مصر تستورد من الصين ب 14.7 مليار دولار في 10 أشهر من 2025    سوق الأسهم الأمريكية تقترب من أعلى مستوياتها على الإطلاق    عاجل من "الطب البيطري" بشأن حقيقة عدم صلاحية اللحوم الحمراء في الأسواق    ألمانيا والنقابات العمالية تبدأ مفاوضات شاقة حول أجور القطاع العام    عاجل| البحرية الإيرانية: المدمرتان سهند وكردستان تتوليان تأمين السفن الإيرانية    حماس تدين قصف الاحتلال لخيام النازحين جنوب غزة: جريمة حرب واستهتار باتفاق وقف إطلاق النار    الشباب والرياضة: نتعامل مع واقعة وفاة السباح يوسف بمنتهى الحزم والشفافية    إنتر يكتسح فينيزيا بخماسية ويتأهل إلى ربع نهائي كأس إيطاليا    اتهام بالمنشطات.. كيف غرق يوسف سبّاح الزهور تحت أعين 20 حكمًا؟    بايرن ميونخ يعبر يونيون برلين بصعوبة ويتأهل إلى ربع نهائي كأس ألمانيا    تصادم موتوسيكلات ينهى حياة شاب ويصيب آخرين في أسوان    العناية الإلهية تنقذ أسرة من حريق سيارة ملاكى أمام نادى أسوان الرياضى    حبس 4 عمال بمطعم لاتهامهم بسرقة أجنبي داخل شقته بالشيخ زايد    بحضور وزير الثقافة.. ليلة في حب خالد جلال بالمسرح القومي    آثار القاهرة تنظم ندوة علمية حول النسيج في مصر القديمة واتجاهات دراسته وصيانته    ياسمين الحصرى ل معكم: أتمنى أن يقبل الله عملي وينالني شفاعة النبي    هل الفراخ السردة غير صالحة للاستهلاك الآدمي؟ شعبة الثروة الداجنة توضح    قائد القوات البحرية يكشف تفاصيل تصنيع قاطرتين بقوة شد 190 طنًا    رئيس جامعة المنوفية وأمين عام الأعلى للجامعات يطلقان فعاليات مؤتمر خدمة المجتمع    غرفة عمليات حزب المؤتمر تصدر البيان الختامي لليوم الأول للدوائر الملغاة بانتخابات النواب    «هل عندي وقت ؟»| أحمد فهمي يحسم جدل تورطه في فيديو يسيء لأسرة هنا الزاهد    حلمي عبد الباقي: لا أحد يستطيع هدم النقابة وكل ما يتم نشره ضدي كذب    أكرم القصاص ل إكسترا نيوز: ضمانات الانتخابات أعادت الثقة للناخبين    بعد عدة نجاحات في مهرجان الجونة.. برنامج تسمحلى بالمشية دي في مهرجان البحر الأحمر    الاتحاد الأوروبي يدرس إضافة روسيا إلى القائمة السوداء لغسل الأموال وتمويل الإرهاب    بدء تحصيل الزيادة الجديدة في قانون الإيجار القديم من ديسمبر... اعرف قيمتها    مها محمد: كوليس ورد وشيكولاتة أجمل من التصوير    صحة الإسماعيلية تختتم دورة السلامة المهنية داخل معامل الرصد البيئي    قرارات جديدة تعزز جودة الرعاية الصحية.. اعتماد 19 منشأة صحية وفق معايير GAHAR المعتمدة دوليًا    «هربنا قبل أن نغرق».. شهادات مروّعة من قلب الفيضانات التي ضربت نصف القارة الآسيوية    مجموعة مصر.. الأردن يضرب الإمارات بهدف على علوان في شوط أول نارى    هل يجوز التصدق من أرباح البنوك؟| أمين الفتوى يجيب    انتهاء ترميم المبانى الأثرية بحديقتى الحيوان والأورمان    لأول مرّة| حماية إرادة الناخبين بضمان رئاسى    هل يعتبر مريض غازات البطن من أصحاب الأعذار ؟| أمين الفتوى يجيب    عون: لبنان تعب من المهاترات التي مزقته    الخامس في قنا.. القبض على " قرموش" لشراء اصوات الناخبين    أوسكار رويز يعقد اجتماعًا فنيًا مع الحكام لمراجعة بعض الحالات    مياه الشرب بالجيزة: كسر مفاجئ بخط مياه قطر 1000 مم أمام مستشفى أم المصريين    «الري» تتعاقد على تنفيذ التغذية الكهربائية لمحطتي البستان ووادي الصعايدة    في يومهم العالمي.. 