لم نكن نعلم أن المؤسسة التعليمية وصلت مداها إلى هذا الحد من التطرف الدينى، وبات الأمر جد خطير على نحو يهدد الأمن القومى المصرى، فلقد تغلغل الفكر الدينى المتطرف، ليس فقط إلى مناهج التعليم، وإنما إلى القيادات التعليمية، وبدأ هذا الفكر يقضى على ما تبقى لنا من الأخضر واليابس، فحين يتحول الشعار القومى المصرى، وهو تحية العلم التى نعتز بها جميعاً، وتمثل رمز وسيادة الدولة إلى ما يعتبر شعارات دينية، فالأمر لا يمس أمورا دينية، وإنما يمس الأمن القومى المصرى، ومن ثم الخيانة العظمى الوارد عقوبتها فى قانون العقوبات، وها نحن وبكل ألم ومرارة، حينما تكون هناك مدرسة من أعرق مدارس مصر، تخرج منها أجيال الفتيات الرائدات فى العمل السياسى والاجتماعى وتتحول هذه المؤسسة إلى تفريخ إرهابيين ومتطرفين من مدرسة الأورمان الثانوية للبنات، الواقعة على بعد أمتار من فندق شيراتون الدقى، وأيضا أمتار من مبنى مجلس الدولة، وما حدث فى هذه المدرسة التعليمية للبنات: أولاً: هذا ثابت من المستندات والصور وتقارير رجال الأمن، أن مديرة المدرسة قامت برفع علم أخضر اللون يعلو علم جمهورية مصر العربية. ثانياً: إن مديرة المدرسة أمرت الطالبات بأن يسبقن تحية العلم بالعبارة الآتية (يا فتيات مصر هذا علمكن الصاعد يرفرف، فحيوه تحت راية الإسلام). ثالثاً: قامت مديرة المدرسة بتحويل مبنى المدرسة الأمامى وبطول الواجهة إلى مسجد كبير، حتى أنك لا تعرف أنك تدخل مدرسة، وإنما مسجد ليؤدى الصلاة، حتى المصابيح الكهربائية على أبواب المدرسة كتبت بآيات قرآنية، مما طمست معه المؤسسة التعليمية. رابعاً: قامت مديرة المدرسة بتحويل الإذاعة المدرسية، التى تبث فيها الأخبار السياسية والاجتماعية والرياضية والأنشطة التعليمية إلى خطبة دينية بحتة يومياً. خامساً: تقوم مديرة المدرسة سنوياً بأحياء ما يسمى الليلة المحمدية مع تغيير كامل فى زى الطالبات. سادساً: تقوم المديرة بنهر وتوبيخ كل طالبة لم ترتدِ الحجاب،وتصفها بالكافرة حتى لو كانت مسيحية. سابعاً: ترفض المديرة رفضاً باتاً سماع الكلمة المتبادلة للمسلمين والمسيحيين على السواء،وهى كلمة (صدقنى) وتنزعج جداً لسماعها وتنهر من يرددها. ثامناً: إن المديرة لم تحصل على ترخيص أو تصريح من هيئة الأبنية التعليمية، وهى الجهة المختصة ولا من الحى بإقامة أو تحويل سور المدرسة بالكامل إلى مسجد، ويا للعجب العجاب، فإننى عندما قابلت السيد الدكتور رضا أبو سريع مساعد أول وزير التربية والتعليم تحمس فى بادئ الأمر، معتبراً، على حد قوله، ما فعلته مديرة مدرسة الأورمان الثانوية بنات، بأنها قضية أمن قومى، فلا يجوز وضع أى علم بخلاف علم الجمهورية فى أى مؤسسة تعليمية، كما لا يجوز تحويل طوبة من مكانها فى مدرسة، إلا بأذن من هيئة الأبنية التعليمية، ولكن للأسف لم تحرك الوزارة ساكناً، وكأن الوزارة راضية مرضية