أكد عدد كبير من المثقفين على أن المجلس العسكرى يمارس منذ ثورة 25 يناير السلطة الأبوية والوصاية على الشعب، وهو ما يتضح من خلال الخطابات السياسية الموجهة من المجلس للشعب، مؤكدين أن هناك فارقا بين الدولة كنظام سياسى والعائلة كنظام اجتماعى، كما أن "السلطة الأبوية" كنظام فشل داخل المؤسسات فيما عدا المؤسسة العسكرية التى تحتاج إلى تراتب العلاقات وتنفيذ الأوامر، فيما اتجه الشباب منذ 25 يناير إلى اتخاذ موقف من تلك السلطة الأبوية ، فهل كان هذا الموقف يعبر كما يقول فرويد عن مرحلة "قتل الأب" أم عن وعى الشباب بالفرق بين الدولة والعائلة. الدكتور عماد عبد اللطيف، أستاذ البلاغة وتحليل الخطاب، قال: "إذا كان خطاب المجلس العسكرى يعبر عن سلطة وبلاغة أبوية فإن خطابات الشباب الثوار تعبر عن مفهوم "إزالة دولة العواجيز" و اتسمت بنقد خطابات العجائز"، وهذا المفهوم يميز الشباب المصرى الذى ليس لديه أزمة مع العائلة أو مع الأب كراعى ومسئول، كى نطبق عليه مفهوم" قتل الأب" كما حدث فى ثقافات أخرى، وتابع: "الفكرة كامنة فى رفض الشباب للسلطة المهيمنة ذات الخطابات المتكلفة والجامدة غير المتنوعة، لذلك أنتج الشباب خطابات ناقدة لخطابات "العواجيز" ومميزة عنها". وأوضح أن ملامح تميز خطابات الشباب أنها جاءت بالعامية وليست بالفصحى وهذا له دلالة بأن الفصحى لغة المؤسسات السلطوية والبيروقراطية، أيضا تحمل تلك الخطابات تحويل وتغيير وتفجير للمفردات، فالاستقرار مفهوم شائع فى خطاب "العواجيز"، ولكنه ذو دلالة سلبية عند الشباب، لأنه يعنى استمرار الاستبداد من جهة السلطة والسلبية والجمود من جهة المجتمع،وكما يقول المفكر الألمانى "ماركيوز"، عن لغة الشباب فى ثورة 1968 كانت لغة مغايرة ومتفجرة خلقت دلالات جديدة. وتابع : "خطاب الشباب دائما ما تمتزج فيه الصورة باللون بالحركة باللغة كخطابات التحرير التى تمزج الكاريكاتير بالصور والجرافيك والخطوط المختلفة والألوان على العكس من "العسكرى ومبارك" فخطابهم نثرى يخلو من الإيقاع والشباب خطابهم إيقاعى يعكس حالة الحماس والفوران التى تجلت فى الهتافات والأناشيد والأغانى أيضا هو خطاب يتخذ من التواصل المباشر وسيلة أساسية أما السلطة فدائماً ما تعتمد على وسيط، وبلاغة الشباب بلاغة صريحة ومباشرة تقول ما تقصده فى مقابل البلاغة المراوغة المتحايلة التى تمثل سمة أساسية من سمات بلاغة السلطة الأبوية". وأشار "عبد اللطيف" إلى أن القول بأن المتظاهرين شباب فقط فيه مغالطة كبيرة ومدخل خبيث لنقد المتظاهرين بشكل غير شريف لأنه يلجأ لأن يصفهم بأنهم صغار أو أنهم خارجون عن العائلة فى خلط فج بين الدولة كنظام سياسى والعائلة كنظام اجتماعى، فيتم التعليق على خطاباتهم بأنها" قلة أدب" ذلك يرجع لأن ثقافتنا تحتفى بالخداع والغموض، وأكد أن خطابات الشباب من الممكن أن تصنع خطابات سياسية صريحة مباشرة. وعن خطابات المجلس العسكرى قال: "أحمد عبد الحميد النجار" الباحث فى تحليل الخطاب، إن هناك من الملامح ما يؤكد أن المجلس العسكرى يتعامل مع الشعب بصيغة عليا مستغلا السلطة والبلاغة الأبوية التى تتجلى فى السياسى ل"العسكرى"، والتى يمررها من خلال الوسائل والتكنيكات المختلفة وملامح البلاغة الأبوية: "النقد المستتر واستمرار بلاغة مبارك" وهو القائم على تجهيل المعارضة أى جعلها مجهولة فيوجه الاتهام لعدو غير معلوم مثل " أصابع خفية "القلة المندسة، والبعض"، وذلك – التجهيل - من شأنه أن يلحق بأى معارض التهم المختلفة فالكل عدو محتمل. "ملمح الحكم فى سياق" وبشأنه أوضح النجار أن كل اللقاءات التى يجريها أعضاء المجلس العسكرى فى برامج التوك شو تسير فى اتجاه واحد وتصدر نظرة أحادية، لأن ذلك يكون فى غير حضور الجانب الأخر المُعارض وهذا ما وضح فى الحلقة التى ألغيت للإعلامى "يسرى فوده"، وينسحب ذلك على الحوارات التى تتم مع أعضاء "العسكرى" على صفحات الجرائد. وأضاف: "هناك ملمح آخر وهو "نوع الخطاب" وفيه يخاطب المجلس الشعب عن طريق "البيان" وهو شكل ونوع عسكرى ويفرض شكل التواصل القائم على التراتبية وغير قائم على الندية والمساواة، ففى خطاب المشير الأخير دائما ما كان يؤكد على الربط بين القوات المسلحة والمجلس العسكرى، ليحافظ على التباس العلاقة حتى لا يظهر كجهة سياسية من الممكن الاختلاف معها بل يظل متمسكا بكونه ممثلا للقوات المسلحة ولا انفصال بينهما حتى يكون الاختلاف معه هو اختلاف مع الجيش. وقال إن الملمح الجديد فى الخطاب هنا هو "الفجوة البلاغية" أى المسافة بين القول والحقيقة والتى يصر عليها لتعويض فشل الوقائع بنجاح الخطاب مثلما يلح على دور الجيش فى حماية الثورة وهو ما طعنت فى صدقه الوقائع ولكن بإلحاحه على ذلك نجح فى ترسيخ ادعائه. تلك ملامح وأشكال الخطاب القائم على التراتبية الأبوية التى لا تسمح بالاختلاف كاستخدام بعض الاستعارات العائلية المضللة مثلما فعل اللواء "الفنجري" فى مداخلة له على قناة "الحياة" حينما علق على الانتخابات قائلا: "ماينفعش أب يسيب بنته إلا لما يجوزها"، وهذا مماثل لما سمى "بأبناء مبارك" ولا تجوز محاكمته أو خلعه وما إلى ذلك.