خلال ال10 سنوات الأخيرة من حكم الرئيس المخلوع، حسنى مبارك، ومع فترات الأزمات السياسية والاقتصادية العنيفة التى عصفت بمصر فى فترات عدة، من صراع بين الحرسين القديم والجديد، وفساد سياسى نتيجة حفنة من المقربين لأركان النظام السابق، والتكهنات بين الحين والآخر بتشكيل حكومات جديدة فى فترات نهاية نظام حكم مصر 30 عاماً، وعندما كانت تطفو على السطح تكهنات بشخصية رئيس الوزراء، كان يرد اسم فاروق العقدة، محافظ البنك المركزى المصرى، على رأس قائمة المرشحين لتولى منصب رئيس الحكومة.. لكنه لم يجلس أبداً على هذا «الكرسى الأثير»، محل مطامع الكثيرين. نشطاء التحرير والائتلافات والقوى الثورية المختلفة، يعتبرون فاروق العقدة، محافظ البنك المركزى، أحد أهم الشخصيات المحسوبة على نظام الرئيس السابق، حسنى مبارك، وأحد المقربين من نجله جمال مبارك، نظراً لخلفيته المصرفية فى العمل ببنوك أوروبا وأمريكا، وهو ما ساهم فى توليه منصب رئيس مجلس إدارة البنك الأهلى المصرى، لمدة 9 أشهر خلال الفترة من 2002 إلى 2003، قبل توليه منصب محافظ «المركزى» مباشرة. وعلى مدار ال11 شهراً الماضية من عمر ثورة يناير، وتصاعد وتيرة الاحتجاجات المطالبة بتغيير رؤساء الحكومات، من حكومة الفريق أحمد شفيق، إلى حكومة الدكتور عصام شرف، وحتى حكومة الدكتور كمال الجنزورى، التى شكلت مؤخراً، لم يطرح اسم «العقدة» فى قائمة الترشيحات لتولى هذا المنصب، ولم يفكر المجلس العسكرى، الذى يتولى مقاليد الحكم، فى طرح اسمه إعلامياً، لقياس مدى قبوله جماهيرياً، لاقتناع «العسكرى» برفض «التحرير» وأن اسمه سيستدعى على الفور أنه محسوب على النظام السابق. وقبل ثورة 25 يناير ورغم عدم سعى «العقدة إلى تولى منصب رئيس الوزراء، تم طرح اسمه إعلامياً ولاقى قبولاً فى الأوساط الشعبية، إلا أن الدوائر الرسمية لصنع القرار فى القصر الجمهورى كانت لها حسابات أخرى، ولم يعرض المنصب بشكل رسمى وقتها على محافظ البنك المركزى. وخلال تلك الفترة ومع مرض الرئيس المخلوع، حسنى مبارك، وقتها وتفويضه بعض صلاحياته الرئاسية، لرئيس وزرائه أحمد نظيف، وبريق نجم رشيد محمد رشيد، وزير التجارة والصناعة، وصراع الحرس الجديد والقديم فى ذلك الوقت، تم طرح فكرة تشكيل «العقدة» للحكومة جانباً، مع أنه كان أبرز المرشحين لتولى المنصب الرفيع. وكانت كلما تتجدد الأزمات الاقتصادية قبل الثورة من طوابير رغيف الخبز، ونقص اسطوانات البوتاجاز، وارتفاع مستويات التضخم –صعود أسعار السلع والخدمات فى الأسواق المحلية– كان يبرز اسم «العقدة» على رأس قائمة المرشحين نظراً لخلفيته الاقتصادية، ونجاحه فى برنامج الإصلاح المصرفى وتقوية المراكز المالية للبنوك، والتكهنات التى أشارت إلى قدرته على إدارة مقاليد العمل الاقتصادى والمالى فى البلاد، بعد أن فشلت حكومة أحمد نظيف، فى كسب ود الشارع المصرى، وتدنى الأداء السياسى لمجموعته من رجال الأعمال المحسوبة على نجل الرئيس السابق، ودائرته المقربة من الأصدقاء غير أن المفاجآت كانت تأتى بعدم أختيار العقدة وهو ما فسره البعض وقتها أن نجاحه فى قيادة البنك المركزى لا يريد النظام