لست خبيراً متخصصاً فى الشئون المناخية، ولم أدرس قط التغييرات التى طرأت على الأنماط المناخية، إنما لا حاجة إلى أن يكون الإنسان خبيراً ضليعاً ليدرك أن الأعوام الأخيرة شهدت تصاعداً هائلاً فى وتيرة التقلبات المناخية، من خلال درجات الحرارة الشديدة التدنّى أو الارتفاع، والأعاصير، والفيضانات، والحرائق الهائلة، وموجات الجفاف، وارتفاع منسوب مياه البحار، وقد توصّل الباحثون إلى أن درجة حرارة المحيطات ترتفع بوتيرة أسرع بنسبة 40% مما كان يُعتقَد سابقاً، وفى هذا الإطار ترتفع سخونة المياه فى الخليج العربى. نقل مقالٌ نشرته صحيفة "ذى ناشونال" عن خبير فى المحيطات ومُحاضِر فى جامعة إمبريال كولدج فى لندن، تحذيره من أن "التداعيات فى الخليج قد تكون دراماتيكية إلى حد كبير فى حال حدوث ارتفاع فى درجة حرارة المياه" لأنه "شبه مغلَق"، و"لن يُفيد من التيارات الباردة التى تنطلق من المحيط الهندى".
ويُبدى الشباب فى مختلف أنحاء العالم قلقهم وغضبهم لأن الأقوال تغلب على الأفعال، لا سيما وأن مستقبلهم على المحك. لقد اعتمد جيلى والأجيال اللاحقة سلوكاً عنوانه "عِش اللحظة وادفع الثمن لاحقاً"، أو فضّلوا البقاء فى حالة نكران. لكن النكران لم يعد خياراً مطروحاً. أقله بالنسبة إلي. يتملّكنى قلقٌ بالغ على أحفادي.
لن أدخل فى السجال حول ما إذا كان التغير المناخى من صنع الإنسان أو نتيجةً من نتائج التطور الطبيعى للأمور، لكن بغض النظر عن الأسباب، إنه واقعٌ مفروض علينا. السؤال المطروح هو التالي، ما هى الخطوات التى يتخذها العالم العربى ولا سيما الدول الخليجية فى هذا الصدد؟
هل كلّفت وزارات البيئة علماء وباحثين لدراسة الأسباب والتوصل إلى حلول؟ وفى حال فعلت ذلك، هل يلقى هؤلاء آذاناً صاغية؟ هل يتحرّك قادتنا للتخفيف من وقع المحتوم وتأثيراته؟ لا تحظى هذه المشكلة المصلتة فوق رؤوسنا بالاهتمام الكافى فى مجلس التعاون الخليجي. بالكاد يتكبّد أحدٌ ممّن ألتقيهم عناء التطرق إليها.
غير أن تقريراً نُشِر على البوابة الإلكترونية للحكومة الإماراتية يُشير إلى أن هناك وعياً لأهمية المشكلة. فهو يُقرّ بأن الإمارات "تُصنَّف بين فئات البلدان ذات المستوى الأعلى من الهشاشة إزاء التأثيرات المحتملة للتغير المناخي"، معللاً ذلك ب"ارتفاع درجات الحرارة، وتراجُع كميات هطول الأمطار، وموجات الجفاف، وارتفاع منسوب مياه البحار، وهبوب مزيد من العواصف". أضاف التقرير: "تلتزم الإمارات بالجهود الآيلة إلى مكافحة التغير المناخى انطلاقاً من إدراكها للمخاطر المترتبة عن التقاعس"، وقد عمدت إلى "التكليف بوضع دراسات دولية لتقييم مستويات ثانى أكسيد الكربون الآخذة فى الارتفاع فى الغلاف الجوى وما ينجم عن ذلك من تبدُّل فى الأنماط المناخية...".
تشمل الإجراءات المتّخذة وفقاً لوزارة الخارجية الإماراتية، استخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والنووية، واعتماد معايير جديدة فى الحفاظ على الطاقة، وتعزيز نظم المواصلات العامة، وتصميم المبانى عبر استخدام تقنيات تساهم فى التقليل من استهلاك الطاقة. ومن القطاعات التى يجب إيلاؤها أهمية خاصة فى هذا الإطار الأمن الغذائي. ألا يجدر بنا الاستثمار فى مصادر جديدة للغذاء والمياه النظيفة؟
عام 2009، نشر المنتدى العربى للبيئة والتنمية تقريراً مثيراً للقلق بعنوان "تأثير التغير المناخى على البلدان العربية"، لكنه مرّ مرور الكرام ولم يحظَ بالاهتمام اللازم. فقد حذّر التقرير من أن ندرة المياه فى العالم العربى "قد تبلغ مستويات حادة بحلول سنة 2025، ويجب البحث عن مصادر مائية جديدة مثل محطات تحلية المياه".
ونبّه التقرير أيضاً من الارتفاع الخطير فى منسوب مياه البحار فى مصر وتونس والمغرب والجزائر والكويت وقطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة. كما سلّط الضوء على التأثيرات السلبية على صحة الإنسان بسبب الأوبئة، وعلى الإنتاج الغذائى والتنوّع الأحيائى البيولوجى والسياحة.
