قبل يوم واحد فقط من البيان العسكرى الحاد والمثير للجدل الذى ألقاه اللواء محسن الفنجرى، عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وصاحب التحية العسكرية الشهيرة لشهداء الثورة تداولت بعض مواقع الإنترنت خبر احتمال تعيينه وزيراً للداخلية خلفاً للواء منصور العيسوى. وعلى الرغم من انتماء اللواء الفنجرى للمؤسسة العسكرية وأنه ليس مدنيا أو حتى شرطياً، لكن صاحب ذلك الخبر الاحتمالى ارتياح كبير من جانب مرتادى هذه المواقع الإليكترونية لما يمثله اللواء الفنجرى من رمز للحزم والثورية والتى تمثلت فى التحية العسكرية. وفى أقل من أربعة وعشرين ساعة تحول هذا الترحيب من جانب البعض إلى هجوم شرس وعنيف على شخص الرجل وذلك بعد البيان العسكرى الذى ألقاه مهدداً ومتوعداً ورافعاً نبرة صوته بحدة فى بعض جمل البيان، بالإضافة إلى استخدامه لأصبعه أثناء الحديث، مما أوحى لدى الناس بأنه نوع من التهديد للمعتصمين فى التحرير وللثوار عموماً بضبط النفس وعدم الضغط أكثر من ذلك على المجلس العسكرى. وفى بضع دقائق تلت البيان ضاعت الصورة التى كان يرسمها الثوار لهذا الرجل وتحيته العسكرية النبيلة وبدأ الهجوم على الطريقة التى استخدمها فى الحديث وانتقاد لغة التهديد التى صاحبت بيانه وليس هذا فحسب، بل بدأ التندر عبر منتديات الفيسبوك بأصبع الرجل على أنه إشارة إلى لغة التهديد والتخويف التى صاحبت بيانه العسكرى باعتبار ذلك رسالة موجهة من المجلس العسكرى لتخويف الثوار والمعتصمين. لقد خسر الرجل منصبه السياسى الذى كان مرشحا له منذ ساعات قليلة فى دقائق معدودة لم ينتبه فيها إلى الطريقة التى يتحدث بها إلى الناس وكيف يكسب الجماهير ويجعلها تقنع بكلماته. ومن قبله خسر عمر سليمان نفس الشئ وهو الذى كان يحظى بقدر من الرضا الشعبى كان يؤهله ليكون بديلاً لمبارك، ولكن كل ذلك تبخر عندما ذكر أن الشعب المصرى غير مهيأ للديمقراطية فى أحد الحوارات المتلفزة هكذا خسر الرجل كرسى الرئاسة بجملة واحدة. ومن قبلهما نتذكر جملة الرئيس مبارك نفسه قبل الثورة (خليهم يتسلوا) واصفا حكومة الظل التى أسستها أحزاب المعارضة بعد خروجهم من مجلس الشعب بعد التزوير الفاضح للانتخابات. وقد كانت تسليتهم هذه من أهم دوافع قيام الثورة ضده. كذلك لا ننسى حديث رئيس الوزراء السابق أحمد شفيق عن البونبون وتوزيعه على الثوار مما أثار سخط الرأى العام عليه بعد أن كان يحظى بقبول شعبى فى أول الأمر. هنا تكمن أهمية مقومات شخصية السياسى الذى يبعث برسالة للشعب يجب أن تصل بنجاح ويستقبلها الشعب باقتناع. وهو ما يجعلنا نرصد الفارق ما بين من تولوا وظائف سياسية فى العصر السابق وكيف كانوا لا تعنيهم على الإطلاق جموع الجماهير بقدر ما يعنيهم رضاء الحاكم الذى يستمدون منه ليس فقط شرعيتهم ولكنه كان يملى عليهم قراراتهم أيضاً، التى حولتهم لسكرتارية للسيد الرئيس بدلاً من كونهم رجالا يحكمون الدولة المفروض أن يستمدوا شرعيتهم من الناس وأن يكون رضاء الناس عن أدائهم الوظيفى هو المعيار الوحيد للحكم عليهم وبالتالى بقاؤهم فى الوزارة من عدمه، فالسياسى الذى ننشده بعد الثورة وهو الذى يستمد شرعيته من الشعب لابد أن يعرف كيف يخاطب هذا الشعب ولا يتعالى عليه أو يهدده أو يسخر منه.