وقف الخلق ينظرون جميعًا كيف تبني قواعد المجد وحدها، فهكذا كانت مصر دائمًا، لا تنتظر من يصنع لها مجدها، بل تصنعه بيديها. واليوم، وهي تفتح أبواب المتحف المصري الكبير، لم تفتحها للعرض فقط، بل لتقول للعالم: إن الزمن قد يمر، لكن العظمة لا تُنسى، وإن الغبار مهما تراكم على كنوزها، يبقى بريقها خالدًا لا يخفت. عزيزي المصري، ما فعلته مصر وهي تزيح الغبار عن كنوزها القديمة، كان أشبه بما يجب أن يفعله كل مصري مع نفسه. كم من إنسان غطّى التعب على جوهره، ونسى أن بداخله كنوزًا لا يعلم سرها إلا الله؟ لقد آن الأوان أن يكتشف كل واحد منا ذاته، كما اكتشفت مصر من جديد مجدها، أن ننفض الغبار عن أرواحنا، عن قيمنا، عن شغفنا الذي تآكل تحت ركام الروتين والضغوط. ومما لا شك فيه أن افتتاح المتحف لم يكن حدثًا أثريًا فحسب، بل كان رسالة رمزية عن كاريزما الحضور المصري. فالدولة لم ترفع صوتها لتبهر العالم، بل اكتفت أن تظهر بثقة هادئة، فالتفت إليها الجميع. وهذه هي الكاريزما الحقيقية، سواء في وطن أو إنسان، أن يكون حضورك كافيًا دون أن تتحدث. فمصر علمتنا أن الهيبة لا تحتاج إلى ضجيج، وأن من يعرف قيمته لا يطلب الاعتراف بها. أرادت أن تقول للعالم إن قوتها في استمرارها، وفي قدرتها على أن تعيد الحياة لما يُظن أنه انتهى. ونرى أدوارها الباسلة مع الدول الشقيقة وغيرها، فكما قالت في قصيدة حافظ إبراهيم الخالدة مصر تتحدث عن نفسها: وقف الخلق ينظرون جميعًا كيف أبني قواعد المجد وحدي وبناة الأهرام في سالف الدهر كفوني الكلام عند التحدي هذه الأبيات تترجم اليوم في كل مشروع، في كل حجر يُعاد ترميمه، في كل يد تعمل بصمت وتبدع بثقة. إنها روح مصر التي لا تنكسر، وكاريزمتها التي لا تزول. وصديقي المصري، إن ما بين الماضي والحاضر تتجلى دعوتها لأبنائها: تعلموا من مصر كيف تكونون حضورًا لا يبهت. لا تسمحوا لغبار الحياة أن يغطي ما فيكم من جمال وموهبة وإصرار. تذكروا أن كل إنسان بداخله متحف من التجارب والذكريات والعِبَر، وأن العظمة ليست في أن تعلن نفسك، بل في أن تعرفها جيدًا وتقدرها. وممالاشك فيه إن هذا الافتتاح العظيم هو بوابة جديدة ليري العالم من جديد من نحن تذكير فقط أما الهدف الداخلي فهو أن نعيد نحن اكتشاف أنفسنا، أن نتذكر أن فينا من القوة ما يجعلنا نبني، ومن الصبر ما يجعلنا ننهض مهما تأخر الوقت. عزيزي المواطن، مصر لم تعد تعرّف نفسها للعالم، بل تعرّف أبناءها بأنهم منها، وأن كل واحد فيهم جزء من مجدها القديم وروحها الجديدة. يا أبناء هذا الوطن، إن كنوز مصر ليست في المتحف فقط، بل فيكم أنتم. احفظوا ما في داخلكم من نور كما تحفظ مصر آثارها، ولا تستهينوا بما وضعه الله فيكم من سر لا يعلمه سواه.فكما خُلقت مصر لتبقى، خُلقتم أنتم لتكملوا رسالتها. مصر اليوم لا تتحدث عن نفسها فقط، بل تناديكم أن تكونوا امتدادًا لحضورها، أن تحملوا كاريزمتها في أخلاقكم، في عملكم، في سلوككم. أن تكونوا مثلها: إذا صمتت أنصت العالم، وإذا تحركت تغيّر المشهد. لقد أعادت مصر تقديم كنوزها للعالم، فلتعد أنت تقديم نفسك للحياة. كن مثلها، لا تنكسر، لا تنتظر اعترافًا، ولا تسمح للغبار أن يخفي بريقك. فكما قال الشاعر: وما رسخت في العلا قدمي، وما انحنت في المدى هامتي. وتأكد عزيزي المصري أن مصر هي كاريزما الحضور، وأنت امتدادها.