أمل.. يأس.. تزوير.. شعارات تحملها انتخابات مجلس الشعب المصري المقرَّرة الأحد ال 28 من نوفمبر لعام 2010، فبالتزوير اتَّهمها الكثير، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، وباليأس يعيشها المواطن العادي.. وبالأمل يتمنَّاها الحزب الوطني "الحاكم".. خاصَّة أنها البروفة الأساسيَّة والأخيرة لانتخابات الرئاسة المقرَّرة العام المقبل. تُرفع هذه الشعارات على رؤوس الأشهاد إلى جانب الشعارات المعتادة ك "الإسلام هو الحل" الذي يرفعه الإخوان رغم أنف المنع الحكومي، والآية الكريمة "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ" التي باتت شعار مرشحي الحزب الوطني، رغم أن قيادات الحزب تنادي بتحييد الشعارات الدينيَّة جانبًا.. ووسط انتخابات تقف عند حدّ "الشعارات" فقط يا ترى كيف ستنتهي ولمن ستكون الغلبة؟ الحزب الوطني الديمقراطي مما لا شكّ فيه أن الحزب الوطني هو المرشَّح الأكثر فرصًا في الفوز بالأغلبيَّة الساحقة، فهو يمتلك عناصر قوة كثيرة، حيث يقوده رئيس الدولة، ويحكم البلاد بدون انقطاع منذ نشأته عام 1978، وتُسخَّر كل أجهزة الإدارة والأمن لخدمة مصالحه، ويقوده رجال أعمال بوسعهم أن يوفِّروا له كل ما يحتاجه من إمكانيات وموارد ماديَّة، ودون الاعتماد على موارد الدولة إن أراد. لكن مع امتلاكِه لكل هذه القوَّة إلا أن الحزب الوطني دائمًا ما يعيش حالات الحرج وربما القلق والخوف من الفشل في كل انتخابات يقودها أو يكون أحد أركانها، ولذلك أعدَّ العدَّة ليبعد ما يقلقه وما يخيفه، فبدأ بإبعاد القضاة عن الإشراف على الانتخابات تحاشيًا لما شهدتْه الانتخابات السابقة من فضح لعمليَّات تزوير علنيَّة، هذا غير رفضه القاطع الرقابة الدوليَّة على هذه الانتخابات ولو من حيث المبدأ. وتعجب أن يصف قيادات الحزب الرقابة الدوليَّة -ومنهم الدكتور فتحي سرور رئيس المجلس الأخير- بأنها "تشكِّل انتهاكًا للسيادة"، وأيضًا الدكتور مفيد شهاب، بأنها "إهانة للكرامة الوطنيَّة"، بينما اكتفى ثالثهم، وهو السيد صفوت الشريف، بالقول إنها مجرد "تطفُّل سياسي غير مقبول"، وتأتي هذه التصريحات على الرغم من أن مصر سبق لها وأن راقبت انتخابات خارجيَّة، ولعلَّ السودان كانت آخرها. وليت الأمر يقتصر على منع الرقابة الدوليَّة وحدها، ولكنه انصرف أيضًا إلى أي نوع من الرقابة، حتى ولو كانت محليَّة، فقد نشرت الصحف مؤخرًا تقارير تؤكِّد رفض "اللجنة العليا للانتخابات" أو "المجلس القومي لحقوق الإنسان" منح تراخيص بأعداد كافية للمتطوعين من مؤسَّسات المجتمع المدني المصري لمراقبة الانتخابات، مما دفعها للتهديد صراحةً بالانسحاب من أداء هذه المهمَّة الوطنيَّة، لأنها لن تتمكن من القيام بها على المستوى المطلوب، وترفض لعب دور "شاهد الزور"، الذي تُدفع إليه دفعًا. ويرى محلِّلون وعلى رأسهم الكاتب الصحفي الكبير حسن نافعة أن هذه التصرفات إن دلت على شيء، فإنما تدل على نيَّة مبيَّتَة في التزوير، بل وعلى نطاق واسع أيضًا، ويتساءل قائلًا: "هل من تفسير لكل هذا الإصرار على التزوير، رغم توافر فرص معقولة للفوز في انتخابات