هناك أسماءٌ لا تُذكَر في مجال الطب بوصفها مجرّد نجاحات، بل كعلامات فارقة تُقاس بها معايير التفوق الإنساني والعلمي. ومن بين هذه الأسماء يبرز الأستاذ الدكتور محمد عبدالوهاب؛ ليس بوصفه جرّاحًا مرموقًا فحسب، بل باعتباره حالة استثنائية في القيادة العلمية. وأنا أكتب هذا المقال، لا أقدّم عرضًا حياديًا باردًا، بل أعبّر عن قناعة راسخة تشكّلت لديّ عبر متابعة مسيرة هذا الرجل، ومشاهدتي أثره الممتد في الوجدان الطبي المصري، وفي المنصورة تحديدًا؛ تلك المدينة التي أصبحت –عن جدارة– عاصمة الطب، ومنارةً علمية يتوجه إليها المرضى والأطباء من مصر وخارجها، بما تمتلكه من مؤسسات طبية عريقة وروّادٍ حفروا أسماءهم في ذاكرة العلم. لم يكن إنشاء مركز زراعة الكبد بجامعة المنصورة مجرّد مشروع طبي، بل كان حالة نادرة من تكاتف المجتمع: أساتذة، ومتبرعون، وجهات داعمة، وشبابٌ آمنوا بأن إنقاذ حياة إنسان هو أسمى صور العمران. وقد جاء هذا المركز متجاوزًا توقعات الجميع، حتى أصبح صرحًا رائدًا في الشرق الأوسط، وأيقونة لطب زراعة الكبد . ثم جاءت اللمسة الإنسانية التي غيّرت المشهد كليًا: قرار فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي بإدراج عمليات زراعة الكبد على نفقة الدولة. هذا القرار –في جوهره– لم يكن مجرد سياسة صحية، بل رسالة إنسانية تؤكد أن الدولة تحمي مواطنيها في أكثر لحظات ضعفهم، وتدعم الطب المتقدم بوصفه إحدى ركائز الأمن القومي. وقد انعكس هذا القرار على آلاف الأسر التي كانت تقف على حافة اليأس، فإذا بالأمل يُبعث من جديد. في قلب هذا المشهد يقف الدكتور محمد عبدالوهاب؛ الرجل الذي لا تُقاس عطاءاته بعدد العمليات الجراحية، بل بالكوادر التي صنعها، والأجيال التي صارت امتدادًا طبيعيًا لفكره وبصمته. ومدرسة عبدالوهاب اليوم إحدى تلك التجارب الملهمة التي تُثبت أن العالم الحقيقي هو الذي يخلق أثرًا يتجاوز عمره. لقد وجدتُ هذا المعنى حاضرًا بوضوح خلال مشاركتي في مؤتمر الجمعية الدولية لجراحي الكبد والجهاز الهضمي والأورام، الذي عُقد برئاسة الدكتور عبدالوهاب. وكان لافتًا حجم المشاركة الدولية، وتنوّع الخبرات القادمة من مختلف القارات، والأثر الذي تركه التنظيم المصري في نفوس الحضور. أما المشهد الأكثر دلالة، فكان توجه الأساتذة الزائرين إلى المتحف المصري الكبير بعد انتهاء فعاليات المؤتمر؛ مشهدٌ يكشف التقاء حاضرة العلم مع حضارة التاريخ، ويؤكد أن مصر اليوم ليست مجرد دولة تستضيف العلم، بل وجهة يختارها العلماء لما يجتمع فيها من عمق حضاري، وتميّز طبي، وبيئة علمية آخذة في التطور. إن ما صنعه الأستاذ الدكتور محمد عبدالوهاب يتجاوز حدود الجراحة إلى صناعة أملٍ وطني. وقد منحته الدولة دعمًا قويًا بقرارات إنسانية واعية، وحمله المجتمع على كتفه بإيمانه بدوره، وصنع هو مدرسةً ممتدة تُرسّخ قيمة العلم وتُجسّد معنى الرسالة. وعندما يجتمع العالِم المخلص مع الدولة التي ترعى الإنسان، تُولد منظومة صحية قادرة على إنقاذ الأرواح، وصناعة المستقبل، وتقديم نموذج مشرّف لمصر في محافل الطب العالمية.