بتحويل المدرسة إلى معهد دينى حتى لو كان فيه طالبات ومدرسات مسيحيات، وحتى لو كان ذلك يهدد الأمن القومى المصرى، وأيضا على شاكلة مساعد الوزير تقابلنا مع وكيل أول الوزارة للتعليم بالجيزة الأستاذ محمود العرينى، وأيضا وعد بتحقيقات فى هذا الشأن، وكأن مديرة المدرسة من الأسلاك الشائكة الخطوط الحمراء التى لا يجوز الاقتراب منها، مما يفسر منه أن التعليم وبحق اخترقته الأسلمة المتطرفة وتحولها إلى معاهد لتخريج دعاة ويا ليت دعاة معتدلين، بل دعاة متطرفين. ولم يقف الحال عن هذا الحد، بل امتدت الأسلمة القسرية فى معاهد التعليم فى مصر لإجبار الطالبات المسيحيات على امتحان الدين الإسلامى، بسبب لا دخل لهم فيه وهو إشهار إسلام والدهم رغم عدم معرفتهم عن الإسلام شيئاً وكما لو كان لسان الحال، يصورون الإسلام على أنه الدخول فيه بالقوة ولو كره الكافرون، فتحضرنى فى هذا الأسبوع محاولة الطالبة مريم عزمى عزيز بمدرسة العاشر من رمضان الثانوية للبنات ومحاولتها للانتحار بتناولها أكثر من 63 قرصاً للتخلص من حياتها بعد ما فرضت عليها مدرستها الثانوية عندما أجبرتها على امتحان الدين الإسلامى بسبب إسلام والدها، وهى لم تعرف شيئاً عن الدين الإسلامى، وإنما فرض الأمر الواقع، مما سبب لها حرجاً من زميلاتها المسلمات عندما اكتشفن لأول مرة أنها مسلمة بالقوة بسبب إشهار إسلام والدها، فراحوا الواحدة تلو الأخرى تعرض عليها تزويجها من شقيق أو قريب لها، فأصيبت الفتاة بصدمة عصبية وحاولت الانتحار، إلا أن عناية الله قد أنقذتها، هذه كارثة من كوارث التعليم فى مصر، وهناك مدرسة فى طنطا أوردت قصتها مجلة روزاليوسف تسمى فصولها (فصل خالد بن الوليد، فصل عمرو بن العاص، فصل عمر بن الخطاب بدلاً من فصل أولى أول أو ثانية ثانى. ومدرسة ثالثة بأبى زعبل تبدأ النشيد الوطنى: ( بعبارة الإسلام ديننا ومحمد رسولنا والقرآن دستورنا) وأبلغنا أمن الدولة، فقامت بمحاسبة مدير المدرسة، وتم تلافى هذا الأمر. والجدير بالذكر أن مديرة مدرسة الأورمان الثانوية أيضا تبدأ خطبة الصباح أو إذاعة المدرسة بدلاً من أخبار الدولة والنشاط الاجتماعى والرياضى تقتصر فقط على خطبة دينية يومياً. إذن ما تبقى لنا من العملية التعليمية؟، وماذا عسى أن تخرج لنا المؤسسة التعليمية؟ هل مفكرين مستنيرين؟ هل دعاة معتدلين؟ هل مواطنين يقبلون الآخر أم متطرفين وإرهابيين؟ وماذا عن أمن مصر القومى إزاء ما يحدث. إنى أهدى هذه المحن التى يعيشها التعليم الآن إلى السيد الدكتور يسرى الجمل وزير التربية والتعليم، وأقول له اللهم إنى قد أبلغت فأفعل ما شئت، فنحن فى خطر وعلى شفا حفرة من بؤر الإرهاب والتطرف، ويجب قبل أن نحاسب مديرة المدرسة أن نحاسب مدير إدارة الدقى التعليمية، وكذا نحاسب مدير تعليم الجيزة الذين بقوا على الأمر ساكتين. د. نجيب جبرائيل رئيس منظمة الاتحاد المصرى لحقوق الإنسان