نزيهة؟!". ويضيف نافعة، أنه لو كان هدف الحزب هو مجرد الفوز لما كانت هناك حاجة لكل هذا التعنُّت من جانبه، خصوصًا في انتخابات بلغ عدد مرشحيه فيها أكثر من أربعة أضعاف المرشحين من أي حزب أو جماعة أخرى. وقد جرت العادة خلال انتخابات مجلس الشعب في العقود الأخيرة، أن يصرَّ الحزب الوطني دائمًا على أن تكون له أغلبيَّة تتجاوز ثلثي عدد المقاعد على الأقل، كي يتمكن من الهيمنة المنفردة على الآلة التشريعيَّة ويصبح بمقدوره تمرير أي قوانين يراها، مهما كانت استثنائيَّة أو مخالفة للدستور، بحسب نافعة الذي زاد على ذلك، وأكَّد أنها ليست مصادفةً أن النظام المصري لم يعرف حتى الآن، ومنذ انطلاقة، التعدديَّة الحزبيَّة عام 1975، أو معنى الحكومة الائتلافيَّة، أو معنى "التعايش السياسي" في دولة ينتمي رئيسها ورئيس حكومتها إلى حزبين مختلفين، كما حدث ويحدث كثيرًا في فرنسا، على سبيل المثال. كما أنه ليس مصادفة أيضًا عدم تمكُّن البرلمان المصري طوال الثلث قرن الأخير من سحب الثقة من أي حكومة، أو حتى توبيخ وزير ودفعِه إلى تقديم استقالته، لذا فإن مخاوف المراقبين من تزوير الانتخابات تظلُّ قائمةً طالما بقيت مراقبة هذه الانتخابات تنحصر في حزب واحد يملك كل شيء، ولا يريد ولا يسعى لإعطاء أي شيء لأي كائن من كان. الإخوان ومحاولة تكرار الإنجاز لا شكّ أن عدد المقاعد التي حصلت عليها جماعة الإخوان المسلمين خلال الانتخابات الماضية وهي 88 مقعدًا تُعد "إنجازًا كبيرًا"، إلا أنه يتبادر للذهن سؤال هام جدًّا، ألا وهو هل ستحقِّق الجماعة هذا العدد هذه المرَّة، وما هو العدد الذي من الممكن أن تحصل عليه الجماعة خلال هذه الانتخابات التي بلا شك الفرص فيها أضعف بكثير؟ بالعودة إلى تاريخ الانتخابات السابقة، نجد أن الجماعة حصلتْ على 17 عضوًا في برلمان 2000 وحصلت على مقعد واحد فقط في برلمان 1995 ولم يشهد برلمان 1990 وجود أي إخواني، وبالتالي يصعب مقارنة الانتخابات الماضية 2005 بالمقبلة 2010، لأن ما حدث كانت له دوافعه وأسبابه التي من أهمها: الإشراف القضائي والضغط الأمريكي آنذاك -بقيادة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش- على النظام المصري لفتح المجال أمام المعارضة، ومع غياب هذين السببين هذه المرَّة فإن أكثر المحللين تفاؤلًا يرى أن الجماعة بالكاد ستحصل على من 10 إلى 20 مقعدًا، هذا في أغلب الاحتمالات، فيما يرى آخرون أن العدد سيكون أقلَّ من ذلك بكثير.. لكنها تظلُّ تكهنات، إذ أنه ربما يكون هناك سبب آخر غير معلوم يقلب الطاولة على الجميع. وهناك "حدوتة" صحفية تقول: إن أحد الصحفيين المقربين من كبار رجال الدولة سأل أحدهم ذات مرة عن العدد الذي سيحصل عليه الإخوان في انتخابات مجلس الشعب فرفض المسئول الإجابة، إلا أن الصحفي باغته قائلًا في صيغة إجابة ممزوجة بسؤال: "هل سيحصلون على عشرة مقاعد؟!" فما كان من ذلك المسئول إلا أن قطّب جبينه مغاضبًا من الرقم، الأمر الذي فهم منه الصحفي أن ما ذكره رقم ربما كان كبيرًا.. هذه القصة إنما تحمل في طياتِها ماذا يخبِّئ النظام لهذه الجماعة خلال تلك الانتخابات. منظمات