وعام 2018، انتقد التقرير الصادر عن المنتدى بشدّة عدم جهوزية البلدان العربية لمواجهة التحديات الناجمة عن التغير المناخي. فقد ورد فى التقرير: "يتعذّر الوقوع على جهود منسّقة لجمع البيانات ووضع الأبحاث عن تأثيرات التغير المناخى فى مجالات عدة مثل الصحة والبنى التحتية والسياحة، فى حين يبدو أن التأثير الاقتصادى هو موضع تجاهل تام". ويناشد واضعو التقرير صنّاع السياسات المبادرة إلى اتخاذ تدابير عاجلة لدرء هذا التهديد.
من البلدان الأكثر تضرراً مصر التى تواجه ضربةً مزدوجة من خلال انحسار جريان النيل بسبب سد النهضة المثير للجدل الذى تعمل أثيوبيا على بنائه والذى من شأنه أن يؤثّر فى الإنتاج الزراعي، وخطر غمر المياه لمساحات شاسعة من الأراضى فى المناطق الساحلية فى الإسكندرية. جزر الملديف هى أيضاً من المناطق الأكثر تضرراً. فوفقاً لتوقعات البنك الدولي، قد تصبح الملديف بكاملها مغمورة بالمياه بحلول سنة 2100.
أما المسألة التى لا تحظى بالقسط الكافى من الاهتمام والنقاش فهى أن التغير المناخى قد يقود إلى اندلاع نزاعات. فقد حذّرت الأجهزة الدفاعية والاستخبارية من أن التأثيرات قد تتسبب بنشوب نزاعات حادة جداً بحيث إنها قد تؤدّى إلى اقتلاع السكان وبالتالى زيادة موجات الهجرة.
تحذّر دراسة صادرة عن الأممالمتحدة من اندلاع حروب مائية فى المناطق حيث المياه العذبة نادرة وتتشاركها دولٌ متحاذية. سوف يؤدّى الارتفاع فى درجات الحرارة إلى جانب التوسّع السكانى وتناقص الموارد الطبيعية إلى زيادة مخاطر نشوب النزاعات بنسبة تصل إلى 95 فى المئة فى غضون الأعوام الخمسين إلى المئة المقبلة.
ربما نسير غافلين نحو الكارثة كمَن يمشى فى رقاده فى هذه المنطقة من العالم، إنما يسود شعورٌ أكبر بإلحاحية المسألة وخطورتها فى بلدان أخرى. الأسبوع الماضي، نزل آلاف الناشطين إلى شوارع لندن وجسورها فى وقفة احتجاجية من تنظيم مجموعة Extinction Rebellion (الثورة على الانقراض) وقطعوا الطرقات حاملين لافتات كُتِب عليها: "ليس هناك كوكب ثانٍ نذهب إليه". ونُظِّمت تجمعات مماثلة فى مدن أخرى.
عام 2018، تصدّرت السويدية غريتا ثونبرغ، ابنة ال15 عاماً، العناوين عندما رفضت الذهاب إلى المدرسة وقررت بدلاً من ذلك توزيع منشورات خارج مقر البرلمان لتوعية المارّة. وقد ألهمت هذه الصغيرة الجريئة والملتزمة بالدفاع عن قضيتها، أكبر التظاهرات فى فنلندا حول موضوع التغير المناخي، ووُجِّهت إليها دعوةٌ لاحقاً لإلقاء كلمة أمام المندوبين فى المؤتمر الرابع والعشرين لأطراف اتفاقية المناخ الذى عقدته الأممالمتحدة.
يواظب العلماء منذ عقود على التحذير من مغبّة التأثير المدمِّر للاحترار العالمى والذى تزيد من حدّته انبعاثات ثانى أكسيد الكربون، وما يترتب عن ذلك من تداعيات تطال البشر والحياة البرية، إنما غالباً ما اعتُبِرت تحذيراتهم بأنها مجرد تهويل الهدف منه بث الذعر.
لقد استيقظت الحكومات وتنبّهت وأخيراً إلى التهديد المحدق بالكرة الأرضية، وتعهّدت عام 2015 بحصر الارتفاع فى درجة حرارة الأرض بأقل من درجتَين مئويتين، عندما وقّع 174 بلداً والاتحاد الأوروبى اتفاق باريس بحماسة شديدة. غير أن الزخم تبدّد عندما عمدت الولاياتالمتحدة، وهى ثانى أكبر دولة ملوِّثة فى العالم، إلى الانسحاب من الاتفاق. وعليه، يجب ألا يُسمَح لأمريكا بأن تأخذ زمام المبادرة فى هذا المجال، ولا يجدر بنا استخدام انسحابها ذريعةً للتعامل بلامبالاة مع المسألة وإعلان استسلامنا.
المؤتمرات والنقاشات وتوقيع الاتفاقات أمورٌ جيدة ولا بأس بها، لكن إذا لم تُتَّخذ إجراءات لخفض انبعاثات الاحتباس الحرارى والحد من آثار التغير المناخى على السكان، فسوف ندخل التاريخ فى صورة الجيل الخائن لكوكبه وسكّان الأرض. ولن يسامحنا الله تعالى على ما اقترفت أيدينا!