مياه المنوفية: اختتام فاعليات القافلة المائية بقرية شبشير طملاي بمنوف    باستثمارات 87.4 مليون يوان.. افتتاح مصنع لإنتاج الهياكل الفولاذية باقتصادية قناة السويس    أمير الكويت يتلقى رسالة من رئيس وزراء باكستان تتصل بالعلاقات الثنائية    جنرال بريطاني يوضح أهم أسباب عجز كييف رغم المساعدات الغربية    مندوب فلسطين لدى الجامعة العربية: الفيتو الأمريكي انتهاك لالتزام واشنطن بحل الدولتين    نعمت شفيق.. الاقتصادية المصرية التي أشعلت الجامعات الأمريكية بمظاهرات مؤيدة لفلسطين بدون قصد    الأهلي يسيطر على الجوائز الفردية ببطولة إفريقيا للطائرة    مصدر أمني بالمنيا: الهدوء يعم قرية الفواخر ولا توجد أية إصابات    رسميا..موعد امتحانات الشهادة السودانية 2024 وتاريخ انتهائها    رامي جمال يطرح ألبوم "خليني أشوفك"    ثقافة الوادي الجديد تحتفل بذكرى تحرير سيناء    طرح البرومو الرسمي لفيلم السرب    التواصل مع مستثمرين إماراتيين، قرار جديد من إدارة برشلونة لحل الأزمة المالية    حزب الحركة الوطنية يناقش خطة عمل المرحلة المقبلة والاستعداد لانتخابات المحليات    الشباب ومشكلات السوشيال ميديا، ندوة بمكتبة مصر العامة    الخميس ولا الجمعة؟.. الموعد المحدد لضبط التوقيت الصيفي على هاتفك    بمناسبة العيد القومي لسيناء.. وزير الرياضة يشارك مع فتيات العريش مهرجان 100 بنت ألف حلم    وزير العدل يختتم مؤتمر الذكاء الاصطناعي التوليدي وأثره على حقوق الملكية الفكرية    روسيا تبحث إنشاء موانئ في مصر والجزائر ودول إفريقية أخرى    بكين ترفض الاتهامات الأمريكية بشأن تبادلاتها التجارية مع موسكو    الصين تعلن انضمام شركاء جدد لبناء وتشغيل محطة أبحاث القمر الدولية    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع الخامس لسرقته    تفاصيل مؤتمر بصيرة حول الأعراف الاجتماعية المؤثرة على التمكين الاقتصادي للمرأة (صور)    عضو بالشيوخ: مصر قدمت ملحمة وطنية كبيرة في سبيل استقلال الوطن    مصرف قطر المركزي يصدر تعليمات شركات التأمين الرقمي    هنا الزاهد تروج لفيلم "فاصل من اللحظات اللذيذة" بردود أفعال الجمهور    نصيحة الفلك لمواليد 24 إبريل 2024 من برج الثور    الكشف على 117 مريضا ضمن قافلة مجانية في المنوفية    «الصحة»: فحص 1.4 مليون طالب ضمن مبادرة الكشف المبكر عن فيروس سي    «الأطفال والحوامل وكبار السن الأكثر عرضة».. 3 نصائح لتجنب الإصابة بضربة شمس    «الرعاية الصحية في الإسماعيلية»: تدريب أطقم التمريض على مكافحة العدوى والطوارئ    5 كلمات.. دار الإفتاء: أكثروا من هذا الدعاء اليوم تدخل الجنة    حقيقة حديث "الجنة تحت أقدام الأمهات" في الإسلام    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم العراقي مهدي عباس    11 يومًا مدفوعة الأجر.. مفاجأة سارة للموظفين والطلاب بشأن الإجازات في مايو    نقيب «أسنان القاهرة» : تقديم خدمات نوعية لأعضاء النقابة تيسيرا لهم    أيمن الشريعى: لم أحدد مبلغ بيع "اوفا".. وفريق أنبى بطل دورى 2003    عاجل.. برشلونة يقاضي ريال مدريد بسبب هدف لامين يامال    جديد من الحكومة عن أسعار السلع.. تنخفض للنصف تقريبا    رئيس "التخطيط الاستراتيجي": الهيدروجين الأخضر عامل مسرع رئيسي للتحول بمجال الطاقة السنوات المقبلة    المستشار أحمد خليل: مصر تحرص على تعزيز التعاون الدولي لمكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب    هل يجوز أداء صلاة الحاجة لقضاء أكثر من مصلحة؟ تعرف على الدعاء الصحيح    قبطان سفينة عملاقة يبلغ عن إنفجار بالقرب من موقعه في جنوب جيبوتي    دماء على «فرشة خضار».. طعنة في القلب تطيح بعشرة السنين في شبين القناطر    بعد أن وزّع دعوات فرحه.. وفاة شاب قبل زفافه بأيام في قنا    خبراء استراتيجيون: الدولة وضعت خططا استراتيجية لتنطلق بسيناء من التطهير إلى التعمير    فوز الدكتور محمد حساني بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الأفريقية    اسكواش - فرج: اسألوا كريم درويش عن سر التأهل ل 10 نهائيات.. ومواجهة الشوربجي كابوس    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    إبادة جماعية.. جنوب إفريقيا تدعو إلى تحقيق عاجل في المقابر الجماعية بغزة    "حفل أم كلثوم والكأس من العباسية للجزيرة".. الدور الوطني للنادي الأهلي في ذكرى تأسيسه ال117    مدبولي: دعم الصناعة أصبح يؤتي ثماره في العديد من القطاعات الإنتاجية    ضبط 16965 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    الحج في الإسلام: شروطه وحكمه ومقاصده    «خيال الظل» يواجه تغيرات «الهوية»    بشير التابعي: أتوقع تواجد شيكابالا وزيزو في التشكيل الأساسي للزمالك أمام دريمز    دعاء العواصف والرياح.. الأزهر الشريف ينشر الكلمات المستحبة    أجمل مسجات تهنئة شم النسيم 2024 للاصدقاء والعائلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كليات القمة وكليات القاع!
نشر في اليوم السابع يوم 26 - 07 - 2018

لا أدرى متى ظهر مصطلح «كليات القمة» ولا مَن الذى اخترعه، ولكن ما أعلمه أنه أصبح عرفًا عامًّا ومصطلحًا أشبه بقاعدة متفق عليها، حتى إن كثيرًا من المسؤولين يردده وكأنه مصطلح علمى! ولوضوح المقصود بالمصطلح لا يحتاج سامعه إلى تفسير المراد به، فكليات القمة عند إطلاقها يتبادر إلى الذهن كليات الطب والهندسة والاقتصاد والعلوم السياسية، وقد يتوسع المصطلح ليشمل كليات تكون غالبًا فى المرحلة الأولى من تنسيق الجامعات العامة.
وأرى أنه ينبغى أن يُنظر إلى هذا المصطلح على أنه مصطلح مقيت وغير منضبط ويضر أكثر مما ينفع، بل لا يجانبنا الصواب إذا قلنا إنه مصطلح طبقى عنصرى دونى بغيض، يرسخ للطبقية الاجتماعية والعلمية ويغذى مشاعر الحقد والكراهية فى النفوس، فمصطلح كليات القمة يقتضى بالمقابل وجود «كليات القاع» التى لا يلتحق بها إلا البلداء ضعاف التحصيل، وهذا بلا شك يؤثر سلبًا على معنوياتهم وهمتهم فى التعامل مع مقررات كلياتهم التى يلتحقون بها، ولعل ذلك يرجع إلى نظرة المجتمع لخريجى هذه الكليات وشرف الأعمال التى يباشرونها كأطباء ومهندسين... إلخ، بينما تختلف النظرة إلى خريجى كليات مثل الآداب والحقوق أو الكليات النظرية والشرعية بالنسبة للأزهر الشريف.
