قال الدكتور فتوح أحمد، عضو مجمع اللغة العربية، أن دراسة الأدب العربى على أساس مقتطفات من هنا وهناك لن تكن كافية لإلقاء الضوء على التطورات الجوهرية فى حقل هذا الأدب، كما لا يمكن أن يحدث تطور فى الأدب اللغوى والفكرى إلا بالحركة النشيطة من أجل إعادة اكتشاف هذا التراث من خلال فرق علمية مزودة بكل الإمكانات الفنية والمادية لتكون جسرا دائمًا بين المشرق العربى والمشرق الإسلامى، بغية تفجير طاقة الماضى حتى تثرى الحاضر، ومن ثم تدفع به تجاه المستقبل. جاء ذلك خلال مشاركته فى المؤتمر الدولى لمجمع اللغة العربية فى دورته الثامنة والسبعين أمس الأربعاء، تحت عنوان "اللغة العربية فى جمهوريات آسيا الوسطى المستقلة واقعها وآفاقها" مؤكدا أن هذه المقتطفات لواقع الأدب العربى كان يتم جمعها أحيانا بطريقة تلقائية فى إطار المادة المتاحة أمام الدارسين، وهى مادة لم تكن من الاتساع والتنوع بالدرجة الكافية، بالإضافة إلى أن وسائل علاجها لم تتجاوز حدود المنهج المدرسى التقليدى والشروح اللغوية الضيقة، دون محاولة لربط النص ببيئته والمناخ الإبداعى الذى كتب فيه. وأضاف فتوح أن التراث العربى يتميز بثراءٍ تختزنه هذه البقاع التى استظلت تاريخيا بلواء الإسلام، وكانت العربية لسانها الأول لفترات مديدة، مشيرا إلى أن قضية اللغة العربية وآدابها خاصة فى بلدان آسيا الوسطى بحاجة إلى المعالجة العلمية لأهميتها البالغة، نظراً للصلات الحميمة، سواء الدينية أو التاريخية والتراثية، التى تربط بين الشعوب العربية وشعوب آسيا الوسطى، بجانب الصلات التاريخية والتراثية. وأوضح "فتوح" أن اللغة العربية تميزت طيلة العصور السابقة بمنافسة اللغتين الأدبيتين الفارسية والتركية، واحتفظت بموقعها كلغة للعلم والفقه والدين والتعليم والثقافة بعامة، وتتضاعف الأهمية التاريخية لهذا الواقع اللغوى الحى للغة العربية فى أقاليم آسيا الوسطى نظرنا للتراث الضخم الذى يوجد بها من المخطوطات الشرقية بعامة والعربية بخاصة، حيث يزخر قسم المخطوطات الشرقية فى مكتبة "طشقند" وحدها قرابة خمسة عشر ألف مجلد، معظمها باللغتين العربية والفارسية، وترجع إلى عهود ازدهار الثقافة الإسلامية، والعلاقات الحضارية التقليدية بين الشرق العربى ودول آسيا الوسطى الإسلامية، مؤكدا إن هذا السجل الحافل من المخطوطات الأثرية جاء كجزء من الرصيد التاريخى للثقافة الإسلامية، حتى تغيرت الظروف السياسية والاجتماعية مع مطلع القرن العشرين، فتقلصت الآماد الشاسعة من محيط اللغة العربية حتى غدت – كما أسلفنا، جزرا لغوية منعزلة. وأضاف "عضو مجمع اللغة" أن اللغة العربية نهضت فى الأصل من خلال مشاركة جادة من قبل بعض العلماء العرب الذين ارتحلوا إلى روسيا فى القرن الماضى، وقاموا بتدريس اللغة العربية وآدابها فى جامعات هذه البلاد ومعاهدها، وقد عاش هؤلاء العلماء فترة طويلة من الزمن فى هذه المنطقة أتيح لهم خلاله معرفة لغة مواطنيها وطبائعهم وعاداتهم وتقاليدهم، وكان لهم من الكتب والمحاضرات والنشاط العلمى بعامة ما أهلهم لأن يكونوا بين الطلائع الأولى من رجال الدراسات الشرقية الحديثة، وفى مقدمتهم الشيخ محمد عياد الطنطاوى، الذى يعتبره المستشرقون الروس أبا روحيا لعلوم العربية فى بلادهم ، ووضع العديد من المخطوطات التى تتناول رحلاته بطريق البحر، كما يتحدث عن تاريخ هذه البلاد وعادات أهلها وتقاليدهم فى الزواج والتعميد الوفاة، ونصيبهم من التقدم فى العلوم والفنون والآداب.