5 رسائل من الأزهر لكل أسرة ترعى طفلا من ذوي الإعاقة    وكيل لجنة مراجعة المصحف ورئيس منطقة الغربية يتفقدان مسابقة الأزهر السنوية لحفظ القرآن الكريم    ما مصير امتحانات الثانوية العامة بعد بلوغ «عبد الحكم» سن المعاش؟.. تفاصيل    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 3ديسمبر 2025 فى المنيا.. اعرف مواقيت صلاتك    انعقاد الاجتماع الرابع للجنة الفنية المصرية – التونسية للتعاون الاستثماري    السيدة انتصار السيسي تحتفي بيوم أصحاب الهمم: قلوب مليئة بالحب    صدام عربي مرتقب.. الأردن والإمارات يفتتحان مشوارهما في كأس العرب 2025    بث مباشر.. ليفربول ضد ساندرلاند في البريميرليج: مواجهة نارية على أنفيلد    الأرصاد: استمرار انخفاض درجات الحرارة الملحوظ على مختلف أنحاء البلاد.. فيديو    ضبط عامل يوزع كروت دعاية انتخابية على رواد أحد المخابز بالبحيرة قبل بدء العملية الانتخابية    الصحة تعلن ضوابط حمل الأدوية أثناء السفر| قواعد إلزامية لتجنب أي مشكلات قانونية    أطعمة تعالج الأنيميا للنساء، بسرعة وفي وقت قياسي    لاول مرة فى مستشفي شبين الكوم بالمنوفية..استخراج ملعقة من بطن سيدة مسنة أنقذت حياتها    متابعة حية.. العراق يلتقي البحرين في قمة مثيرة بكأس العرب 2025    مجلس حكماء المسلمين يشارك بجناح خاصٍّ في معرض العراق الدولي للكتاب 2025    توافد الناخبين للتصويت في جولة الإعادة بانتخابات النواب بالإسكندرية| صور    الأمم المتحدة تحتفل باليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة    «الوطنية للانتخابات»: إعادة 19 دائرة كانت قرارًا مسبقًا.. وتزايد وعي المواطن عزز مصداقية العملية الانتخابية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كليات القمة وكليات القاع!
نشر في اليوم السابع يوم 26 - 07 - 2018

لا أدرى متى ظهر مصطلح «كليات القمة» ولا مَن الذى اخترعه، ولكن ما أعلمه أنه أصبح عرفًا عامًّا ومصطلحًا أشبه بقاعدة متفق عليها، حتى إن كثيرًا من المسؤولين يردده وكأنه مصطلح علمى! ولوضوح المقصود بالمصطلح لا يحتاج سامعه إلى تفسير المراد به، فكليات القمة عند إطلاقها يتبادر إلى الذهن كليات الطب والهندسة والاقتصاد والعلوم السياسية، وقد يتوسع المصطلح ليشمل كليات تكون غالبًا فى المرحلة الأولى من تنسيق الجامعات العامة.
وأرى أنه ينبغى أن يُنظر إلى هذا المصطلح على أنه مصطلح مقيت وغير منضبط ويضر أكثر مما ينفع، بل لا يجانبنا الصواب إذا قلنا إنه مصطلح طبقى عنصرى دونى بغيض، يرسخ للطبقية الاجتماعية والعلمية ويغذى مشاعر الحقد والكراهية فى النفوس، فمصطلح كليات القمة يقتضى بالمقابل وجود «كليات القاع» التى لا يلتحق بها إلا البلداء ضعاف التحصيل، وهذا بلا شك يؤثر سلبًا على معنوياتهم وهمتهم فى التعامل مع مقررات كلياتهم التى يلتحقون بها، ولعل ذلك يرجع إلى نظرة المجتمع لخريجى هذه الكليات وشرف الأعمال التى يباشرونها كأطباء ومهندسين... إلخ، بينما تختلف النظرة إلى خريجى كليات مثل الآداب والحقوق أو الكليات النظرية والشرعية بالنسبة للأزهر الشريف.