وهذه المعايير فى الحقيقة غير ثابتة ولا منضبطة، فإذا كانت كليات الطب والهندسة قديمًا تضمن فرص عمل حقيقية لخريجيها فور تخرجهم لحاجة سوق العمل آنذاك، فبعض مَن يتخرجون فيها اليوم يعملون فى الأعمال الحرفية التى يعمل بها كثير من زملائهم خريجى «كليات القاع»، كما أنه ليس كل الأطباء الذين يعملون بمهنة الطب من أولئك الأطباء المهرة المشهورين الذين لديهم أكثر من عيادة فى أكثر من مدينة مثلًا، ولا كلهم الطبيب الذى تذهب إليه فتدفع له آلافًا من الجنيهات نظير فحص وإجراء عملية، ناهيك عن صالات عياداته المزدحمة بالمرضى، فمنهم كثير ممن يهفو قلبه آملًا أن تكون أصوات الأقدام الصاعدة على سلم العمارة أو البيت الذى تقع فيه عيادته متجهة إلى عيادته الخاوية فى هذا المكان البئيس! وكثير من المهندسين الذين قضوا سنوات من عمرهم فى الكلية التى تحسب من «كليات القمة» يطرقون أبواب الشركات والمؤسسات العاملة فى مجال تخصصهم ليعملوا ولو إداريين وليس مهندسين فيها! وبالرغم من أن خريجى «كليات القاع» ربما يعانون معاناة شديدة بعد تخرجهم، فإن كثيرًا منهم وُفِّقوا فى حياتهم وشغلوا مناصب لا يحلم بها كثير ممن تخرجوا فى «كليات القمة»، فرؤساء كثير من الدول شرقًا وغربًا ومعظم وزرائها ورجال الأعمال بها لم يتخرجوا فى كليات الطب والهندسة وغيرهما من «كليات القمة»، بل إن كثيرًا ممن يعملون فى السلك الدبلوماسى لم يتخرجوا فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.
وعليه، فإننا إذا نظرنا إلى خريجى الكليات وأردنا تصنيفهم وترتيب كلياتهم من حيث أثرها فى المجتمع، لوجدنا كليات كثيرة لا يُنظر إليها على أنها من «كليات القمة» هى أولى بأن تحتل موقع الصدارة العلمية وأن يكون خريجوها محل التقدير الاجتماعى والاهتمام الرسمى، وذلك أن الطبيب يعالج المرضى وقد يخرج أطباء إن عمل فى الجامعة، وكذلك المهندس يشيد المبانى والجسور ويخرج مهندسين إن هو عمل فى الجامعة، لكن خريج كليات كاللغة العربية ودار العلوم والآداب والتربية هو الذى علم الطبيب والمهندس والكيميائى والصيدلى.. إلخ، بل إنه هو مَن علم السفير والوزير ورئيس الجمهورية، كما أن كلية الحقوق مثلًا - وإن كانت قديمًا - وربما لا تزال - تقبل الحاصلين على درجات النجاح فى الثانوية العامة ولم تكن أبدًا ضمن «كليات القمة» - هى الكلية التى تخرج وكلاء النيابة والقضاة العاملين فى السلك القضائى، ولم يقل أحد إن مَن يتخرجون فى «كليات القمة» يتساوون مع مَن يتخرجون فى هذه الكلية، سواء من ناحية الوجاهة الاجتماعية أو النفوذ الوظيفى أو غيرهما من الاعتبارات.