أن يغامر به فى حال تولى أحد غيره نفس مهمته. ومع ثورة 25 يناير أغلق ملف ترشيح العقدة لرئاسة الحكومة تماماً، إلا أنه رغم تصاعد وتيرة الاحتجاجات والتظاهرات الدامية فى ميدان التحرير، نهاية الشهر الماضى، والتى أودت بحياة 42 شخصاً، وإصابة المئات، والمطالبة برحيل المجلس العسكرى عن الحكم، وتسليمه لسلطة مدنية، فإن المشير محمد حسين طنطاوى، القائد العام للقوات المسلحة، أصدر قراراً بالتجديد لفاروق العقدة، محافظاً للبنك المركزى، لفترة جديدة مدتها 4 سنوات، ولم يعلن القرار بشكل رسمى وقتها، نظراً لأحداث التحرير، وأعلنه البنك المركزى بعد ذلك بأيام، وتحديداً يوم 26 نوفمبر الماضى. وقال العقدة، عقب لقاء جمعه بالدكتور كمال الجنزوى، رئيس الوزراء المكلف، يوم السبت الماضى: إن الاحتياطى من النقد الأجنبى فى وضع آمن، على الرغم من تأكيدات الخبراء وبيانات البنك المركزى المصرى، التى تؤكد أنه فى مرحلة الخطر، ويغطى 5 أشهر فقط من الواردات السلعية لمصر، ويبرز سؤال مهم سوف تجيب عنه الأيام المقبلة.. هل سينسجم محافظ البنك المركزى مع رئيس الحكومة الجديدة كمال الجنزورى فى التعاطى مع الأزمات الاقتصادية الحادة التى تعانى منها «مصر الثورة»؟.. ومتى سيبدأ خلاف فرض السيطرة الاقتصادية بين جناحى إنقاذ اقتصاد ينحرف إلى حافة الإفلاس؟ ويتولى «العقدة»، منصب محافظ البنك المركزى، منذ ديسمبر 2003، خلفًا للدكتور محمود أبو العيون، وثارت حالة من الجدل على مدى الشهور الماضية، قبل قرار التجديد له لفترة ثالثة من قبل المجلس العسكرى، ولتصل المدة الإجمالية حال إتمامه مدته القانونية إلى 12 عاماً محافظاً لبنك البنوك، ولأول مرة فى تاريخ «المركزى».. ثارت حالة من الجدل، حول رفضه الاستمرار فى منصب المحافظ، إلا أن مصادر أكدت ل«اليوم السابع»، أن سلسلة اجتماعات جمعته مع أعضاء بارزين بالمجلس العسكرى نجحت فى إقناعه بالتجديد لفترة جديدة، ومجلس «المركزى» المكون من 9 أعضاء، بعد التعديلات الأخيرة التى أدخلت على قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى والنقد، رقم 88 لسنة 2003، وتبلغ المدة القانونية للمنصب 4 سنوات، قابلة للتجديد. ورغم هذا الجدل الكبير المصاحب لترشيح «العقدة» لرئاسة الحكومة من عدمه، فإن صفحة ظهرت خلال الفترة الأخيرة على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» لدعم ترشحه لرئاسة الجمهورية، تحت عنوان «معا لترشيح الدكتور فاروق العقدة لرئاسة الجمهورية»، وتتكون من 65 معجباً. وقال القائمون على تلك الحملة، إن محافظ البنك المركزى، قاد خطة إصلاح طويلة للقضاء على الأيام السوداء للدولار، محققاً استقراراً فى سعر الصرف وإصلاح البنوك المصرية وتقويتها ودعم المؤسسة الرقابية، لتكون رقابتها أكثر فاعلية على البنوك، ووضع قواعد ائتمان محددة ومصرفية، ونجح فى تكوين احتياطى نقدى حقيقى–35 مليار دولار- ونجح فى التعامل مع قضية القروض المتعثرة التى قدرت بنحو 100 مليار جنيه بنسبة %90 بينها %30 سداداً نقدياً، بالمثل نجحت خطته فى تغطية عجز المخصصات فى البنوك العامة، وأنقذ بنوكاً مصرية كادت تفلس بخطة محكمة.