وهذه المعايير فى الحقيقة غير ثابتة ولا منضبطة، فإذا كانت كليات الطب والهندسة قديمًا تضمن فرص عمل حقيقية لخريجيها فور تخرجهم لحاجة سوق العمل آنذاك، فبعض مَن يتخرجون فيها اليوم يعملون فى الأعمال الحرفية التى يعمل بها كثير من زملائهم خريجى «كليات القاع»، كما أنه ليس كل الأطباء الذين يعملون بمهنة الطب من أولئك الأطباء المهرة المشهورين الذين لديهم أكثر من عيادة فى أكثر من مدينة مثلًا، ولا كلهم الطبيب الذى تذهب إليه فتدفع له آلافًا من الجنيهات نظير فحص وإجراء عملية، ناهيك عن صالات عياداته المزدحمة بالمرضى، فمنهم كثير ممن يهفو قلبه آملًا أن تكون أصوات الأقدام الصاعدة على سلم العمارة أو البيت الذى تقع فيه عيادته متجهة إلى عيادته الخاوية فى هذا المكان البئيس! وكثير من المهندسين الذين قضوا سنوات من عمرهم فى الكلية التى تحسب من «كليات القمة» يطرقون أبواب الشركات والمؤسسات العاملة فى مجال تخصصهم ليعملوا ولو إداريين وليس مهندسين فيها! وبالرغم من أن خريجى «كليات القاع» ربما يعانون معاناة شديدة بعد تخرجهم، فإن كثيرًا منهم وُفِّقوا فى حياتهم وشغلوا مناصب لا يحلم بها كثير ممن تخرجوا فى «كليات القمة»، فرؤساء كثير من الدول شرقًا وغربًا ومعظم وزرائها ورجال الأعمال بها لم يتخرجوا فى كليات الطب والهندسة وغيرهما من «كليات القمة»، بل إن كثيرًا ممن يعملون فى السلك الدبلوماسى لم يتخرجوا فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.
وعليه، فإننا إذا نظرنا إلى خريجى الكليات وأردنا تصنيفهم وترتيب كلياتهم من حيث أثرها فى المجتمع، لوجدنا كليات كثيرة لا يُنظر إليها على أنها من «كليات القمة» هى أولى بأن تحتل موقع الصدارة العلمية وأن يكون خريجوها محل التقدير الاجتماعى والاهتمام الرسمى، وذلك أن الطبيب يعالج المرضى وقد يخرج أطباء إن عمل فى الجامعة، وكذلك المهندس يشيد المبانى والجسور ويخرج مهندسين إن هو عمل فى الجامعة، لكن خريج كليات كاللغة العربية ودار العلوم والآداب والتربية هو الذى علم الطبيب والمهندس والكيميائى والصيدلى.. إلخ، بل إنه هو مَن علم السفير والوزير ورئيس الجمهورية، كما أن كلية الحقوق مثلًا - وإن كانت قديمًا - وربما لا تزال - تقبل الحاصلين على درجات النجاح فى الثانوية العامة ولم تكن أبدًا ضمن «كليات القمة» - هى الكلية التى تخرج وكلاء النيابة والقضاة العاملين فى السلك القضائى، ولم يقل أحد إن مَن يتخرجون فى «كليات القمة» يتساوون مع مَن يتخرجون فى هذه الكلية، سواء من ناحية الوجاهة الاجتماعية أو النفوذ الوظيفى أو غيرهما من الاعتبارات.
