"ليس بى ذرة من تعصب، وإلا لما أكرمنى الناس بالإقبال على كتابى".. بهذه الكلمات أجاب العالم الراحل الدكتور مصطفى الشكعة عندما وجه له سؤال حول أسباب اتباعه صيغة الحيادية فى كتابه الأشهر "إسلام بلا مذاهب" أثناء حديثه عن تنوع واختلاف الفرق الإسلامية. وحقيقة الأمر هذه لم تكن شهادة الشكعة عن نفسه فحسب، بل كانت أيضاً شهادة أجلة العلماء، وعلى رأسهم الشيخ الكبير محمود شلتوت عن واحد من أبرز المدافعين عن الإسلام ضد مظاهر الغلو والتفريط، والهجمات الشرسة التى يتعرض لها هذا الدين. ولد "مصطفى الشكعة" أحد المفكرين البارزين، وعضو مجمع البحوث الإسلامية والعميد الأسبق لكلية الآداب جامعة عين شمس، ورئيس لجنة التعريف بالإسلام بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وعضو لجنة الحوار الإسلامى المسيحى بالأزهر الشريف، عام 1917 بمحافظة الغربية، وتحديدًا فى قرية محلة مرحوم المجاورة لمدينة طنطا، وتعلَّم فى مدارسها الابتدائية والثانوية، حتى توفى والده فلم يجد حاجة للبقاء فيها، وانتقل للعيش مع أخيه الذى كان يعمل موظفاً فى القاهرة. هناك، تعرف الشكعة على جماعة الإخوان المسلمين عن طريق أخيه - عضو الجماعة - ورأى فيهم دعوة إسلامية كافية تتفق مع سماحة الإسلام وعظمة شريعته، فكانوا بالنسبة له هم مجددو الدعوة الإسلامية، وعلى رأسهم مرشدهم حسن البنا. التحق الشكعة بجماعة الإخوان المسلمين منذ أن كان مقر الجماعة عبارة عن غرفة فى إحدى الشقق السكنية فى حارة عبد الله بك فى (اليكنية) وهو الحى العريق المتواضع الملاصق لنهاية شارع محمد على، وكان يسكن فى نفس الحى فى بيت مستقل الإمام حسن البنا، ومعه والداه وإخوته، والذى طلب من مريدوه فيما بعد أن يتطوع أحدهم للبحث عن مقر أوسع، فرحب الشكعة بهذا الطلب وبدأ فى البحث حتى وجد شقة فى شارع الناصرية ونجح فى نقل مقر الإخوان إليها. كان الشكعة الذى تخرج فى كلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1944 ونال الدكتوراه عام 1954، وعمل مستشاراً ثقافياً لمصر فى واشنطن فى الستينيات، وأصبح عميداً لكلية الآداب بجامعة عين شمس عام 1976، دائماً ما يقول عن الإخوان، أنهم بعثوا الدين مرةً أخرى فى قلب المجتمع، وأحيوه فى النفوس، وأهم ما يميزهم تبنِّيهم للوسطية التى يتسم بها الإسلام، وكان دائم الحديث عن ثقة المرشد فيه وهو فى سن صغيرة عندما كان يسأله أن يلقى محاضرات كبار العلماء على أفراد الجماعة مثل الأستاذ مظهر سعيد، والشيخ مصطفى عبد الرازق وعمر التلمسانى. كانت ثمة علاقة تربط الشكعة بالشيخ حسن البنا، حيث كان من أكثر المريدين قربا إلى قلب المرشد، وكان كثيراً ما يقول عنه "الإمام حسن البنا رجل طيب السمت، ساحر حين يتكلم، إلى درجة تجعل كل من يستمع إليه يتعلق به". لم تمر علاقة الشكعة بالإخوان فى سلام، حيث كاد ذات مرة أن يُعدم عندما سُجن فى اليمن بعد فشل الثورة هناك، برفقة أحد كبار الجماعة الذى أرسله البنا ليحل محله فى مساندة الثوار، حتى استطاع إرسال برقية إلى وزارة الخارجية فى مصر، فحولها الوزير إلى النقراشى رئيس الوزراء آنذاك، والذى تدخل لإخراجهم من السجن وترحيلهم إلى مصر. قرر الشكعة، أن ينفصل عن الجماعة عندما رفض البنا أن يستجيب للرسالة التى وجهها له يطلب منه إقصاء الرجل الذى مثله فى اليمن، لأنه أصبح وجها مكشوفا وتلاحقه كثير من الشكوك، ولكن البنا لم يستجب لذلك، فاعتبر الشكعة نفسه مستقيلا، واعتبره المسئولون فى الجمعية كذلك. رغم انفصاله عن الإخوان منذ سنوات، ظل الشكعة، الذى نال جائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام 1989، يردد طوال أحاديثه الصحفية قبل وفاته أمس عن عمر يناهز 94، أن جماعة الإخوان نجحت فى كسب قلوب المواطنين داخل المجتمع المصرى، وأنه لو أتيح لهم المشاركة بانتخابات نزيهة لحصلوا على أكثر من 70% من أصوات الناخبين.