في ظلها يمكن أن يحافظ على المشهد السياسي دون إحداث أي من المفاجآت التي تسبب له صدمة لا يحتملها وهو ما سيدفعه إلى الإبقاء على نمط الحياة السياسية الحالي مستخدما كل إمكانياته . *************************************************** *صحفي مصري