ينطلق غدا، الاثنين، وزير الخارجية محمد عمرو إلى جوبا عاصمة، جنوب السودان، فى جولة شديدة الأهمية تشمل 6 دول بحوض النيل وهى، جنوب السودان وكينيا ورواندا وتنزانيا والكونغو الديمقراطية والسودان، ويفسر توقيت الزيارة الكثير من الهواجس حول تقارب ملحوظ ما بين جوبا وتل أبيب. وتشير آراء عدد من المراقبين والمحللين لأجواء منطقة حوض النيل أن ثمة صراعا دفينا وحرب تحالفات باردة ما بين الأطراف الثلاثة المتمثلة فى مصر وإسرائيل ودول حوض النيل، ويؤكد إسراع القاهرة فى بدء هذه الجولة على هذا الصراع الهادئ فى العمق الأفريقى. ويرى المحللون أن سعى دول حوض النيل للتقارب مع إسرائيل ما هو إلا نوع من التعطش لحليف يشترك معها فى العديد من المصالح، لاسيما العداء تجاه العرب والإسلاميين فى الشمال. وتكشف بداية عمرو لجولته بالعاصمة جوبا عن دلالات هامة، أولها رغبة الدبلوماسية المصرية فى تعزيز أواصر التعاون مع دولة الجنوب الوليدة "ذات العلاقات القوية مع إسرائيل"، وثانيها انتهاز الفرصة لطمأنة الجنوبيين من ثوابت الدبلوماسية المصرية فى علاقاتها الدولية مهما تغير النظام الحاكم بحصد الإسلاميين لأصوات الأغلبية، وعدم تأثير ذلك على مصير الجنوب المسيحى فى أفريقيا. ورغم حزمة المساعدات ومشروعات التعاون التى تقدمها القاهرةلجوبا إلا أنها لا تنفى تخوفا شديدا لدى عدد من دول الجنوب من الصعود البارز للتيارات الإسلامية فى دولتى المصب سواء فى مصر باكتساح الإسلاميين للانتخابات البرلمانية أو فى السودان الذى انفصل عنه الجنوب أساسا لأسباب طائفية ما بين الشمال – العربى - المسلم والجنوب الأفريقى المسيحى. ويبدو عمرو فى مهمة شديدة الصعوبة فى ظل علاقة الود اللافتة ما بين جوبا وتل أبيب بزيارة سيلفا كير رئيس جنوب السودان لإسرائيل منذ أيام، ويعزز من تلك العلاقة الدعم المطلق الذى نالته "الجبهة الشعبية لتحرير السودان" من إسرائيل، والذى عبَّر عنه كير أثناء زيارته التاريخية لإسرائيل عقب الانفصال حين خاطب مضيفيه الإسرائيليين قائلاً، "بدونكم ما كنا لنكون موجودين"، وقد وعده قادة تل أبيب بتقديم كل أشكال التعاون فى مجالات الخبرات العسكرية والاقتصاد والزراعة والطب، وفى المقدمة طبعاً فى حقل المياه والنفط، وبعد بروز ثروة الجنوب النفطية، قامت إسرائيل بإرسال الخبير "ايلياهو لونفسكى" إلى جنوب السودان، حيث قدر حجم الثروة النفطية هناك بسبعة مليارات برميل، ويشمل التعاون أعمال الفندقة التى يدير الإسرائيليون (80%) منها، إضافة إلى استثمارات من رجال أعمال يهود يقيمون فى الولاياتالمتحدة وأوربا تقدر بملايين الدولارات. ورغم اختراق تل أبيب لدولة الجنوب، إلا أن زيارة عمرو تعد ضربة استباقية، لما أعلن عنه قبل أسابيع رئيس الوزراء الاسرائيلى بنيامين نتنياهو عن عزمه زيارة بعض دول حوض النيل. كما تؤكد الزيارة على الاتجاه بفاعليه أكثر نحو أفريقيا، خاصة بعد ثورة يناير التى أعادت مصر إلى أفريقيا بعد فترة احتقان منذ حادث محاولة اغتيال الرئيس السابق حسنى مبارك فى أديس أبابا عام 1995. وتكشف الخارجية فى هذه الزيارة إلى جوبا عن العديد من أوجه التعاون كوسيلة لإعادتها إلى فلك العلاقات المباشرة، من خلال بحث إمكانية إنشاء لجنة مشتركة للتعاون الثنائى بين البلدين وتدشين آلية للتشاور السياسى بين الجانبين فى القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. كما أن رصيد مصر السياسى لدى الدولة الوليدة ليس بالقليل فى ظل اعتراف القاهرة الفورى بها وتحويل القنصلية المصرية إلى سفارة عقب إعلان الدولة فى 9 يوليو 2011. كما مهدت الدبلوماسية المصرية الطريق نحو علاقات اقتصادية قوية مع جنوب السودان، فى انتظار جنى الثمار ببدء تشغيل رحلات طيران مباشرة بين القاهرةوجوبا واقتراب بدء العمل بفرع البنك الأهلى فى العاصمة. كما أبدى عدد من رجال الأعمال المصريين استعدادهم للاستثمار الزراعى والحيوانى فى جوبا، بعد زيارتهم لها نوفمبر الماضى، إضافة إلى تقديم القاهرة لعدد من الدورات التدريبية والمنح الدراسية للجنوبيين بلغت 400 منحة دراسية بمختلف الجامعات المصرية واقتراب افتتاح فرع لجامعة الإسكندرية فى مدينة تونج بولاية واراب، إضافة إلى عدد من المدارس الفنية وغيرها من مجالات التعاون فى تطوير البنية التحتية من الطرق والمطارات وإنشاء أربع محطات للكهرباء وإرسال القوافل الطبية وغيرها من الأنشطة التى من شأنها تدعيم أواصر التعاون بين البلدين.