ولذا، فإن على المعنيين العمل على تصحيح هذا العرف الفاسد وتقويم هذه الثقافة المجتمعية المختلة التى لا يؤيدها الواقع، ولا تتفق مع متطلبات ومقومات نهوض الدول وتقدم الشعوب، وذلك بإيجاد آلية منضبطة تقيس قدرات الطلاب العلمية ومهاراتهم الشخصية، وتوجِّه الطلاب إلى اختيار الكليات المناسبة دون أن يكون معيار القبول هو المجموع الكلى، فمن المعلوم أن نظام القبول الجامعى الحالى يجعل معيار الالتحاق بالكليات التى يطلق عليها «كليات القمة» هو الدرجات المرتفعة التى يحصل عليها الطالب فى الشهادة الثانوية، بينما تتدنى درجات القبول فى الكليات الشرعية والعربية والنظرية بشكل عام، مع أنه قد يغمى على طالب حصل على الدرجات النهائية فى القسم العلمى «علوم» عند مروره بالقرب من مشرحة الكلية التى التحق بها لارتفاع مجموعه، وقد لا يطيق آخر رائحة التراكيب الكيميائية المستخدمة فى الدواء وغيره، وقد لا يستطيع ثالث الإمساك بمشرط الجراحة، وربما يفتقد طالب تفوق فى القسم العلمى «رياضيات» أى موهبة لرسم معمارى بسيط، وقد يعانى آخر فوبيا الأماكن المرتفعة أو الضيقة. وفى المقابل، قد يعانى أحد الطلاب الملتحقين بكلية تخرج معلمين مثلًا من مشكلة فى السمع أو النطق، كما لا يرجى نفع أو تأثير من خطيب أو إمام تخرج فى إحدى الكليات المتخصصة وهو فاقد لمهارات الإلقاء واللغة أو ليست لديه قدرة على مواجهة الجماهير.
ومن ثم، فإنه ينبغى ألا يكون المجموع الكلى هو المعيار الوحيد فى تحديد المسار الجامعى للطلاب، بل ينبغى أن تكون ميول الطالب وقدراته العلمية ومهاراته الشخصية وعدم معاناته من مشكلة تعوق عمله بعد تخرجه، محل اعتبار وموضع اهتمام، بل ينبغى أن تكون مقدمة على مجموع الدرجات فى الثانوية، بالإضافة إلى مؤشر مجموع الدرجات فى بعض المواد الضرورية للتخصص، وعلينا كآباء أن نوجه أبناءنا وبناتنا إلى اختيار الكليات التى توافق ميولهم ورغباتهم حتى لو كانت أقل كثيرًا من مجموع درجاتهم. وأذكر أيام كنت فى الثانوية الأزهرية أن زميلًا لى فى الثانوية العامة حصل على المركز الأول على مستوى الجمهورية فى القسم الأدبى، إلا أنه فاجأ الجميع باختياره الالتحاق بكلية الحقوق، لكنه كان يعرف طريقه جيدًا، حيث حافظ على تفوقه حتى أصبح أستاذًا بالكلية، وربما لو التحق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية كما كنا نتوقع لم يكن ليوفق فيها هذا التوفيق الذى تحقق له فى الكلية التى التحق بها رغبةً واختيارًا وليس توجيهًا من الأهل أو تنسيقًا، وفى المقابل أعرف - وتعرفون أيضًا - طلابًا التحقوا بكليات الطب والهندسة، لكن كثر رسوبهم فيها فحولوا إلى كليات نظرية فكان التوفيق حليفهم، وربما لم يوفق كثير منهم فيها أيضًا نظرًا لما أصابهم من إحباط.
وفى النهاية، أبارك لأبنائى وبناتى المتفوقين والناجحين فى الثانوية الأزهرية والعامة، وأرجو لهم التوفيق والسداد فى حياتهم العلمية والعملية، وأنصحهم بالالتحاق بالكليات التى يحبونها دون النظر إلى المجموع الذى حصلوا عليه حتى يحافظوا على تفوقهم ويكونوا نافعين لأنفسهم ومساهمين فى نهضة وطنهم، وبذلك يضعون هم أنفسهم نهاية لهذا المصطلح البغيض، ليحل محله تصنيف الخريج على أساس نفعه لمجتمعه ونجاحه فى عمله وليس على أساس تصنيف الكلية التى تخرج فيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.