كلمة "مؤقتًا" لا تُعجب الكثيرين، لأنها كلمة ليست جازمة ولا قاطعة، فهي تُوحي بعدم الاستقرار، وبأن التغيير ربما سيحدث في أي لحظة ودون سابق إنذار، وهذا الشعور غير مُحبذ لدى غالبية بني البشر، الذين يمليون إلى الشعور بالسكينة وحسم الأمور المُعلقة، لذا نجد أن أي قرار مؤقت المدة يستثير حفيظة المُخاطبين به، لأنه يبث بداخلهم حالة من عدم الإحساس بالأمان، لاسيما وأن الوقت يمر بسرعة الصاروخ، فما بالنا لو قيلت أو كُتِبَتْ كلمة "مؤقتًا"، دون تحديد التوقيت، فهنا يتأزم الموقف أكثر، لأن هذا يعني أن احتمالية التغيير ستكون فجأة بدون أخذ الاحتياطات الواجبة. ولكن ربما لو تفكرنا بشيء من التدبر، سنُدرك أن أي شيء في الوجود خاضع لفكرة التأقيت، فحياة الإنسان ذاته مؤقتة ومشاعره حتى لو استمرت حتى آخر يوم في عمره فهي مؤقتة لأنها ارتبطت بوجوده، لذا علينا ألا ننزعج من فكرة أن سعادتنا مؤقتة، وأن تواجدنا في منصب معين مؤقت، وأن استمتاعنا بأشياء معينة سيكون لفترة مؤقتة، فالأزمة تكمن عند الإنسان عندما يُخبره أحدهم مُسبقًا أن هذه الأشياء ستكون بشكل مؤقت، فهنا تحدث بداخله الانفعالات التي تصيبه بالتوتر، لأنه يظل ينظر في الساعة، ويعد الأيام ويُتابع نتيجة الحائط، ويظل حبيسًا لفكرة العد التنازلي، في حين أنه لو لم يخبره أحد بأن عنصر الوقت محل اعتبار، لن يترك للقلق أي مكان بداخله، وسيعيش في هدوء وروية وسكينة، على الرغم من أن زوال السعادة التي يعيش فيها ربما يكون أسرع من كل تخيلاته. فأحيانًا يرسم الإنسان لنفسه خطة استمتاع معينة ويظن أنه سيُحققها بحذافيرها، ويأتيه تليفون غير مُتوقع يُجبره على إنهاء رحلته والعودة لحل مشكلة ما، وأحيانًا أخرى نبني علاقاتنا بأحد الأشخاص على أنها أبدية، في حين أن سلوك ما يصدر من الطرف الآخر، يُجبرنا على إنهائها في لحظة واحدة. وكثيرًا ما يُقرر أحد الأشخاص الحياة في مكان ما بقية عمره، ولكن الظروف تُجبره على ترك المكان ومغادرته إلى الأبد، رغم أن كل ما سبق لم يكن مؤقتًا، إلا أنه أصبح مؤقتًا، لأن كل شيء في الحياة سواء استمر أو لم يستمر فهو مؤقت، لأنه يبدأ في موعد معين، وينتهي في موعد معين، حتى لو كان هذ الموعد هو نهاية عُمْر صاحبه، طالما أنه لن يستمر بعد انتهاء صاحبه، كل ما في الأمر أننا نخشى من عبارة: "باقي من الزمن .... كذا".