ومراقبون اتَّفقت عدة منظَّمات حقوقيَّة على أن انتخابات الشعب بمصر، ستشهد تزويرًا معدّ له مقدمًا، وذلك رغم تكرار التعهُّدات الحكوميَّة بعدم التزوير والعمل ب "شفافية". وقد عبَّرت هذه المنظَّمات الحقوقيَّة المحليَّة عن قلقها من "عدم وجود نيَّات حقيقيَّة لإجراء انتخابات نزيهة"، مشيرةً إلى أن المؤشِّرات تؤكِّد أن الحزب الوطني الحاكم "يعدُّ العدة للتزوير"، إذ ترى الشبكة العربيَّة لمعلومات حقوق الإنسان أن "كل الطرق تؤدي إلى انتخابات برلمانيَّة مزوَّرة بعد رفض المراقبة الدولية ومنع المؤسسات المستقلة من الإشراف". ويقول مدير الشبكة الناشط جمال عيد: "ليس مبالغةً أن نقول إن هذه الانتخابات قد انتهت قبل أن تبدأ، فكل الطرق تؤدي إلى انتخابات مزوَّرة وباطلة، بدءًا من سيطرة وزارة الداخليَّة على مجريات العمليَّة الانتخابيَّة والشكوك الشديدة في الإجراءات التي اتخذتها اللجنة القضائيَّة المشرفة على الانتخابات، وانتهاءً بحملات الاعتقال الواسعة التي تشنها أجهزة الأمن ضد مؤيدي جماعة الإخوان" لكن الأمين العام للحزب الوطني صفوت الشريف رفض تلك المزاعم، وتعهَّد بإجراء انتخابات حرَّة وشفافة ونزيهة، مؤكدًا أن الحزب الوطني عالج كثيرًا من السلبيَّات التي صاحبت العمليَّة الانتخابيَّة لعام 2005. كما تُبدي دوائر سياسيَّة مصريَّة قلقها من إمكان إحجام الناخبين عن المشاركة في الاقتراع، في ظلِّ ما يتردد من أن النتيجة محسومة سلفًا لمصلحة الحزب الحاكم، وفي ظلّ المخاوف من اندلاع مواجهات دامية في الشارع بين أنصار المرشحين المتنافسين، وخصوصًا بين مرشحي الوطني ومرشحي "الإخوان" وبين هؤلاء أيضًا وقوَّات الأمن. المنافسة وأما بخصوص المنافسة، فإن الحزب الوطني "الحاكم" في مصر يتصدَّر مشهد المنافسة في المعترك الانتخابي، إذ ينافس ب 845 مرشحًا من بينهم 68 مرشحة ينافسن على مقاعد "كوتة المرأة"، في مقابل مشاركة محدودة لبقيَّة الأحزاب يبرز منها حزب الوفد ب 222 مرشحًا، والتجمع ب 82 مرشحًا، في حين تضفي مشاركة "الإخوان" ب 130 مرشحًا بعضًا من أجواء الإثارة والسخونة، على رغم تأكيد مراقبين أن الجماعة لن تتمكَّن من تسجيل النجاحات نفسها التي حققتها في العام 2005 (88 مقعدًا). وشهدتْ مقدمات الانتخابات حالات غريبة، منها: إصدار محكمة القضاء الإداري أمرًا بوقف إجراء الانتخابات التشريعيَّة في دوائر محافظة الإسكندرية الساحلية (10 دوائر) وبعض دوائر محافظة القليوبيَّة لعدم تنفيذ أحكام أصدرتها بإعادة إدراج أسماء عددٍ من المرشحين معظمهم من جماعة "الإخوان" استبعدتهم السلطات في كشوف المرشَّحين، في حين تقدَّم الحزب الوطني ببلاغ إلى النائب العام اشتكى فيه قيام مجموعة من الأفراد من المنضمين إلى "تنظيم غير مشروع" (جماعة الإخوان) بمباشرة نشاط سياسي بالمخالفة لأحكام الدستور والقانون، والترشح لانتخابات مجلس الشعب باسم التنظيم وتحت عباءته، وهو الأمر الذي يخالف القانون، وطالب بالتحقيق في الشكوى واستبعاد من تثبت إدانتُه، وهي الخطوة التي اعتُبرت محاولةً لإقصاء "الإخوان" عن المشهد الانتخابي. المصدر: الاسلام اليوم