ولذا، فإن على المعنيين العمل على تصحيح هذا العرف الفاسد وتقويم هذه الثقافة المجتمعية المختلة التى لا يؤيدها الواقع، ولا تتفق مع متطلبات ومقومات نهوض الدول وتقدم الشعوب، وذلك بإيجاد آلية منضبطة تقيس قدرات الطلاب العلمية ومهاراتهم الشخصية، وتوجِّه الطلاب إلى اختيار الكليات المناسبة دون أن يكون معيار القبول هو المجموع الكلى، فمن المعلوم أن نظام القبول الجامعى الحالى يجعل معيار الالتحاق بالكليات التى يطلق عليها «كليات القمة» هو الدرجات المرتفعة التى يحصل عليها الطالب فى الشهادة الثانوية، بينما تتدنى درجات القبول فى الكليات الشرعية والعربية والنظرية بشكل عام، مع أنه قد يغمى على طالب حصل على الدرجات النهائية فى القسم العلمى «علوم» عند مروره بالقرب من مشرحة الكلية التى التحق بها لارتفاع مجموعه، وقد لا يطيق آخر رائحة التراكيب الكيميائية المستخدمة فى الدواء وغيره، وقد لا يستطيع ثالث الإمساك بمشرط الجراحة، وربما يفتقد طالب تفوق فى القسم العلمى «رياضيات» أى موهبة لرسم معمارى بسيط، وقد يعانى آخر فوبيا الأماكن المرتفعة أو الضيقة. وفى المقابل، قد يعانى أحد الطلاب الملتحقين بكلية تخرج معلمين مثلًا من مشكلة فى السمع أو النطق، كما لا يرجى نفع أو تأثير من خطيب أو إمام تخرج فى إحدى الكليات المتخصصة وهو فاقد لمهارات الإلقاء واللغة أو ليست لديه قدرة على مواجهة الجماهير.
ومن ثم، فإنه ينبغى ألا يكون المجموع الكلى هو المعيار الوحيد فى تحديد المسار الجامعى للطلاب، بل ينبغى أن تكون ميول الطالب وقدراته العلمية ومهاراته الشخصية وعدم معاناته من مشكلة تعوق عمله بعد تخرجه، محل اعتبار وموضع اهتمام، بل ينبغى أن تكون مقدمة على مجموع الدرجات فى الثانوية، بالإضافة إلى مؤشر مجموع الدرجات فى بعض المواد الضرورية للتخصص، وعلينا كآباء أن نوجه أبناءنا وبناتنا إلى اختيار الكليات التى توافق ميولهم ورغباتهم حتى لو كانت أقل كثيرًا من مجموع درجاتهم. وأذكر أيام كنت فى الثانوية الأزهرية أن زميلًا لى فى الثانوية العامة حصل على المركز الأول على مستوى الجمهورية فى القسم الأدبى، إلا أنه فاجأ الجميع باختياره الالتحاق بكلية الحقوق، لكنه كان يعرف طريقه جيدًا، حيث حافظ على تفوقه حتى أصبح أستاذًا بالكلية، وربما لو التحق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية كما كنا نتوقع لم يكن ليوفق فيها هذا التوفيق الذى تحقق له فى الكلية التى التحق بها رغبةً واختيارًا وليس توجيهًا من الأهل أو تنسيقًا، وفى المقابل أعرف - وتعرفون أيضًا - طلابًا التحقوا بكليات الطب والهندسة، لكن كثر رسوبهم فيها فحولوا إلى كليات نظرية فكان التوفيق حليفهم، وربما لم يوفق كثير منهم فيها أيضًا نظرًا لما أصابهم من إحباط.
وفى النهاية، أبارك لأبنائى وبناتى المتفوقين والناجحين فى الثانوية الأزهرية والعامة، وأرجو لهم التوفيق والسداد فى حياتهم العلمية والعملية، وأنصحهم بالالتحاق بالكليات التى يحبونها دون النظر إلى المجموع الذى حصلوا عليه حتى يحافظوا على تفوقهم ويكونوا نافعين لأنفسهم ومساهمين فى نهضة وطنهم، وبذلك يضعون هم أنفسهم نهاية لهذا المصطلح البغيض، ليحل محله تصنيف الخريج على أساس نفعه لمجتمعه ونجاحه فى عمله وليس على أساس تصنيف الكلية التى تخرج فيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.